حب ذكر الغير بالنقائص والعيوب ،
 وكراهة أن يُذكر أحد عنده بخير ،
 بل وانتقاص الآخرين ليرفع نفسه ،
 فلا يدل على من هو أفضل منه في الدين أو العلم ، 
بل ويحجب فضائل الآخرين ويكتم أخبارهم خشية أن يستدل الناس عليهم 
فيتركوه ويذهبوا إلى غيره ، أو يقارنوا بينه وبين من هو خير منه 
الحسرة إذا زالت أو سُلِبت منه الرئاسة ،
 وتأمل لو أن عالما تصدَّر مجلس علم مثلا ، فالتف الناس حوله ، ثم جاء 
من هو أعلم منه فقدَّمه الناس عليه وانقطعوا إليه ، فهل يفرح هذا العالم 
أو يحزن؟ هل يفرح لأنه قد جاء من هو أعلم منه يحمل عنه المسئولية 
ويرفع عنه التبعة ويفيد الناس أكثر منه ؛ أم يحزن ويغتم لأنه قد جاء 
من خطف منه الأضواء وصيحات الإعجاب؟! بهذا تفضح قلبك أيها 
الداعية إذا خشيت مرضه وأردت شفاءه.
" وقد يكون الواعظ صادقا قاصدا للنصيحة إلا أن منهم من شرب الرئاسة 
في قلبه مع الزمان فيحب أن يُعظَّم ، وعلامته : أنه إذا ظهر واعظ ينوب 
عنه أو يعينه على الخلق كره ذلك ، ولو صحَّ قصده لم يكره أن يعينه 
" ومنهم من يفرح بكثرة الأتباع ، ويلبِّس عليه إبليس بأن هذا 
الفرح لكثرة طلاب العلم ، وإنما مراده كثرة الأصحاب " .
إنها مجالس السوء وإن كان ظاهرها الخير ، وأماكن الفتنة
 وإن رُفِعت عليها رايات الهدى ، ووسائل الهلاك وإن صُنِعت للنجاة!!
كم شارب عسلا فيهمنِيته        وكم تقلَّد سيفا من به ذُبِحا
وتستطيع أخي الداعية أن تُجري اختبارا واحدا يكشف لك حقيقة
 مجالسك على الفور ، وذلك على طريقة ابتكرها 
عبد الرحمن بن مهدي وهي كما يلي :
عن عبد الرحمن بن مهدي قال : 
" كنتُ أجلس يوم الجمعة فإذا كثر الناس فرحت ، وإذا قلوا حزنت ، 
فسألت بشر بن منصور فقال : هذا مجلس سوء فلا تعُد إليه ، 
حسرة قلبه إذا منع من الظهور وفاتته فرصة إبداء إمكاناته واستعراض 
قدراته ، وبالحلو تُعرف المرارة ، وبالضد تتميز الأشياء لذا فاسمعوا
 ما فعل المحدِّث الرباني شيخ نيسابور أبي عمرو إسماعيل بن نجيد 
فيما قصَّه الإمام الذهبي :
" ومن محاسنه أن شيخه الزاهد أبا عثمان الحيري طلب في مجلسه مالا 
لبعض الثغور فتأخَّر ، فتألم وبكى على رؤوس الناس ، فجاءه ابن نجيد 
بألفي درهم فدعا له ، ثم إنه نوَّه به ، وقال : قد رجوت لأبي عمرو بما 
فعل ، فإنه قد ناب عن الجماعة ، وحمل كذا وكذا ، فقام ابن نجيد وقال :
 لكن إنما حملت من مال أمي وهي كارهة فينبغي أن ترده لترضى ،
 فأمر أبو عثمان بالكيس فرد إليه ، فلما جنّ الليل جاء بالكيس والتمس 
من الشيخ ستر ذلك ، فبكى وكان بعد ذلك يقول : أنا أخشى من همة أبي عمرو " .
