المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
كل ذلك إبان غفلةٍ عما ينبغي أن يقِفه المؤمن تجاهَ هذه الرؤى ، و أن هناك هديا نبويا للتعامل معها ، ينبغي أن لا يتجاوزه المرء فيطغى ، و لا يتجاهله فيعيى ؛ و لأجل أن نقف جميعا على صورة مثلى للتعامل مع الرؤى المتكاثرة فلنستمع إلى جملة من الآداب المرعية تجاه هذه الظاهرة الناخرة في المجتمع ، فقد روى مسلم في صحيحه أن أبا سلمة قال : كنت أرى الرؤيا أُعرَى منها ـ أي : أمرض منها ـ غير أني لا أزَمَّل حتى لقيتُ أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (( الرؤيا من الله ، و الحلم من الشيطان ، فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً و ليتعوّذ بالله من شرها ، فإنها لن تضرّه )) ، و في رواية عند مسلم أيضاً قال أبو سلمة : إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من جبل ، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث ، فما أباليها . و من هنا ـ عباد الله ـ فما كل ما يراه النائم يُعد من الرؤى التي لها معنى تفسَّر به ؛ إذ إن ما يراه النائم في منامه يتنوّع إلا ثلاثة أنواع لا رابع لها ، كما عند ابن ماجه في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم قال : (( إن الرؤيا ثلاث : منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ، و منها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ، و منها جزء من ستة و أربعين جزءاً من النبوة )) . يقول البغوي يرحمه الله : " في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحاً و يجوز تعبيره ، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز و جلّ ، و ما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها " . و مثال هذه الأضغاث ـ عباد الله ـ ما رواه مسلم في صحيحه أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددتُ على أثره !! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للأعرابي : (( لا تحدث الناس بتلعّب الشيطان بك في منامك )) . فأما موقف المرء من هذا النوع من الرؤى و هو الغالب على حال الكثيرين فإنه قد جاء في السنة آداب خاصة به في أحاديث صحيحة في الصحيحين و غيرهما ، و هي التعوذ بالله من شر هذه الرؤيا و من شر الشيطان ، و أن يتفل الرائي حين يهُبّ من نومه ثلاثاً عن يساره ، و أن لا يذكرَها لأحد أصلا ، و أن يصلي ما كُتب له ، و أن يتحوّل من جنبه الذي كان عليه . و زاد بعض أهل العلم قراءةَ آية الكرسي لما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن من قرأها لا يقربهُ شيطان ، و هذا النوع الأول من الرؤى إنما هو من الشيطان ، و أما النوع الثاني من الرؤى فهو ما يحدِّث به المرء نفسَه في يقظته ، كمن يكون مشغولا بسفر أو تجارة أو نحو ذلك ، فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته ، و هذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها . فلا يبقى إلا النوع الثالث و هو الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله ، و هي التي تكون بشارة أو نذارة ، و قد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنَه في المنام ، و قد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبُرها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام . و هذا النوع هو الذي نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يُقصّ إلا على عالم أو ناصح ، فقد قال صلوات الله و سلامه عليه : (( لا تُقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح )) رواه الترمذي . و ما عدا ذلك من الرؤى التي تتعلق بإثبات شيء من أحكام الشريعة في حلال أو حرام أو فعل عبادة أو تحديد ليلة القدر مثلاً و هي التي أرِيَها النبي صلى الله عليه و سلم ثم أُنسيَها أو تلك الرؤى التي ينبني عليها آثار متعدية تتعلق بحقوق الناس و حرماتهم و إساءة الظنون بهم من خلال بعض الرؤى مثلا أو الحكم على عدالتهم و نواياهم من خلالها ، فإن ذلك كلَّه من أضغاث الأحلام و من الظنون التي لا يجوز الاعتماد عليها في قول جمهور أهل العلم . و قد ذكر الشاطبي يرحمه الله في كتابة الاعتصام أن الخليفة المهدي أراد قتل شريك بن عبد الله القاضي فقال له شريك : و لِم ذلك ـ يا أمير المؤمنين ـ و دمي حرام عليك ؟! قال : لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك و أنت تكلمني من قفاك ، فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها فقال : هذا رجل يطأ بساطَك و هو يُسِرّ خلافَك ، فقال شريك : يا أمير المؤمنين ، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب ، و إن دماء المسلمين لا تسفَك بالأحلام ، فنكَّس المهدي رأسه و أشار إليه بيده أن اخرُج ، فانصرف . و قد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن بعضهم رأى في المنام الشافعيَّ يرحمه الله فقال له : كذبَ عليَّ يونس بن عبد الأعلى في حديث ، ما هذا من حديثي و لا حدثتُ به ، فقال الحافظ ابن كثير رحمه الله معلقاً على هذا الكلام : " يونس بن عبد الأعلى من الثقات لا يُطعن فيه بمجرد منام " . ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، و أستغفروا ربكم إنه كان غفاراً . نفعني الله و إياكم بالقرآن العظيم ، و بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم ، أقول قولي هذا ، و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة ، فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
|
|
|