المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
ليله النصف من شعبان / نبيل الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة ×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××× ××××××××××××××××××××××××××××××× الحمد لله ، شرح بفضله صدور أهل الايمان بالهدى ، و أضل من شاء بحكمته وعدله فلن تجد له ولياً مرشداً . أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ، أحاط بكل شيءٍ علماً ، و أحصى كل شيءٍ عدداً ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً فرداً صمداً ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله كرم أصلاً و طاب محتداً . خصه ربه بالمقام المحمود و سماه محمداً ، صلى الله و سلم و بارك عليه وعلى آله وأصحابه هم النجوم بهم يهتدى ، و التابعين و من تبعهم بإحسان و سار على نهجهم و اقتدى . أمـــا بعـــد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عز و جل ، اتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم و أطيعوا الله و رسوله إن كنتم مؤمنين . أصلحوا ذات بينكم ، فالإصلاح مصدر الطمأنينة و الهدوء و مبعث الاستقرار و الأمن ، و ينبوع الألفة و المحبة . إنه عنوان الإيمان في الإخوان : (( إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )) [ الحجرات:10 ] . معاشر المؤمنين : روى ابن حبان في صحيحه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم) : (( يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن )) و المشرك : كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى ، أو في صفاته ، أو في عبادته . و المشاحن : هو المعادي ، و الشحناء هي العداوة . عباد الله : ومع اقتراب هذه الليلة الفضيلة و دنوها ، و الجميع يرنو إلى نيل ما فيها من العفو و الغفران ، يستعذب الحديث و يستحسن ، عن الإصلاح بين الناس ، و بيان مسلكه و كيفيته ، و التحذير من الشحناء و الخصومة و التمادي فيهما . أيها الإخوة ، لقد أقضت مضاجع القضاة القضايا ، و امتلأت كثيراً من السجون بالبلايا ، ناهيك بما في مراكز الشرطة و أسِرَة المشافي من المآسي . إن التنازع و التشاحن مفسد للبيوت و الأسر، مهلك للشعوب و الأمم ، سافك للدماء ، مبدد للثروات . (( وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ )) [ الأنفال:46 ] . بالخصومات و المشاحنات تنتهك حرمات الدين ، و يعم الشر القريب و البعيد . و من أجل ذلك سمى رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) فساد ذات البين بالحالقة ، فهي لا تحلق الشعر و لكنها تحلق الدين . إن الأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين ، و يعيد الوئام إلى المتنازعين . إصلاح تسكن به النفوس ، و تأتلف به القلوب . إصلاح يقوم به عصبة خيرون ، شرفت أقدارهم ، و كرمت أخلاقهم ، و طابت منابتهم ، و إنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نبل الطباع و كرم السجايا . فئات من ذوي الشهامة من الرجال و المقامات العلية من القوم ، رجال مصلحون ذو خبرة و عقل و إيمان و صبر ، يخبرون الناس في أحوالهم و معاملاتهم ، حذاق في معالجة أدوائهم ، أهل إحاطة بنفوس المتخاصمين و خواطر المتباغضين و السعي بما يرضي الطرفين . أيها الإحبة ، إن سبيل الإصلاح عزيمة راشدة ، و نية خيرة ، و إرادة مصلحة . و بريد الإصلاح ، حكمة المنهج ، و جميل الصبر ، و طيب الثناء ، سبيل و بريد يقوم به لبيب تقي ، يسره أن يسود الوئام بين الناس : (( وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً )) [ النساء:129 ] . أيها الإخوة ، و للإصلاح فقه و مسالك دلت عليها نصوص الشرع و سار عليها المصلحون المخلصون . إن من فقه الإصلاح حسن النية ، و ابتغاء مرضاة الله ، و تجنب الأهواء الشخصية و المنافع الدنيوية . إذا تحقق الإخلاص حل التوفيق و جرى التوافق و أنزل الثبات في الأمر و العزيمة على الرشد . أما من قصد بإصلاحه الترؤس و الرياء و ارتفاع الذكر و الاستعلاء فبعيد أن ينال ثواب الآخرة ، و حري ألا يحالف التوفيق مسعاه (( وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )) [ النساء:114 ] . و من فقه الإصلاح سلوك مسلك السر و النجوى . فلئن كان كثير من النجوى مذموماً فإن ما كان من صدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس فهو محمود مستثنى : (( لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )) [ النساء:114 ] . أيها الإخوة ، و هذا فقه في الإصلاح دقيق، فلعل فشل كثير من مساعي الصلح بسبب فشو الأحاديث ، و تسرب الأخبار ، و تشويشات الفهوم مما يفسد الأمور المبرمة و الاتفاقيات الخيرة . إن من الخير في باب الإصلاح أن يسلك به مسلك النجوى و المسارة ، فمن عرف الناس و خبر أحوالهم لا سيما فيما يجري بينهم من منازعات و خصومات و ما يستتبع ذلك من حبٍ للغلبة و انتصار للنفس أدرك دقة هذا المسلك وعمق هذا الفقه . إن من الناس من يأبى أن يسعى في الصلح فلان أو فلانةٌ ، و آخر يصر على أن تكون المبادرة من خصمه . و تمشياً مع هذه المسالك السرية و التحركات المحبوكة أذن الشارع للمصلح بنوع من الكذب في العبارات و الوعود . (( فليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً )) . هذا هو حديث رسول الله (صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم) ، و في خبر آخر عنه يقول عليه أفضل الصلاة و السلام : (( لا يصلح الكذب إلا في ثلاث ؛ رجل يصلح بين اثنين ، و الحرب خدعة ، و الرجل يصلح امرأته )) . و يقول نعيم بن حماد : قلت لسفيان بن عيينة : أرأيت الرجل يعتذر من الشيء عسى أن يكون قد فعله و يُحرِّف فيه القول ليرضي صاحبه أعليه فيه حرج ؟ قال : لا . ألم تسمع قوله ( صلى الله عليه و سلم ) : (( ليس بكاذب من قال خيراً، أو أصلح خيراً، أو أصلح بين الناس )) ، و قد قال الله عز و جل : (( لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )) [ النساء:114 ] . إنها النفوس الشحيحة التي تحمل صاحبها وغيرها على ما تكره . و لكن في مقابل هذه النفوس الشحيحة يترقى أصحاب المروءات من المصلحين الأخيار ليبذلوا و يغرموا ، نعم يبذلون الوقت و الجهد، و يصرفون المال و الجاه ، و لقد قدر الإسلام مروءتهم ، و حفظ لهم معروفهم ، فجعل في حساب الزكاة ما يحمل عنهم غرامتهم ـ بارك الله فيهم ـ لئلا يُجْحِفَ ذلك بسادات القوم المصلحين . أيها الإخوة في الله ، و ميدان الصلح واسع عريض ؛ في الأفراد و الجماعات و الأزواج و الزوجات ، و الكفار و المسلمين ، و الفئات الباغية و العادلة ، في الأموال والدماء ، و النزاع و الخصومات . و من أجل ذلك فقد عظم ثوابه ، و كبر أجره ، فهو أفضل من درجة الصيام و الصلاة و الصدقة ، فقد قال عليه الصلاة و السلام ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام و الصدقة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (( إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر و لكن تحلق الدِّينَ )) . ولقد باشر الصلح بنفسه عليه الصلاة والسلام حين تنازع أهل قباء، فندب أصحابه وقال: (( اذهبوا بنا نصلح بينهم )) . و خرج عليه الصلاة و السلام للإصلاح بين أناس من بني عوف حتى تأخر عن صلاة الجماعة . إذا كان الأمر كذلك ـ أيها الاخوة ـ ، فمن ذا الذي لا يقبل الصلح و لا يسعى فيه ، ليسوا إلا أناس قد قست قلوبهم ، و فسدت بواطنهم و خبثت نياتهم ؛ حتى كأنهم لا يحبون إلا الشر ، ولا يسعون إلا في الفساد ، و لا يجنحون إلا إلى الظلم . و الأشد و الأنكى أن ترى فئات من الناس ساءت أخلاقها ، و غلظت أكبادها ، لا يكتفون بالسكوت و السكون ، بل في أجوائهم يستفحل الخصام ، و يقسو الكلام ، و ما أشبه هؤلاء بأعداء الإسلام و أهل النفاق ، إنهم يلهبون نار العداوة و يوقدون سعير البغضاء كلما خبت نار الفتن أوقدوها . و لا غرو بعد ذلك أن تضيع الحقوق ، و تهدر الحرمات ، و يرق الدين ، و تنزع البركات . ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، اتقوه و أصلحوا ذات بينكم ، جعلنا الله و إياكم ممن شملتهم مغفرته و رحمته ، إنه سميع مجيب . أخوانى و أخواتى المسلمين و المسلمات فأن الحمد لله ، لا تحصى نعمة و لا تحد ، أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد ، و أشهد أن سيدنا ونبينا رسول الله محمد ، اللهم صل و سلم و بارك على محمد و على آل محمد و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد : فاتقوا الله أيها الناس ، فتقوى الله خير زاد . عباد الله : يقول الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) في الحديث الصحيح الآخر الذي يرويه أبو ثعلبة الخشني : (( إذا كان ليلة النصف من شعبان يطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين و يترك أهل الضغائن و أهل الحقد بحقدهم )) أخرجه الطبراني و غيره . أيها الإخوة ، الكريم لا يحقد و لا يحسد و لا يبغي و لا يفجر ، إن بلغه عن أخيه ما يكرهه التمس عذراً ، فقد علم أن الاعتذار يذهب الهموم ، و يجلي الأحزان ، و يرفع الأحقاد ، و يزيل الصدود . إن حقاً على ـ إخوة الإيمان ـ أن يسود بينهم أدب المحبة ، أدب ينفي الغش والدغل مع استسلام لله بما يصنع ، و رضاً بما يكتب . اسمعوا رحمكم الله إلى هذا الحديث : روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) قال : (( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين و يوم الخميس ، فيغفر الله لكل عبد مسلم لا يشرك إلا رجلاً كانت بينه و بين أخيه شحناء ، فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا )) . قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله : يدل هذا الحديث على أن الذنوب إذا كانت بين العباد فسامح بعضهم بعضاً سقطت المطالبة بها من قبل الله عز و جل . الله أكبر يا عباد الله : (( مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ )) [ النساء:147 ] . و سمع رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما ؛ إذ أحدهم يستوضع الآخر و يسترفقه – أي يطلب منه أن يخفف عنه دينه - ، و هو يقول : و الله لا أفعل . فخرج عليهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) و هو يقول : (( أين المتألي على الله ألا يفعل المعروف ؟ )) فقال : أنا يا رسول الله . فله أي ذلك أحب . فعدل الرجل عن يمينه ، و استجاب لتذكير رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) ، طاعة لله و رسوله ، و استجابة لداعي الحق . و ثمة أمر آخر ياعباد الله ينبغي التنبيه إليه : ألا و هو أن جميع الأحاديث الأخرى التي وردت في تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام أو قيام هي أحاديث إما ضعيفة أو موضوعة لم يثبت صحتها و نسبتها إلى الصادق المصدوق ( صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ) . ألا فأتقوا الله رحمكم الله ؛ و لا تكلفوا أنفسكم مالم يكلفكم به ربكم جل و علا ، فمن أراد الثواب الجزيل و الذكر الجميل و راحة القلب فليحلم على الجاهل ، و ليعفو عن المعتدي و ليقبل الصلح فذلك أدعى لنيل المغفرة و الرضوان (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ )) [الشورى:4]. هذا وصلوا وسلموا على نبي الهدى و دين الحق ، اللهم صل و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه و أتباعه بإحسان إلى يوم الدين . |
|
|