إضفاء هالات الأهمية الزائفة كادعاء المواعيد الكاذبة والانشغالات 
التافهة ، ليوقع في روع الناس علو قدره وارتفاع منزلته وتهافت الناس عليه 
 والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : 
( المتشبِّع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور )
" المتشبِّع أي المتشبِّه بالشبعان وليس به شبع ، واستعير للتحلي بفضيلة 
لم يرزقها ، وشُبِّه بلابس ثوبي زور ؛ أي ذي زور ، وهو الذي يتزيا بزي 
أهل الصلاح رياء ، وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين ، وأراد 
بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما 
واتزر بالآخر كما قيل : إذا هو بالمجد ارتدى وتأزَّرا ، فالاشارة بالإزار 
والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه ، ويحتمل أن تكون 
التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان :
 فقدان ما يتشبع به ، وإظهار الباطل " .
عدم المشاركة بفاعلية عندما يكون مرؤوسا ، بل والتهرب من التكاليف 
حين لا يكون هناك فرصة للبروز ، واشتعال قلبه حماسة ونشاطا 
عندما يكون رأس الأمر وقائده.
كثرة نقده لغيره بسبب وبغير سبب ، ومحاولة التقليل من أهمية مقترحات 
الغير ومبادراتهم مع عدم تقديم البديل ، والعمل على إخفاق ما لم يشارك فيه.
الإصرار على رأيه وصعوبة التنازل عنه ، وإن ظهرت أدلة
 عدم تقدير عواقب التقصير في الآخرة ،
 وقد قال صلى الله عليه وسلم :
( ما من رجلٍ يلي أمر عشرةٍ فما فوق ذلك، إلا أتى الله مغلولاً
 يده إلى عنقه ، فكه بره أو أوثقه إثمه ، أولها ملامة 
، وأوسطها ندامة ، وآخرها خزي يوم القيامة )
ألا فانتبه يا طالب العلم وأنت تعلِّم الناشئة ، وانتبه أيها المربي حين تربِّي 
من حولك ، وتعلَّم من سعد بن أبي وقاص صلى الله عليه وسلم ،
 وكيف حثَّنا على الزهد في الرئاسة بلسان حاله مما أغنانا عن آلاف 
 فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال :
 كان سعد في إبلٍ له وغنم فأتاه ابنه عمر بن سعد ، فلما رآه قال :
 أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فلما أتاه قال : يا أبت! أرضيتَ أن تكون 
أعرابيا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة ؟! فضرب
 اسكت فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : 
( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )
وتأمَّل أيضا كيف كان هروب العلماء من مسئولية القضاء ، والقضاء 
منصب وسلطة ومكانة وأبهة ، وقد كان القاضي من أعظم الناس مكانة 
في زمانه ، وكلمته مسموعة لا ترد ؛ ومع ذلك كان الصالحون يهربون 
من القضاء ويُضربون عنه ولا يتولونه ، بل ويسجنون ولا يرضونه ، 
مع أنهم أهل له ، وذلك لخوفهم من تبعات الأمر ، وكيف لا وقد سمعوا 
قول النبي صلى الله عليه وسلم ينذر : 
( قاضيان في النار ، وقاض في الجنة )
وكيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يحذِّر : 
( من أتى أبواب السلطان افتُتِن )
  وكثرة من قضاة اليوم والعلماء على باب السلطان وقوف ، وعلى رضاه 
حريصون ، ولا يحسون بالكارثة!!
التوازن المنشود بين كراهية الشهرة ووجوب قيادة جموع الأمة ،
 فإننا نريد لجموع الصالحين أن تبرز في الوقت الذي توارت فيه الكفايات 
وبرزت فيه الرويبضات ، وأن تفخر بعملها الصالح قائلة : 
هلم إلينا أيها الناس ، وذلك في الوقت الذي تبارت رموز الشر في الدعوة 
إلى باطلها ، وتنافست في طمس فطرة الناس ببث سمومها وشرورها ،
لذا كان لابد للطيِّب أن يدافع الخبيث ويزاحمه حتى يبث الخير إلى محيط 
الناس الملوَّث ، وعلى كل واحد أن يتفرَّس في نفسه اليوم ، ويرى هل فيه 
من علامات حب الرئاسة شيء ، ويعيد تقييم نفسه باستمرار وعلى مرور
 الأشهر والأعوام ، فإن البداية قد تكون صحيحة ويتسلل الخطأ بعد ذلك ،
 والنية قد تبدأ خالصة حتى تتسرَّب إليها جرثومة رياء ،
لذا وجب التنبه والمراقبة.