الحمد لله وسع كل شيء برحمته، و عمّ كُلَّ حي بنعمته،                
لا إله إلا هو خضعت الخلائق لعظمته، 
سبحانه يسبّح الرعد بحمده و الملائكة من خيفته،                
أحمده سبحانه و أشكره على سوابغ آلائه و جلائل منته ،                
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته                وألوهيته ، 
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبد الله و رسوله خيرتُه                من بريته ، 
و مصطفاه لرسالته ، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله                و أصحابه و عترته ، 
و التابعين و من تبعهم بإحسان و سار على نهجه و طريقته                .
فاتّقوا الله تعالى أيها المسلمون ، و اعلموا أنّكم إليه                راجعون ، و بأعمالكم مجزِيّون ، 
و عليها محاسَبون ، و أنّ المصيرَ حقٌّ إما إلى جنّةٍ أو                إلى نار ،
 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا                اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * 
يُصْلِحْ لَكُمْ                أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ 
وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا                عَظِيمًا }                
 { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي                جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *                
آخِذِينَ مَا                آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ                مُحْسِنِينَ }                
عباد الله ، ما طعِمَ الطّاعِمون كالحلالِ الكفافِ ، و ما                رِداءٌ خيرٌ من رِداء الحياءِ و العفاف .
 العَفافُ و العِفَّة ـ أيّها المسلمون ـ سِيمَا                الأنبياءِ و حِليةُ العلماء و تاجُ العُبَّاد و الصّلَحاء .                
العفافُ سلطان من غيرِ تاجٍ و غِنًى من غير مالٍ و قوّة                من غيرِ بَطش و خُلُق كريم و صِفة نبيلة . 
هو عنوان الأسَرِ الكريمة و النفوسِ الزّكية الشريفةِ و                دَليل التربية الصالحة القويّة . 
هو موجِبٌ لظلِّ عرش الرحمنِ ذِي الجلال كما في حديثِ                الذي دَعَته امرأةٌ ذات منصب و جمال
 فقال : إني أخاف الله . و العِفّة و العَفاف سببُ                إجابة الدعاءِ و تجاوز الأخطارِ
 كما ورَد في حديثِ الثلاثة الذين انطبَقت عليهم                صخرةُ الغار .
 الحِرصُ عليه جِبِلّة في البشر و طبعٌ عند أصحابِ                العقول و سليمِ الفِطَر .
العِفّة ـ أيّها المؤمنون ـ كفُّ النفس عمّا لا يحِلّ و                لا يجمُل و ضبطُها عن الشهواتِ المحرَّمة 
و قصرُها على الحلال مع القناعةِ و الرِّضا . إنّه خلُق                زَكِيّ ، يَنبُت في روضِ الإيمان ، 
و يُسقى بماءِ الحياء و التقوى . إنّه سُمُوّ النفس على                الشّهواتِ الدنيئة و ترفُّع الهِمّة عما لا يليق ، 
بل يفيض هذا الخلُق بكلِّ الخصال النبيلةِ ، فصاحبُه ليس                بالهلوعِ و لا الجَزوع و لا المنوع ،
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ }
 { أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ                مُكْرَمُونَ }                
إنها جنّةٌ و كرامة ؛ لأنّ العفيفَ كريمٌ على الله حيث                أكرَمَ نفسَه في الدنيا عن الدّنَايَا ،
 فأكرمه الله في الآخرةِ بأعلى الدرجاتِ و أحسَنِ                العطايا ، و استحقَّ ميراثَ الجِنان ؛
 لأنَّ الميراثَ للطاهرين كما في سورة المؤمنون                :
 { أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ                * الَّذِينَ يَرِثُونَ                الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
و في صحيح مسلم لما ذكَر النبيّ صلى الله عليه و سلم أهلَ الجنة                
و حين تُعرَض القصَصُ فإنّ أحسَنَها قصّةُ يوسفَ الكريم                ابن يعقوبَ ابن خليلِ الله إبراهيم 
حين يكون العفافُ سيّدَ الموقِف في ظرفٍ تتهاوَى فيه                عزائمُ الرّجال الأشدّاء ، 
فضلاً عن فتًى غريبٍ نائي الأهلِ و الديار ، حين راودته                التي هو في بيتها عن نفسه ،
 { وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ                وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ 
قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ                مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } 
كلِمةٌ عظيمة في موقفٍ عصيب لا يقوَى عليه إلا صاحبُ                الإيمان ، 
فيصبِر عليه السلام رغمَ الوَعدِ و الوعيد و السّجنِ و                التهديدِ ، و يتجاوَزُ المحنةَ ، 
فآتاه الله الملكَ و علَّمه من تأويل الأحاديث ، و أعظم                من ذلك أنّه من عبادِ الله المخلَصين .
