صفحة بيت عطاء الخير
بطاقات عطاء الخير
تويتر عطاء الخير الرسمي
مجموعة بيت عطاء الخير الرسمية
بحث في موقع الدرر السنية
 

بحث عن:

ابحث بالموقع
تاريخ اليوم:

  المستشار نبيل جلهوم  
المهندس عبدالدائم الكحيل الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى بطاقات عطاء الخير
دروس اليوم أحاديث اليوم بطاقات لفلي سمايل


مجموعات Google
اشترك فى مجموعة بيت عطاء الخير
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

تسجيل دخول اداري فقط

الرسائل اليومية لبيت عطاء الخير لنشر و إعادة الأخلاق الإسلامية الحقيقية للأسرة

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-27-2015, 09:52 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي إبطال شبهة تبديل سيدنا معاوية للحكم

الأخ / الصبر ضياء - الفرج قريب
إبطال شبهة تبديل سيدنا معاوية رضى الله تعالى عنه للحكم
الذب عن معاوية رضي الله عنه
و إبطال شبهة تبديله للحكم من الشورى إلى الوراثي.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على مَنْ أرْسَلَهُ اللهُ رحمةً
للعالمين، وعلى آله وصَحْبِه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فَإِنَّ اَلْلَّهِ تعالى أغدق على عباده بِنِعَمٍ كثيرةٍ لا تحصى وخيراتٍ
لا تستقصَى، ظاهرة وباطنة ، فلو اجتهد المجتهدون وتنافس المتنافسون
في عدها لن يستطيعوا عدها، فهي لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى
كما قال عَزَّوَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ :
{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا‏ }
[النحل:18].
قال السعدي في تفسيره:
{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا‏ }
عددا مجردا عن الشكر ﴿لاَ تُحْصُوهَا‏﴾ فضلا عن كونكم تشكرونها،
فإنَّ نِعمهُ الظاهرة و الباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات،
من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون وما يدفع عنهم
من النقم فأكثر من أن تحصى»([1])،
و من أجلِّ هذه النعم التي منَّ الله بها علينا نعمة الإسلام العظيم ، فهو
نعمة للمسلمين خصوصا و للبشرية عموما ، فهو الدين الذي ارتضاها
لنا رب البرية فقال :
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً }
[المائدة:3]
وهو باق إلى قيام الساعة فهو دينُ البشرية جميعاً لا يهودية،
ولا نصرانية، ولا أي دين سوى دين الإسلام،
قال جل وعلا:
{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ }
[آل عمران:19]
وقال سبحانه
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ }
[آل عمران:85]
وقد تكفل الله تبارك وتعالى
بحفظ هذا الدين فقال :
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
[الحجر:9]
و ذلك يكون بتقدير الله تعالى لحفظ هذا الدين من الأسباب ما يكون به
الحفظ، وقد بعث الله جل و علا رسوله صلى الله عليه و سلم و جعل
من حوله رجال اختارهم الله لصحبة نبيه صَلَّى الله عليه وسلم و لإقامة
دينه فكانوا هم حفظته و نقلته، لذلك هم أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوبًا،
وأعمقها علمًا، وأقلَها تكلفًا ،
وقد أثنى الله عز وجل عليهم فقال :
{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ
مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }
[الفتح:29]
وقال :
{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }
[التوبة:100] ،
ورضي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم
عنهم وحذر من سبهم فقال :
( لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ
مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ )([2])
و قال :
( مَنْ سَبَّ أصْحَابي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالملاَئِكَةِ
والنَّاسِ أجْمَعِين )([3])،
و عدالتهم ثابتة بثناء الله عز وجل عليهم،
وثناء رسوله صَلَّى الله عليه وسلم، فـ
( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَابْتَعَثَهُ
بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ
خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ ، يُقَاتِلُونَ
عَلَى دِينِهِ )([4])
فقد بذلوا النَّفس والنَّفيس في نصرة رسوله الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم،
وإقامة الدِّين، ورفع راية التَّوحيد، وربط النَّاس بربِّ العالمين، ففضلُهم
عظيم، وخيرهم كبير فهم خير النَّاس وأفضلهم بعد الأنبياء عليهم الصلاة السَّلام
وهم كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
( خَيرُ النَّاسِ قَرْني )([5])،
وإِنَّ لَهُم عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمِنَّةَ وَالْفَضْلَ الْعَظِيمَ، فموضعهم الذي وضعهم
فيه رب العالمين موضع شريف و منزلة رفيعة، فرزقوا العدالة والإمامة
في الدين لتقوم بهم الحجة بما أدُّوه ونقلوه عن نبيهم من فرائض وسنن
هذا الدين فكانوا من عظماء هذه الملة رضي الله عنهم أجمعين.
