بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   الرسائل اليومية لبيت عطاء الخير (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=20)
-   -   ألم يأن ، أما آن الآوان ؟ (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=13145)

بنت الاسلام 08-15-2013 07:17 PM

ألم يأن ، أما آن الآوان ؟
 
الأخت / بنت الحرمين الشريفين

ألم يأن ، أما آن الآوان ؟

نعيش اليوم مع أسلوب فريد من أساليب العتاب ،
وخطاب جذاب من أساليب الخطاب ،
نعيش مع آية من آيات الله - عز وجل - التي أنزلها على محمد –
صلى الله عليه وسلم – في كتابه الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم
{ الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }
وكلما ذهب الناس يمنة أو يسرة، أو أخطأوا الطريق السوي ؛
قوَّمهم الله - تعالى -، وهداهم بآياته ، وأرشدهم ببيناته
{ لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

معنا اليوم آية يعاتب الله - عز وجل - بها أحبابه من أهل الإيمان ،
ويخاطب بها عبيده ،
آية من سورة الحديد ، وذلك بعد مقاطع مترابطة في السورة ،
هذا الشوط امتداد لموضوع السورة الرئيسي :
تحقيق حقيقة الإيمان في النفس ، حتى ينبثق عنها البذل الخالص
في سبيل الله ، وفيه من موحيات الإيمان ، ومن الإيقاعات المؤثرة ؛
قريب مما اشتمل عليه الشوط الأول ،
بعد ذلك المطلع العميق المثير وهو يبدأ برنة عتاب من الله
- سبحانه - للمؤمنين الذين لم يصلوا إلى تلك المرتبة التي يريدها الله
لهم ؛ وتلويح لهم بما كان من أهل الكتاب قبلهم من قسوة في القلوب
وفسق في الأعمال ،
وتحذير من هذا المآل الذي انتهى إليه أهل الكتاب بطول الأمد عليهم
إنها آية لا يقرأها مقصرٌ إلا ويراجع حساباته ،
ولا يسمعها غافل إلا ويستيقظ من غفلته ،
ولا يتدبرها مذنبٌ إلا ويترك ذنبه
إنها قول الله - تعالى -:
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ
فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
وقد تكلم العلماء في معاني هذه الآية فذكروا كلاماً ،
وجعل صاحب أضواء البيان المعنى على وجهين :
الوجه الأول :
}أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ {
أي:
آن للذين آمنوا،
والوجه الثاني:
أن الاستفهام في جميع ذلك للتقرير، وهو حملالمخاطب على أن
يقرَّ فيقول : بلى ،
وقوله : يأن هو مضارع أنى ،
يأنى إذا جاء إناه أي : وقته
فقوله : أنى لك أن تناهي طائعاً ؛
أي :
جاء الإناه : الذي هو الوقت الذي تتناهى فيه طائعاً ،
أي :
حضر وقت تناهيك ،
ويقال في العربية :
آن ، يئين ، كباع يبيع ،
وأنى يأني ، كرمى يرمي ،

والمعنى على كلا القولين :
أنه حان للمؤمنين ، وأنى لهم أن تخشع قلوبهم لذكر الله ،
أي: جاء الحين والأوان لذلك ؛
لكثرة ما تردد عليهم من زواجر القرآن ومواعظه
التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان ،
قال السدي وغيره :
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا }
بالظاهر وأسروا الكفر ،
{ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }
وقيل : نزلت في المؤمنين ،
إن هذه الآية دعوة من الله - تعالى - أن ننظر إلى قلوبنا ،
ونفتش عن حالها مع الخشوع ، لنسألها :
أين الخشوع عند تلاوة القرآن ؟
أين الخشوع عند ذكر الله - عز وجل - ،
أين الخشوع الذي يولد الانقياد الكامل لله رب العالمين .
قال الإمام السعدي - رحمه الله تعالى -:
لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات
في الدار الآخرة ؛ كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها ،
والاستكانة لعظمته ،
فعاتب الله المؤمنين على عدم ذلك ،
فقال :
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ }
أي :
ألم يأت الوقت الذي به تلين قلوبهم ، وتخشع لذكر الله الذي هو
القرآن ، وتنقاد لأوامره وزواجره ، وما نزل من الحق الذي
جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم –
وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله - تعالى –
ولما أنزله من الكتاب والحكمة ،
وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية ، والأحكام الشرعية كل وقت،
ويحاسبوا أنفسهم على ذلك
{ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ }
أي :
ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب ،
والانقياد التام ، ثم لم يدوموا عليه ، ولم يثبتوا ؛ بل طال عليهم
الزمان ، واستمرت بهم الغفلة ؛ فاضمحل إيمانهم ، وزال إيقانهم ،