و فيه من العِبَر أنّ العِفَّةَ عاقبتُها الغناءُ و                الاستغناء و نورُ القلب و البصيرةُ 
و الضياء و العِلمُ و الفراسة و التّوفيق ؛ ذلك أنَّ                العِفّةَ في حقيقتها مراقبةُ الله تعالى و خوفُه ، 
و مَن راقب الله في خواطِرِه عصَمَه في حركاتِ جوارحه و                أسبغ عليه رضاه ،
 { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ                وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } 
 { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ                جَنَّتَانِ }                
 { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ                رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ                الْمَأْوَى }                
أيّها المسلمون ، و لإهتِمامِ الإسلام بهذا الجانِبِ                العظيم و لإمتداحِ الله المؤمناتِ بقوله :
 { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ                حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ }
فقد حمى الله تعالى أعراضَ المؤمنات ، 
و صانَ سُمعَتَهن أشدَّ صيانةٍ لكرامتِهن عند الله و                حرمةِ جنابِهنّ 
{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ                الْمُؤْمِنَاتِ
 لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ                عَذَابٌ عَظِيمٌ *                
يَوْمَ تَشْهَدُ                عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا                كَانُوا يَعْمَلُونَ *                
يَوْمَئِذٍ                يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ                اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ *                
الْخَبِيثَاتُ                لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ                لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ 
أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ                مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ                }
بل إنّ مَن قدح في عِرض العفيفة فقد استوجَبَ الحدَّ و                سقوطَ العدالة و استحقَّ صِفةَ الفِسق ، 
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ                يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ 
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا                وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ                } 
ثمّ تأمّلوا ـ رعاكم الله ـ كيف وصَف العفيفاتِ بالغافلات                ، 
و هو وصفٌ لطيفٌ محمود يصوِّر المجتَمَع البريء و البيتَ                الطاهر الذي تشِبّ فيه فتياتُه 
بعيداتٍ عن الدنايا و الآثام ، يصوِّرُهنّ غافلاتٍ عن                لوثَاتِ الطِّباع السّافلة ، 
غائباتٍ عن المعاني الرّديئة ، ثمّ تأمَّل كيف تتعاوَن                الأقلام السّاقِطة و الأفلام الهابِطة 
لتمزِّقَ حجابَ الغفلةِ هذا ، و يتسابقون و يتنافَسون في                هَتكِ الأستار و فتحِ عيونِ الصّغار 
على ما يستحِي منه الكبار ، 
و صدق الله العظيم إذ يقول :
 { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ                عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ                تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا                } 
أيها الأحبة في الله : إنَّ العالَم المنفَتِح على الجنسِ                المتحلِّلَ منَ الفضيلةِ يئِنّ اليومَ 
تحت وطأةِ الأمراضِ الوبائية و يجأرُ من التشتُّت                الاجتماعيّ و التفكُّك الأسريّ و التحلّل الأخلاقيّ ،
 كما تشكو نساؤه و أطفالُه آلافَ الحالات من                الاغتصابِ و تجارةِ الرذيلة ، 
و التي نافَسَت تِجارةَ الأسلحة و المخدِّرات ،                
و يسمّونها تجارةَ الرقيقِ الأبيض ، فأين الحرّيّة و                الأمان ؟! 
و أين الطّمأنينةُ و الاستقرار في هذه الفوضَى العارِمة                في اختلالِ الأخلاق و القيَم ؟!
إنَّ الحريّةَ الحقيقيّة التي بناهَا الإسلام هي عندَما                يحِسّ أفرادُ المجتمع بالأمنِ في حياتهم و أعراضِهم ، فيتحرَّكون                بحرّيّةٍ و أمن ، و تنتشِر الثِّقة و الطمأنينة و حُسنُ الظنّ ، و                يتفرَّغ الناس لمعاشِهِم 
و ما يصلِح دينَهم و دنياهم ، و ذلك حين يتربَّى المجتمعُ                رجالاً و نساء و ينشؤونَ 
على مظاهِرِ العِفّة و الحِشمة و الورَع و لزومِ أمر الله                تعالى ، فلا شكَّ و لا رِيبةَ ، 
و لا خيانةَ و لا خَوف ، إنه الأمنُ و الطمأنينةُ و                الحريّة ، و لذلك في صدرِ الإسلامِ الأوَّل
 لم يمنَع ذلك صلاةَ المرأة في المسجِد و مشاركتَها                الجيشَ في المعركة و طلَبَها للعِلم 
و مداواةَ الجَرحى و طلَبَ الرِّزق ، و لم يكُن في أحكامِ                الشَّرع ما يمنعُها مصلحةً لها أو لغَيرها ،
 بل كلُّه حِفظٌ وصيانة كما قال تعالى                :
 { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ                فَلا يُؤْذَيْنَ }                
و إذا تحرَّكتِ المرأة الطاهرةُ و الرجلُ الطاهر في                البِيئة الطاهرة وفقَ ما رسمَه الله من أحكامٍ
 بعيدًا عن الشّبُهات و الملوِّثات فلا سبيلَ                لجرثومةٍ أن تنفذَ .
أيّها المسلمون ، و حيثَّ إن أعظمَ أبوابِ الشّرّ و أوّلَ                مدخلٍ للشيطان هو إطلاقُ البَصَر 
و الاختلاط لذا صارت أحكامُ الحجابِ و القَرار في البيوت                و الأمر بغَضِّ البصر للرجال و النساء ، 
{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ                وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ 
ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا                يَصْنَعُونَ *                
وَقُلْ                لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ                فُرُوجَهُنَّ }
 بل حتى في                الحديثِ العابِر بين الرّجل و المرأة الأجنبيّة عنه :