ومن هؤلاء العظماء الصحابي الجليل وملك الإسلام أمير المؤمنين
وخالهم وكاتب النبي الأمين عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم
وصهره وأمينه على وحي الله عز وجل
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه،
فهو الهادي المهدي
كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ )([6])،
و عن العِرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه قال :
سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول:
( اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ)([7])،
وعن أم حرام الأنصارية رضي الله عنها،
أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول :
( أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا )([8]).
قال الحافظ ابن حجر:
« قَالَ الْمُهَلَّب: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة
لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ»([9]).
وعَنْ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا ‏‏قَالَ :‏
( كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
‏فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ ، قَالَ : فَجَاءَ ‏‏فَحَطَأَنِي ‏حَطْأَةً وَقَالَ :‏ ‏اذْهَبْ وَادْعُ
لِي ‏‏مُعَاوِيَةَ ،‏ ‏قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ ‏‏لِيَ :
اذْهَبْ فَادْعُ لِي ‏ ‏مُعَاوِيَةَ ،‏ ‏قَالَ : فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ ، فَقَالَ :
لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ» و في رواية لأحمد زاد :
«وَكَانَ كَاتِبَهُ»)([10]).
قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (1/165) :
«وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعنا في معاوية
رضي الله عنه، و ليس فيه ما يساعدهم على ذلك؛ كيف وفيه أنه كاتب
النبي صلى الله غليه و سلم؟ ! ولذلك قال الحافظ ابن عساكر
(16/349/2): «إنه أصح ما ورد في فضل معاوية».
فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه و سلم غير مقصود، بل هو
مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
«إن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمّره النبي صلى الله عليه وسلّم كما
أمّر غيره، وجاهد معه، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي، وما اتّهمه
النبي صلى الله عليه وسلّم في كتابة الوحي، وولاّه عمر بن الخطاب
الذي كان أخبر الناس بالرجال، وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه،
ولم يتّهمه في ولايته»([11]).
هذا و إنَّ من نكد العيش أن نعيش لنسمع ونرى التطاول على مقام
الصحابة الكرام رضي الله عنهم وخاصة ما نشاهده من طعن في الصحابي
الجليل معاوية رضي الله عنه و تكفيره ورميه بأبشع الصفات فأصبحنا
نسمع من هؤلاء الشباب بل من الصحافيات الكاسيات العاريات التهجم
على معاوية رضي الله عنه و كأنه عدو لله بل وصفوه بأنه خارجي و أنه
أول من نحى حكم الشورى والخلافة الراشدة كما يزعمون ووضع النظام
الملكي الوراثي، وكأن لسان حالهم يقول : «إن معاناة المسلمين سببه
معاوية رضي الله عنه» ،
لهذا استعنت بالله جل وعلا ورفعت قلمي لأدافع بهذا المقال المتواضع
عن هذا الصحابي الجليل وأبين أمر هذه الفرية السمجة مشاركة لإخواني
ونصحا للعامة و لجميع المسلمين حتى يتضح لهم أن معاوية رضي الله عنه
و أرضاه لم يبدل شيئا في الإسلام و أن الشورى غير واجبة بل مستحبة
سواء في استخراج الرأي أو في أمور الاستخلاف، فنسأل الله تبارك
و تعالى أن يوفقنا لهذا العمل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حقيقة الشورى في الإسلام و مفهومها :
[لقد كثر الكلام في هذه الآونة الأخيرة عن الشورى في الإسلام، و هي
في حقيقتها لا تعدو أن تكون بذل النصح للمنصوح بطلب أو بدون طلب
وهي أمر مشروع في الإسلام و لا يختلف اثنان في مشروعية الشورى؛
لأن الله سبحانه و تعالى جعلها من صفات المؤمنين، بل حث عليها
القرآن؛ حيث قال الله تعالى في تعداد كثير من صفات المؤمنين :
{ فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى
لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ
وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ *
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ }
[الشورى:36-39].
هذه مجموعة من صفات المؤمنين يعرضها القرآن الكريم، حاثا عليها
تتوسطها«الشورى»؛ لأن المؤمن من دأبه أن يكون متواضعا غير متكبر،
فلا يمنعه كبره من الاستشارة] ([12]).
