أيّها المسلمون ، بكلمةِ الحقّ الصادقة النزيهة تُبنى العقول و تُشاد الأوطان ، 
و هي عِماد التربية ، إن صلَحت الكلمة صلَح المجتمع كلُّه ، 
و الصدقُ يهدي إلى البرّ ، و للكلمةِ قوّةُ السيف في البناء و التغييرِ و الإصلاح ،
و العاقل من الناس لا يتكلّم إلا لحقٍّ يبيِّنه أو باطلٍ يَدحَضه أو علمٍ ينشره
أو خيرٍ يذكره أو فضلٍ يشكره ، و تركُ الفضول من كمالِ العقول .
بكلمة الحقِّ يظهر البيانُ و توصَف الأشياء ، 
و الكلمةُ تنبِئ عن الضمير و تفصِل في القضاء و تشفَع في الحوائج و تعِظ عندَ القبيح . 
الكلمةُ تفرِح و تحزِن ، و تجمَع و تفرِّق ، و تبني و تهدِم ، و تُضحك و تُبكي . 
كلمةٌ تنشرح بها الصدور ، و أخرى تنقبِض لها النفوس .
بالكلمةُ تكون التربية و التعليم ، و تنتشِر الدعوة و الفضيلة ، 
و لقد كان من دعاء موسى الكليم عليه السلام :
{ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي } 
[ طه : 27 ، 28 ] . 
و من اتَّقى الله و لزم القولَ السديد أصلح الله عملَه و غفر ذنبَه ،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * 
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } 
[ الأحزاب : 70 ، 71 ] ،
و في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتَّفق عليه 
عن نبيِّكم محمّد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم أنه قال :
(( إنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع الله بها درجاته ،
و إنّ العبد ليتكلَّم بالكلمة من سخَط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنّم )) 
نسأل الله السلامة ، 
(( و المسلِم من سلِم المسلمون من لسانه و يدِه )) ، 
و من يضمَن ما بين لحيَيه و ما بين رِجلَيه تُضمَن له الجنة .
أيّها المسلمون ، هذا هو الإنسان ، و هذه هي الكلمةُ في حقيقتِها و طبيعتها و أثرِها ،
فكيف تكون حرّيّة الكلمة ؟ و كيف تُفهَم حرية التعبير ؟ الحرية مسؤوليةٌ ، 
و الغاية هي الإصلاحُ و البناء و ليس الهدم و الإفساد ، 
و التعاونُ و التفاهم و ليس الشّقَاق و التّصادم . حرّيةُ التعبير و حرّيَّة الكلمة 
و الكَلمةُ الحرّة قِيَمٌ حضاريّة عالية ، بل إنها منجَز من منجزات البشرية الخلاّقة ،
لها المكان الأرفَع و الاحتفاء الأَسمى .
و منَ المعلوم لدى العقلاء أن الإنسان يوزَن بكلامه ، و يحكَم عليه من لسانه ،
فالساكتُ مَوضِعَ الكلام محاسَب ، و المتكلِّمُ في موضعِ السكوتِ محاسَب ، 
و الساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرَس ، و كلامُ الزور إثمٌ و فجور ، 
و الكذِب يهدي إلى الفجور ، و كفَى بالمرء إثما أن يحدِّث بكلّ ما سمِع ، 
و كَم كلمةٍ قالت لصاحبها : دَعني .
عبادَ الله ، إذا كان ذلك كذلك فلا بدَّ لهذه الحرّيّة من ضوابط ، 
و لا بدَّ لهذه المسؤوليّة من معايير ، و بغيرِ الضوابطِ و المعايير تنبُت 
الفوضى العَمياء التي تُعلِي شأن الظلم و الظالمين ، و تزيِّف الحقائق ، 
و تقود إلى النتائجِ العكسيّة ، فيخنَق الضمير و تموت الحرية .
إنَّ مما ينبغي أن يُراعى في ضوابط حريّة التعبير و حرية الكلمة 
و الكلمةِ الحرّة الإخلاصَ و قصدَ الحق و التجرّد من نوازِع الهوى و حظوظ النفس 
و الحذَر من توظيف الكلمة للانتصارِ للنفس و العصبيّة لفئةٍ أو مذهب أو فكرة ، 
فهذا بغيٌ و ظلم . يجِب مراعاةُ ظروفِ الزمان و المكان و الأحوال 
في الحوارات و المناقشات و الردود و خطاب الناس ، تتأكَّد أهمية الكلمة
و دقّةُ اختيارها في الحوادث و المناقشات و الردود و خطابِ الناس ،
تتأكّد أهمية الكلمة و دقَّة اختيارها و رعايةُ أدب الخلاف و أصول الحوار ،
فلا يتكلَّم متكلّم إلا بدينٍ و إخلاص و عِلم . 
يراعَى أحوالُ المخاطبين علمًا و ثقافة و خَوفًا و أمنا ، 
تُراعى أجواءُ الفِتن و أحوالُ الاضطراب و الحِفاظ على الأمة في اجتماعِ كلمتها 
و هدوئِها و الحِفاظ على الجمَاعة و الوحدة .
يجب تخفيف أجواء التوتُّر و بسطُ ثقافة التعاوُن و المحبَّة و حُسن الظنّ 
و ابتغاء الحقّ و التجرّد له و قَبوله ممن جاءَ به و حقّ الاختلاف ، 
مع التأكيد و اليقين أن هذا لا يتعارض مع حقِّ الدفاع عن القناعاتِ 
و الردّ على المخالف بأدبٍ و سلامة قصدٍ و صدر 
و تلمُّسٍ للحق في علمٍ و بصيرة و هُدى .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ 
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * 
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ *
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ 
وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }
[ إبراهيم : 24-27 ] .
نفعني الله و إياكم بالقرآن العظيم ، 
و بهدي سيد المرسلين محمد صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه أجمعين ، 
و أقول قولي هذا ، و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كلّ ذنب و خطيئة ، 
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .