الحمد لله المطلِّعِ على مكنونِ الضّمائر ، يعلم النّجوى و ما تخفِي السّرائر ،
الخفيُّ عندَه ظاهِر ،
{ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ
وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ }
[ الرعد : 10 ] ،
و أشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له القويّ القاهر ،
و أشهد أنّ سيدنا و نبينا محمّدًا عبده و رسوله ،
صلى الله عليه و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان ،
و سلّم تسليمًا متّصلا إلى اليوم الآخر .
و بــعــد :
أيّها المسلمون ، العقيدةُ الإسلامية عقيدةُ الوضوح و الاستقامة ،
فلا يقوم فيها شيءٌ على الظنّ و الوهم و الشّبهةِ ،
و في محاسن توجيهاتِ القرآن العظيم :
{ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً }
[ الإسراء : 36 ] ،
قال القرطبيّ يرحمه الله :
" أي : لا تتبَع ما لا تعلم و ما لا يعنيك " ،
و نُقل قولُ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :
( أي : لا تذُمَّ أحدًا بما ليس لك به عِلم ) .
أيّها المسلمون ، هذه الكلمات القليلةُ التامّة تقيم منهجًا كاملاً للقَلب و العقل ،
إنها ميزة الإسلام على المناهج العقليّة الجافة ، فالتثبُّت من كلّ خبر
و من كلّ ظاهرة قبل الحكم عليها هو دعوةُ القرآن الكريم و منهج الإسلامِ الدقيق ،
و متى استَقَام القلب و العقلُ على هذا المنهج لم يبقَ مجالٌ للوهم
و الخرافةِ في عالم العقيدَةِ ، و لم يبقَ مجال للظّنّ و الشبهةِ في عالم الحكمِ
و القضاء ، بل لم يبقَ مجال للأحكام السطحيّة و الفروض الوهميّة
في عالم البحوث و التجارب و العلوم . و الأمانة العلميّةُ التي يشيد بها الناس
اليوم ليست إلا طرفًا من الأمانة العقليّة القلبية التي يعلن القرآن تبِعَتها الكبرى
و يجعلُ الإنسانَ مسؤولاً عن سمعه و بصره و فؤاده أمام واهِبِها سبحانه و تعالى .
إنها أمانةُ الجوارح التي سيُسأَل عنها العبد يوم القيامة ،
أمانةٌ يهتزّ الوجدان الحيّ لجسامتها و دِقّتها ، كلما نطق الإنسان بكلمة أو روى رواية ،
و كلما أصدر حكمًا على شخصٍ أو أمرٍ أو حادثة ،
و صدق الله العظيم إذ يقول :
{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }
[ الإسراء : 9 ] .
هذا ، و صلّوا و سلِّموا على الرحمةِ المهداة و النّعمة المسداة محمد بن عبد الله ،
رسول الله و خاتم أنبيائِه . كما أمركم بذلك ربكم فى عُلاه
فقال عزَّ من قائلا عليمًا سبحانه :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[ الأحزاب : 56 ] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و بارك على عبدِك و رسولك محمّد الأمين ،
و آله الطيِّبين الطاهِرين ، و أزواجِه أمُهاتنا أمَّهات المؤمنين ،
و أرضَ اللَّهمَّ عن الخلفاء الأربعةِ الراشدين ؛ أبي بكر و عمَرَ و عثمان و عليّ ،
و عن الصحابةِ أجمعين ، و التابعين و مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جودِك و كرمك و إحسانك يا أكرمَ الأكرمين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أنصر عبادَك المؤمنين...
أنتهت