و عرَّفها الراغب الأصفهاني بقوله:
« والتشاور والمشاورة والمَشُورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض
إلى البعض، من قولهم: شِرْتُ العسل، إذا اتخذته من موضعه
واستخرجته منه،
قال الله تعالى:
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر }
[آل عمران: 159]
الذي يتشاور فيه»([13]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
«وقد قيل : إن الله أمر بها نبيَّه لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به
مَن بعده، وليَستخرِج منهم الرأي فيما لم يَنزِل فيه وحي، من أمر
الحروب، والأمور الحربية وغير ذلك؛ فغيره صلى الله عليه وسلم
أَوْلى بالمشورة»([14]).
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
و مما سبق الإشارة إليه من أن الشورى من صفات المؤمنين و أنها
استخراج الرأي فيما لم يَنزِل فيه وحي، من أمر الحروب، والأمور
الجزئية وغير ذلك؛ بقي أن نعرف هل الشورى واجبة على السلطان
أم لا ؟ إذا أمعن النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم و دققنا
في المواقف التي تعرض لها نلاحظ جيدا أنه قام في العديد من المرات
بمشاورة أصحابه و لكنه لم يأخذ بها بل كان متوكلا على الله وحده في
الأمور التي عزم على تنفيذها، فولي الأمر [إذا حصل لديه عزم على تنفيذ
أمر ما لكونه واضحا لا غموض فيه، أو كان المقام مقاما يتطلب الحزم
و البت لخطورته، و لديه قناعة كاملة بأن ذلك في صالح المجتمع
الإسلامي؛ فعليه أن يبت في الأمر وحده بحزم و ثبات؛ متوكلا على الله،
ومعتمدا عليه في نجاح الأسباب، دون استشارة، بل دون قبول لقول
المستشار لو قدم رأيه ونصحه دون طلب من ولي الأمر]([15])،
ولا يوجد أدل من قول الله تعالى مخاطبا
نبيه صلى الله عليه و سلم :
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }
[آل عمرا،159]،
قال البغوي في تفسيره :
«قوله تعالى:
{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }
لا على مشاورتهم أي : قم بأمر الله وثق به واستعنه»([16]).
ومن هنا فاعلم أيها اليائس أن معاوية رضي الله عنه لم يبدل شيئا
في الإسلام لأن المواقف التي سأذكرها بإذن الله تبين مدى براءته
رضي الله عنه من هذه الفرية القبيحة .
هل الشورى تكون لجميع الناس؟:
اعلم وفق الله أن الشورى لا تكون لجميع الناس برهم و فاجرهم بل هي
لأهل الحل و العقد وهم العلماء و أهل الخبرة و الاختصاص ،
ففي صحيح مسلم عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال:
َدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال:
(... فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم
لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: « مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى ؟».
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا نَبِيَّ اللهِ ! هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ،
أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ
أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ.فقالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
«مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟».قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ !
مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ،
فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا
لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا.
فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ
مَا قُلْتُ.فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ، جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم
وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ
تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً
تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا !؟فَقَالَ رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
«أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ
عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ
صلّى الله عليه وسلّم -)
وَأَنْزَلَ اللهُ عزّ وجلّ:
{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *
لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * }
[الأنفال:67-68]
فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ الْغَنِيمَةَ»([17]). )
والشاهد من القصة واضح، فالنبي صلى الله عليه و سلم شاور صاحباه
أبو بكر و عمر فاختار صلى الله عليه و سلم رأي أبي بكر و هو العفو
عن الأسرى و لم يختر رأي عمر فدل هذا على أن الأمر كان اجتهادا منه
بعد مشاورة أصحابه لأنه لم يكن عنده فيه من الله تعالى نص، وزيادة
على هذا فهي من رواية ابن عباس ترجمان القرآن
و كان تفسيره لقوله تعالى:
{ وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِ }
قال: « أبو بكر وعمر رضي الله عنهما»([18])
و هذا ما يدل إلا على فقه ابن عباس رضي الله عنه إذ تفسيره هذا يدل
على أن المشورة لا تكون لجميع الأمة بما فيها من صالح و طالح ،
وإنما هي للعلماء وهم بطانة الإمام، و انظر من هي بطانة رسول الله
صلى الله عليه و سلم كما في تفسير ابن عباس و الله المستعان.
وَ اَلْرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ
فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ
فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ:
( إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا لَأَخَضْنَاهَا )([19])
قال الإمام النووي :
« قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِبَارَ الْأَنْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ لِلْقِتَالِ وَطَلَبِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ
يَمْنَعُوهُ مِمَّنْ يَقْصِدُهُ فَلَمَّا عَرَضَ الْخُرُوجَ لِعِيرِ أَبِي سُفْيَانَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ
يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ فَأَجَابُوهُ أَحْسَنَ جَوَابٍ بِالْمُوَافَقَةِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ
وَغَيْرِهَا» و قال : « وَفِيهِ اسْتِشَارَةُ الْأَصْحَابِ
وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْخِبْرَةِ»([20]).
مواقف رسول الله صلى الله عليه و سلم
في صلح الحديبية و غيرها:
فالكل يعرف ما وقع في صلح الحديبية بين سهيل بن عمرو و رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبعد انتهاء مع جرى بينهما من صلح ذكر ابن كثير
في البداية و النهاية
أن عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
( فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ
حَقًّا؟ قَالَ: " بَلَى ". قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟
قَالَ: " بَلَى ". قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ؟! . قَالَ:
" إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي ". قُلْتُ: أَوَلَسْتَ
كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: " بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا
نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: " فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ ". قَالَ:
فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ . قَالَ: بَلَى. قَالَ: قُلْتُ:
فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ،
وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى
الْحَقِّ. قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ:
بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ
وَمُطَوِّفٌ بِهِ )([21]).
و الشاهد من القصة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رفض طلب
عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتضمن عدم القبول لتلك الشروط
القاسية التي وضعها المشركون، و لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبلها مع قساوتها و شدتها ولم يلتفت لرأي عمر رضي الله عنه ، بل نفذ
الصلح متوكلا على الله عزوجل وحده لأن [أمره صلى الله عليه و سلم
إذا ثبت لم يكن لأحد أن يخالفه ولا يتحيّل في مخالفته]([22])
وكذا فعل النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد ،
قال الحافظ رحمه الله :
«وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المُقام
والخروج، فلما لبس لَأْمَته وعزم قالوا: أَقِمْ، فلم يَمِلْ إليهم بعد العزم
وقال: لاينبغي لنبي يلبس لَأْمته فيضعها حتى يَحكم الله»([23]).
و كذلك [شاور عليّاً وأسامة فيما رَمَى به أهلُ الإفك عائشة فسمع منهما
حتى نزل القرآن، فجلد الرامين ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم
بما أمره الله] ([24])
وكذلك فعل في غزوة الفتح [ حيث لم يعلن الرسول صلى الله عليه و سلم
عنها لأصحابه، بل أخفى خبرها عنهم جميعا، فضلا عن أن يستشيرهم
في أمرها، و لم يعلم أمر الغزو و سببه من الصحابة غير أبي بكر الصديق
رضي الله عنه؛ لأن الموقف يتطلب الكتمان و التحفظ الشديدين،
و هذا من خدع الحرب '' الحرب خدعة''.
وهذا الموقف يدل الذي قبله على أن الشورى لا يجريها ولي الأمر
في جميع الأمور، بل عند الحاجة إليها، وعندما يكون الموقف عاديا،
أما عند عدم الحاجة، أو عندما يكون الموقف حرجا يتطلب الكتمان
أو البت دون استشارة أحد؛ فعليه أن يتوكل على الله، و يبت في الأمر؛
مستعينا بالله وحده] ([25]).
مواقف الصديق رضي الله عنه :
و كذالك مواقف الصديق رضي الله عنه المعروفة التي لا تخفى على
الناس جميعا فقد قام بتنفيذ جيش أسامة و قاتل المرتدين و مانعي الزكاة
و لم يلتفت لما أشار إليه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ،
قال ابن كثير في البداية و النهاية :
« أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه
إليه، فيما هو أهم الآن مما جهز بسببه في حال السلامة، وكان من جملة
من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء
إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة،
ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين، لأجهزن جيش أسامة،
فجهزه وأمر الحرس يكونون حول المدينة، فكان خروجه في ذلك الوقت
من أكبر المصالح والحالة تلك، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب
إلا أرعبوا منهم، وقالوا: ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة،
فغابوا أربعين يوما، ويقال: سبعين يوما، ثم آبوا سالمين غانمين، ثم
رجعوا فجهزهم حينئذ مع الأحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدة
ومانعي الزكاة»([26]).
و روى الجماعة في كتبهم سوى ابن ماجه
عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر:
( علام تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها )
فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقا، وفي رواية: عقالا كانوا يؤدونه
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعها، إن الزكاة حق
المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.
قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال
فعرفت أنه الحق»([27]).
فالصديق رضي الله عنه لم يخالف أمر الله تعالى في قوله :
{ وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِ }
بل شاور أصحابه تطبيقا لهذه الآية و أخذ برأيه لما رآه الأصوب
و في مثل هذا يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله :
« وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ مَشُورَةِ الْإِمَامِ رَعِيّتَهُ وَجَيْشَهُ اسْتِخْرَاجًا لِوَجْهِ الرّأْيِ
وَاسْتِطَابَةً لِنَفُوسِهِمْ وَأَمْنًا لِعَتَبِهِمْ وَتَعَرّفًا لِمَصْلَحَةٍ يَخْتَصّ بِعِلْمِهَا بَعْضُهُمْ
دُونَ بَعْضٍ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِ الرّبّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{ وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِ }
وَقَدْ مَدَحَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ:
{ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }
[ الشورى: 38‏]»([28]).
هل الشورى واجبة في الاستخلاف؟:
و أما في أمر الاستخلاف و توريث الحكم و ما يدندن حوله المارقين
من الدين أن عدم الأخذ بالشورى في تولية الحاكم يعد جريمة و خروجا
عن الإسلام كما تقول الرافضة فإن وافقناهم على كلامهم بأن الشورى
ملزمة في الحكم لأبطلنا خلافة أبي بكر و عمر و عثمان ، ولأبطلنا
الاستخلاف الذي وردت الأدلة في جوازه ،
و مما رواه البخاري ومسلم
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
( قِيلَ لِعُمَرَ: أَلا تَسْتَخْلِفُ ؟ قَالَ : إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ
مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ،
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَاغِبٌ وَ رَاهِبٌ
وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا
وَلَا مَيِّتًا )([29]).
و هذا من أقوى الأدلة على كون أبي بكر استخلف عمر من بعده ،
و لم يترك الأمر شورى ، فهل يجرؤ أحد على تخطئة أبي بكر ،
و المهاجرون و الأنصار شهود لا ينكرون؟
بل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لو علم في الأمة اختلافا في تولية
أبي بكر لعهد إليه من غير شورى ،
فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
( قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ ادْعِي لِي
أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ
وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ )([30]).
قال ابن أبي العز الحنفي :
«و الظاهر و الله أعلم أن المراد أنه لم يستخلف بعهد مكتوب ،
و لو كتب عهدا لكتبه لأبي بكر ، بل قد أراد كتابته ثم تركه ، و قال :
«يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ».
فكان هذا أبلغ من مجرد العهد ، فإن النبي صلى الله عليه و سلم
دل المسلمين على استخلاف أبي بكر، و أرشدهم إليه بأمور متعددة ،
من أقواله و أفعاله ، و أخبر بخلافته إخبار راض بذلك ، حامدا له،
و عزم على أن يكتب بذلك عهدا ، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه ،
فترك الكتاب اكتفاء بذلك»([31]).
قال أبو يعلى:
«يجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده ، و لا يحتاج في ذلك إلى شهادة
أهل الحل والعقد، و ذلك لأن أبا بكر عهد إلى عمر رضي الله عنهما ،
و عمر عهد إلى ستة من الصحابة رضوان الله عليهم ، و لم يعتبرا
في حال العهد شهادة أهل الحل و العقد»([32]).
و قال الماوردي :
«وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الإجماع على جوازه ،
ووقع الاتفاق على صحته لأمرين عمل المسلمون بهما و لم يتنكروهما :
- أحدهما :
أن أبا بكر رضي الله عنه عهد بها إلى عمر رضي الله عنه
فأثبت المسلمون إمامته بعده ولم ينكروها.
- و الثاني :
أن عمر رضي الله عنه عهد بها إلى أهل الشورى ، فقبلت الجماعة
دخولهم فيها ، و هم أعيان العصر اعتقادا لصحة العهد بها ، و خرج
باقي الصحابة منها ، و قال علي للعباس رضوان الله عليهما حين عاتبه
على الدخول في الشورى : « كان أمرا عظيما من أمور الإسلام
، لم أر لنفسي الخروج منه » فصار العهد بها إجماعا
في انعقاد الإمامة »([33]).
