الصلاة الخاشعة هي الراحة الدائمة للنفوس المطمئنة الواثقة بوعد ربها المؤمنة بلقائه .
أين هذا من نفوس استحوذ عليها الهوى و الشيطان ؟! 
فلا ترى من صلاتها إلا أجساداً تهوي إلى الأرض خفضاً و رفعاً .
أما قلوبها فخاوية ، و أرواحها فبالدنيا متعلقة ، 
و نفوسها بالأموال و الأهلين مشغولة .
لما سمع بعض السلف قوله تعالى :
{ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } 
[النساء:43] . 
قال : كم من مصل لم يشرب خمراً.. هو في صلاته لا يعلم ما يقول ، 
و قد أسكرته الدنيا بهمومها .
أيها الإخوة ، و هناك نوع من الخشوع حذر منه السلف ، 
و أنذروا و سموه : خشوع النفاق . 
فقالوا : أستعيذوا بالله من خشوع النفاق . 
قالوا : و ما خشوع النفاق ؟ 
قالوا : أن ترى الجسد خاشعاً ، و القلب ليس بخاشع .
و لقد نظر عمر رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه فقال له : 
يا هذا ، أرفع رأسك ، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب ، 
فمن أظهر خشوعاً على ما في قلبه فإنما هو نفاق على نفاق .
و قال الحسن:
إن أقواماً جعلوا التواضع في لباسهم ، و الكبر في قلوبهم ، 
و لبسوا مداعج الصوف ـ أي: الصوف الأسود ـ 
و اللهِ لأَحدُهم أشدُّ كبراً بمدرعته من صاحب السرير بسريره ، 
و صاحب الديباج في ديباجه .
فاتقوا الله – يرحمكم الله- و أحفظوا صلاتكم ، و حافظوا عليها ، 
و أستعيذوا بالله من قلب لا يخشع ، 
فقد كان من دعاء نبيكم محمد
:  
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، و من قلب لا يخشع ، 
و من نفس لا تشبع ، و من دعوة لا يستجاب لها )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: 
{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ } 
[البقرة:45، 46] .
فأتقوا الله ـ معاشر المسلمينـو تخلقوا بأخلاق رسول الله و أهتدوا بهديه تفلحوا ،
و يتحقق لكم ما وعدكم به من الاستظلال بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله .
بارك الله لي و لكم في الوَحيين ، و نفعني و إيّاكم بهدي سيِّد الثقلين ، 
أقول قولي هذا ، و أستغفر الله العظيم الجليل لي و لكم و لسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ ،
فأستغفروه و توبوا إليه ؛ إنه كان توّابًا . 
 
 
الحمد لله المتفرد بالعظمة و الجلال ، المتفضل على خلقه بجزيل النوال . 
أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ، و هو الكبير المتعال ، 
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، 
و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، الداعي إلى الحق ، و المنقذ بإذن ربه من الضلال ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه خير صحبٍ و آلٍ ، 
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .
أمـــا بعـــد :
أيها المسلمون ، يذكر أهل العلم وجوهاً عدة ، يتبين فيها حضور القلب ، 
و يتحقق فيها حال الخشوع ، و حقيقة التعبد .
من هذه الوجوه : الإجتهاد في تفريغ القلب للعبادة ، و الإنصراف عما سواها ، 
و يقوى ذلك و يضعف بحسب قوة الإيمان بالله و اليوم الآخر ، و الوعد و الوعيد .
و منها : التفهم و التدبر لما تشتمل عليه الصلاة من قراءة و ذكر و مناجاة ؛ 
لأن حضور القلب و التخشع و السكون من غير فهم للمعاني لا يحقق المقصود .
و منها : الإجتهاد بدفع الخواطر النفسية ، و البعد عن الصوارف الشاغلة . 
و هذه الصوارف و الشواغل عند أهل العلم نوعان : 
صوارف ظاهرة و هي ما يشغل السمع و البصر ، 
و هذه تعالَج باقتراب المصلي من سترته و قبلته و نظره إلى موضع سجوده ، 
و الأبتعاد عن المواقع المزخرفة و المنقوشة ، 
و النبي 
لما صلى في خميصة لها أعلام و خطوط نزعها و قال :  
(( إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي )) 
متفق عليه من حديث عائشة .
و النوع الثاني : صوراف باطنة من تشعب الفكر في هموم الدنيا 
و أنشغال الذهن بأودية الحياة ، 
و معالجة ذلك بشدة و التفكر و التدبر لما يَقرأ و يَذكر و يُناجي .
و مما يعين على حضور القلب ، و صدق التخشع ؛ تعظيم المولى جل و علا في القلب ،
و هيبته في النفس ، و لا يكون ذلك إلا بالمعرفة الحقة بالله عزَّ شأنه ، 
و معرفة حقارة النفس و قلة حيلتها ، 
و حينئذٍ تتولد الاستكانة و الخشوع و الذل و الإنابة .
أمرٌ آخر –أيها الإخوة– يحسن التنبيه إليه ، 
و هو دال على نوع من الإنصراف و التشاغل ، مع ما جاء من عظم الوعيد عليه ،
و خطر التهاون فيه ، ذلكم هو مسابقة الإمام في الصلاة ، فما جعل الإمام إلا ليؤتم به ،
فلا تتقدموا عليه ، و قد قال عليه الصلاة و السلام :
(( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار )) 
متفق عليه من حديث أبي هريرة . 
و في رواية : (( أو صورة كلب )) . 
و أنظروا إلى حال الصحابة رضوان الله عليهم مع نبيهم و إمامهم 
محمد 
، يقول البراء بن عازب :  
كان خلف النبي 
فكان إذا انحط من قيامه للسجود ،  
لا يحني أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله 
جبهته على الأرض و يكبر ، 
و كان يستوي قائماً و هم لا يزالون سجوداً بعد . 
و رأى ابن مسعود – رضي الله عنه – رجلاً يسابق إمامه 
فقال له : لا وحدك صليت ، و لا أنت بإمامك أقتديت .
فأتقوا الله – يرحمكم الله – و أحسنوا صلاتكم ، و أتموا ركوعها و سجودها ، 
و حافظوا على أذكارها، و حسن المناجاة فيها ، 
رزقنا الله و إياكم الفقه في الدين و حسن العمل .
ألا و أكثِروا ـ يرحمكم الله ـ من الصلاة و السلامِ على الحبيب رسولِ الله 
كما أمركم بذلك ربّكم جلّ في علاه ، فقال تعالى قولاً كريمًا :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب:56] ، 
و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :
(( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا )) .
اللّهمّ فاجز عنّا نبيّنا محمّدًا
 خيرَ الجزاء و أوفاه ،  
و أكمله و أسناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ، 
و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول .
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد
 ،  
و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .
اللهم اجعل حبَّك و حبَّ رسولك
 أحبَّ إلينا  
من أنفسنا و الدينا و الناس أجمعين .
اللهم أعزَّ الإسلام و المسلمين ... ثم باقى الدعاء
 
أنتهت