معاشر الأحبة : إن نجاح الإنسان فى إزاحة عوائق البخل التى تعترض مشاعر الخير
فيه هو فى نظر الإسلام فضيلة كاملة، إذ المعروف أن المرء يشتد أمله فى الحياة،
و تتوثق أواصره بها عندما يكون صحيح البدن ، طامحا فى المستقبل ، يقتصد فى نفقته
و يضاعف فى ثروته، ليطمئن إلى غد أرغد له و لذريته، فإذا غالب هذه العوامل كلها ،
و بسط كفه فى ماله ، ينفق عن سعة و لا يخشى إقلالا و لا ضياعا ، فهو بذلك يفعل الخير العظيم
. جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم
فقال : يا رسول الله ، أى الصدقة أعظم أجرا ؟
قال
( أن تصدق و أنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر و تأمل الغنى ،
و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا و لفلان كذا و قد كان لفلان كذا )
معاشر الأحبة : إن البذل الواسع عن إخلاص و رحمة يغسل الذنوب و يمسح الخطايا
فإذا انزلق المسلم إلى ذنب و شعر بأنه باعد بينه و بين ربه ، فإن الطهور الذى يعيد إليه
نقاءه و يرد إليه ضياءه و يلفه فى ستار الغفران و الرضا، أن يجنح إلى مال عزيز عليه
فينخلع عنه للفقراء و المساكين ، زلفى يتقرب بها إلى أرحم الراحمين .
عن أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
( تعبد عابد من بنى إسرائيل فعبد الله فى صومعة ستين عاما ،
فأمطرت الأرض فاخضرت ، فأشرف الراهب من صومعته ،
فقال : لو نزلت فذكرت الله فازددت خيرا !! فنزل و معه رغيف أو رغيفان
، فبينما هو فى الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها
و تكلمه حتى غشيها ثم أغمى عليه . فنزل الغدير يستحم ، فجاءه سائل ،
فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين ، ثم مات .. فوزنت عبادة ستين سنة بتلك الزنية
فرجحت الزنية بحسناته ، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته ،
فرجحت حسناته ، فغُفر له "
و يروى الرسول صلى الله عليه و سلم عن ربه هذا الحديث
( يا ابن آدم أفرغ من كنزك و عندى لا حرق، و لا غرق و لا سرق،
أوفيكه أحوج ما تكون إليه )
و قد يسبق الظن إلى أن السخاء ينقص الثروة و يقرب من الفقر ،
و يسلب الرجل نعمة الطمأنينة فى ظل ماله الممدود، و خيره المشهود،
و هذا الظن من وساوس الشيطان التى يلقيها فى نفوس القاترين الأدنياء
. و الحق أن الكرم طريق السعة، و أن السخاء سبب النماء،
و أن الذى يجعل يديه ممرا لعطاء الله يظل مبسوط اليد بالنعمة،
مكفول اليوم و الغد بالغدق الدائم من رحمة الله و كرمه .
و فى الحديث القدسى عن الله تبارك و تعالى :
( يا عبدى أنفق أنفق عليك، يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل و النهار،
أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات و الأرض ؟ فإنه لم يغض ما بيده،
و كان عرشه على الماء و بيده الميزان يخفض و يرفع إن المنفقين على السراء
و الضراء هم بعين الله ، و فى كنفه ، تصلى عليهم الملائكة
و يرتقب لهم المزيد، أما الكانزون فلا يتوقع لهم إلا الضياع ) .
و هل يخلدون مع المال أو يخلد معهم المال ؟ إن المال عارية انتقل إلينا من غيرنا ،
و سينتقل منا إلى غيرنا ، فلم التشبث به و التفانى فيه ؟
إن كل ما يتعلق البشر به من حطام الدنيا سوف
يدعونه لوارث السموات و الأرض، و سينتقلون إلى ربهم حفاة عراة،
لا مال و لا جاه كما خُلقوا أول مرة ، و سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة.
فلا غرو حينئذ إذا نقم الملأ الأعلى على من ينسى هذه الحقائق، و ينطلق فى ربوع الأرض،
لا هم له إلا جمع ما يضره ، و نسيان ما يفيده .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ،
فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ،
و يقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا ) .
أيها الأحبة الكرام : قد يحرص المرء على المال لأنه يريد ترك أولاده فى ثراء ،
يحميهم تقلب الأيام و أحداث الليالى و هذا قصد حسن، و المسلم مكلف أن يصون ذريته،
و أن يمنع عنهم العيلة، و أن يراهم بمأمن من الحاجة إلى الناس ،
غير أن البخل بالحقوق و كنزها للأولاد لا يمحو فقرا و لا يضمن غنى
و لا يُقبل من صاحبه يوم القيامة عذر
. رُوى عن عبد الله بن مسعود أن:
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
( شرالخلق عند الله عبدين ممن أكثر لهما من المال والولد .
فقال لأحدهما : أى فلان بن فلان . قال : لبيك رب وسعديك .
قال : ألم أكثر لك من المال و الولد ؟ قال : بلى أى رب .
قال : و كيف صنعت فيما آتيتك ؟ قال : تركته لولدى مخافة العيلة !!
قال : أما إنك لو تعلم العلم لضحكت قليلا و لبكيت كثيرا .
أما إن الذى تخوفت عليهم قد أنزلت بهم .
و يقول للآخر : أى فلان بن فلان ، فيقول : لبيك أى رب و سعديك .
قال له : ألم أكثر لك من المال و الولد ؟ قال : بلى أى رب :
قال : فكيف صنعت فيما آتيتك ؟
قال : أنفقت فى طاعتك ، و وثقت لولدى من بعدى بحسن طولك !
قال : أما إنك لو تعلم العلم لضحكت كثيرا و لبكيت قليلا .
أما إن الذى وثقت به قد أنزلت بهم )
أو كما قال عليه الصلاة و السلام.
ألا فاتقو الله عباد الله ، و استمسكوا بعُرا السماحة ، و اجتنبوا البخل و التقتير ،
و سارعوا إلى الجود و الكرم، و اعلموا أن من بذل اليوم القليل جناه غدا أو بعد غد كثير ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ ياأيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم،
وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم،
إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم،
فاتقوا الله مااستطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم،
ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }
بارك الله لي و لكم في القران العظيم ، و نفعنا و إياكم بما فيه الآيات و الذِكر الحكيم
أقول ما قلت و أستغفر الله العظيم لى و لكم و لسائر المسلمين ،
و جعلنا الله و إياكم هداة مهتدين غير ضالين و لا مضلين ،