وكذلك هناك أمر مهم وهو أن علي رضي الله عنه لم يشاور أحدا قبل
موته بل بايع المسلمون الحسن بن علي رضي الله عنه دون إقامة
الشورى ثم تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية
رضي الله عنه، فبايعه الناس جميعاً، وسمي ‏ذلك العام بعام الجماعة
، فلم لم يشاور الحسن أصحابه عند تنازله عن الخلافة فهل نحكم بحكمكم
ونقول أن الحسن رضي الله عنه كان مجرما عياذا بالله لأنه لم يطبق
الشورى؟ ثم إن تنازل الحسن لا يدل إلا عن إسلام معاوية رضي الله عنه
وفضله، وإلا ‏لما كان للحسن رضي الله عنه أن يسلطه على
ولاية المسلمين.‏
قال ابن حزم رحمه الله :
« فبويع الحسن ، ثم سلَّم الأمر إلى معاوية ، وفي بقايا الصحابة من هو
أفضل منهما ، بلا خلاف ، ممن أنفق قبل الفتح وقاتل ، فكلهم ـ أولهم عن
آخرهم ـ بايع معاوية ، ورأى إمامته ، وهذا إجماع متيقن ، بعد إجماعٍ
على جواز إمامة مَن غيره أفضل ، بيقين لا شك فيه ، إلى أن حدَث من
لا وزن له عند الله تعالى ، فخرقوا الإجماع بآرائهم الفاسدة بلا دليل ،
ونعوذ بالله من الخذلان»([34]).
فهل يبقى للقول بوجوب الشورى محل من هذه الأدلة القوية؟
و هل معاوية رضي الله عنه بدل الدين أم أنتم خرقتم الإجماع
بآرائكم الفاسدة بلا دليل و لا برهان؟
آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
=========
([1]) : تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص:407)
ط. دار السلام.
([2]) : رواه البخاري (3673) ومسلم (2541)
من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه
([3]) : حسَّنه الشيخ الألباني رحمه الله
في الصَّحيحة ، برقم: (2340).
([4]) : من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
وقد حسنه الألباني في الضعيفة (2/17) رقم (533) .
([5]) : أخرجه البخاري (2652) ، (3651) ومسلم (6472)
من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
([6]) : صححه الشيخ الألباني رحمه الله
في الصَّحيحة ، برقم: (1969).
([7]) : صححه الشيخ الألباني رحمه الله
في الصَّحيحة ، برقم: (3227).
([8]) : رواه البخاري (2924).
([9]) : فتح الباري. ط: طيبة ( 7/ 196 ).
([10]) : الحديث دون لفظ : «وَكَانَ كَاتِبَهُ» أخرجه مسلم في صحيحه
(2604) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصَّحيحة ، برقم: (82).
([11]) : مجموع الفتاوى (4 / 288).
([12]) : من كلام الشيخ أمان الجامي رحمه الله تعالى،
رسالة حقيقة الشورى في الإسلام (ص:32).
([13]) : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني : مادة : شَوَرَ.
([14]) : السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ط.
المجمع (ص:227).
([15]) : من كلام الشيخ أمان الجامي رحمه الله تعالى،
رسالة حقيقة الشورى في الإسلام (ص:41-42).
([16]) : معالم التنزيل (تفسير البغوي) ط. دار طيبة (2/124).
([17]) :صحيح مسلم رقم : (1763).
([18]) : إسناده صحيح، رواه الحاكم في المستدرك (3/74)
وصححه ووافقه الذهبي.
([19]) : صحيح مسلم رقم : (1779).
([20]) : شرح صحيح مسلم (12/124).
([21]) : البداية والنهاية .ت: التركي (6/253).
([22]) : فتح الباري (ط.طيبة) (17/278).
([23]) : فتح الباري (ط.طيبة) (17/275).
([24]) : المصدر السابق.
([25]) : من كلام الشيخ أمان الجامي رحمه الله تعالى،
رسالة حقيقة الشورى في الإسلام (ص:43-44).
([26]) : البداية والنهاية .ت: التركي (9/321-322).
([27]) : أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي و الترمذي
و أحمد و انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله
(1 / 764-767-770) رقم (407- 408-409-410).
([28]) : زاد المعاد في هدي خير العباد (ط.الرسالة) (3/268).
([29]) : أخرجه البخاري (7218) و مسلم (1823).
([30]) : أخرجه مسلم (2387).
([31]) : شرح العقيدة الطحاوية .ت: الأرنؤوط و التركي
(ط: الرسالة)، (2/323-324).
([32]) : الأحكام السلطانية يعلى الفراء ت: الفقي : (ص:25).
([33]) : الأحكام السلطانية للماوردي (ص:11).
([34]) : الفِصَل في الملل والأهواء والنَّحَل (4 / 127) .

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



ديزاين فور يو لحلول تقنية المعلومات