بنت الاسلام 08-15-2013 07:18 PM

{ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تُذَكَّر بما أنزل الله ،
وتُنَاطَق بالحكمة ، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك فإنه سبب لقسوة
القلب ، وجمود العين .
إنه ليس عتاباً فقط بل تحذير ألا يقع المؤمن في التقاعس عن
الاستجابة لله ورسوله ، وفي الآية بيان أن ما يحصل من قسوة
القلوب ، وعدم استجابتها لعلام الغيوب ؛ هو الفسوق والتمرد عن
طاعة الله - جل وعلا ،

إنه عتاب مؤثر من المولى الكريم الرحيم ؛ واستبطاء للاستجابة
الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله ؛
فبعث فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعوها إلى الإيمان
بربها ، ونزّل عليه الآيات البينات ليخرجها من الظلمات إلى النور؛
وأراها من الآيات في الكون والخلق ما يبصّر ويحذّر .
عتاب فيه الود ، وفيه الحض ، وفيه الاستجاشة إلى الشعور
بجلال الله ، والخشوع لذكره ، وتلقي ما نزل من الحق بما يليق
بجلال الحق من الروعة والخشية ، والطاعة والاستسلام ،
مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال :
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ }
وإلى جانب التحضيض والاستبطاء تحذير من عاقبة التباطؤ
والتقاعس عن الاستجابة ، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ حين
يمتد بها الزمن بدون جلاء ، وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين
حين تغفل عن ذكر الله ، وحين لا تخشع للحق :
{ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ
فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج .
إن هذا القلب البشري سريع التقلب ، سريع النسيان ، وهو يشف
ويشرق فيفيض بالنور ، ويرف كالشعاع ؛ فإذا طال عليه الأمد بلا
تذكير ولا تذكر تبلد وقساً ، وانطمست إشراقته ، وأظلم وأعتم ،
فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع ، ولا بد من الطرق
عليه حتى يرق ويشف ؛ ولا بد من اليقظة الدائمة
كي لا يصيبه التبلد والقساوة .

ولكن لا يأس من قلب خمد وجمد ، وقسا وتبلد ، فإنه يمكن أن تدب
فيه الحياة ، وأن يشرق فيه النور ، وأن يخشع لذكر الله ،
فالله يحيي الأرض بعد موتها ، فتنبض بالحياة ، وتزخر بالنبت
والزهر ، وتمنح الأكل والثمار ، كذلك القلوب حين يشاء الله .
نعم لا يئس ما مدام ماء الحياة جارٍ ، وما دام كتاب الله موجود
تستشفي به القلوب ، وتحيا به الأفئدة ، فالأرض الميتة التي قد يأس
منها صاحبها يحيها الله - عز وجل - وهي جماد ،
ويبعث الحياة فيها بالغيث المبارك الذي ينزله الله - تعالى –
من السماء
{ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ }
يرسل الله - جل جلاله - الماء إلى الأرض اليابسة فتحيا بعد موتها ،
وهذا المثل جاء في القرآن بعد ذكر قسوة القلوب ليذهب اليأس من
القلوب حتى تلجأ إلى الله - تعالى - ،
يقول سبحانه بعد آية :
} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ {
ذكر الآية الكريمة :
{ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
يقول الإمام الشوكاني - رحمه الله -:
{ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }
فهو قادر على أن يبعث الأجسام بعد موتها ،
ويلين القلوب بعد قسوتها ،
{ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ }
التي من جملتها هذه الآيات ؛
{ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
أي:
كي تعقلوا ما تضمنته من المواعظ، وتعملوا بموجب ذلك .
أسأل الله بمنه وكرمه أن يصلح فساد قلوبنا ، وأن يرزقنا الخشوع ،
وأن يجعلنا من عباده الأتقياء الأنقياء الأخفياء ،
وصلي اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم .




All times are GMT +3. The time now is 06:32 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.