كلمة تنخلع بها جميع الآلهة الباطلة ، و يثبت بها استحقاق الله وحده للعبادة .
فالله هو الخالق و ما سواه مخلوق ، و هو الرازق و ما سواه مرزوق ،
و هو القاهر و ما سواه مقهور . هذا هو دليل التوحيد و طريقه :
<IMG width=14 height=14> ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ
هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ <IMG width=14 height=14>
[ الروم :40 ] .
و الأموات قد أفضوا إلى ما قدموا ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً و لا ضراً :
<IMG width=14 height=14> إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ
وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ <IMG width=14 height=14>
[ فاطر :14 ] .
ومن القضايا المثارة في الخطاب النبوي التقرير بأن الناس متساوون في التكاليف
حقوقاً و واجباتٍ ، لا فرق بين عربيٍ و لا عجمي إلا بالتقوى ، لا تفاضل في نسب ،
ولا تمايز في لون ، فالنزاعات العنصرية و النعرات الوطنية ضربٌ من الإفك و الدجل .
و من الواقع الرديء في عصرنا أن توصف حضارة اليوم بحضارة العنصريات و القوميات .
و الشعوب الموصوفة بالتقدم تضمر في نفسها احتقاراً لأبناء القارات الأخرى ،
و لم تفلح المواثيق النظرية ، و لا التصريحات اللفظية ،
فإنك ترى هذا التمييز يتنفس بقوةٍ من خلال المجالات السياسية و الأقتصادية و الأجتماعية .
و يأتي نبينا محمد <IMG width=14 height=14> لينبه منذ مئات السنين على ضلال هذا المسلك ،
و يعلن في ذلك المشهد العظيم :
(( أيها الناس إن ربكم واحد ، و إن أباكم واحد ، كلكم لآدم ، و آدم من تراب ،
و إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى )) .
وفي رواية عند الطبراني عن العدَّاء بن خالد قال :
قعدت تحت منبره <IMG width=14 height=14> يوم حجة الوداع ،
فصعد المنبر فحمد الله ، و أثنى عليه و قال :
(( إن الله يقول: <IMG width=14 height=14> يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ
وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ <IMG width=14 height=14>
[ الحجرات :13 ] ،
فليس لعربي على عجمي فضل ، و لا لعجمي على عربي فضل ،
و لا لأسود على أحمر فضل ، و لا لأحمر على أسود فضل إلا بالتقوى .
يا معشر قريش لا تجيئوا بالدنيا تحملونها على رقابكم ، و تجيء الناس بالآخرة ،
فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً .
أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية و تعاظمها بآبائها فالناس رجلان :
رجل تقي كريم على الله ،
وفاجرٌ شقي هين على الله،
و الناس بنو آدم ، و خلق الله آدم من تراب ))
رواه الترمذي واللفظ له ، و أبو داود و غيرهما .
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر . لا إله إلا الله
و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد .
معاشر الأحبة ، حفظ النفوس و صيانة الدماء قضية خطيرة يثيرها خطاب
الرسول عليه الصلاة و السلام إلى الأمة في كلماته التوديعية التأصيلية :
ذلكم أن حكم القصاص في النفس و الجراحات ، كان من حكمه التشريعية :
زجر المجرمين عن العدوان .
وقد عجزت الأمم المعاصرة بتقدمها و تقنية و سائلها أن توقف سيل الجرائم ،
و إزهاق النفوس ، و زاد سوؤها و أنكشفت سوأتها ،
حين ألغت عقوبة الاقتصاص من المجرمين ،
و أكتفت بعقوبات هزيلة بزعم إستصلاح المجرمين ،
و ما زاد المجرمين ذلك إلا عتواً و إستكباراً في الأرض و مكر السيئ .
و لكنه في شرع محمد <IMG width=14 height=14> محسوم بالقصاص العادل :
<IMG width=14 height=14> وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ <IMG style="WIDTH: 14px; HEIGHT: 14px" width=14 height=14>
[ البقرة :179 ] .
إن في القصاص حياة حين يكفُّ من يَهمُّ بالجريمة عن الإجرام ،
و في القصاص حياةٌ حين تشفى صدور أولياء القتيل من الثأر
الذي لم يكن يقف عند حدٍّ لا في القديم و لا في الحديث . ثأرٌ مثيرٌ للأحقاد العائلية ،
و العصبيات القبلية ، يتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيلٍ ، لا تكفُّ معه الدماء عن المسيل .
و يأتي حسمٌ عمليٌّ و مباشرة تطبيقية من محمد <IMG width=14 height=14> في هذا الموقف العظيم ،
و في إلغاء حكم جاهلي في مسألة الثأر ،
فأستمع إليه و هو يقول :
(( ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع ، و دماء الجاهلية موضوعة ،
و إن أول دم أضع من دمائنا دم أبن ربيعة بن الحارث .
كان مُسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل )) .
أيها الإخوة ، إن في القصاص و الحدود و أحكام الجنايات في الشريعة ، حياةً و رحمةً ،
حياةً أعم و أشمل ، حياة تشمل المجتمع كله ، رحمة واسعة غير مقصورة
على شفقة و رِقـَّة تنبت في النفس نحو مستضعفٍ أو أرملةٍ أو طفلٍ ،
و لكنها رحمةٌ عامةٌ للقوي و الضعيف و القريب و البعيد ،
و الأمن المبسوط في بلاد الحرمين خير شاهد صدقٍ لقوم يتفكرون ،
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ،
و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد .
معاشر الإخوة ، أما قضية المرأة ، و ما أدراك ما قضية المرأة ،
و كأنها قضية كل عصر و كل جيل و كل أمة ،
يأتي الخطاب النبوي في هذا الحشد الهائل ممن عاصر الجاهلية ،
ليضع الناس على الحق ، و الطريق المستقيم .
إن مواريث العرب و الجاهلية قبل الإسلام أحتقرت المرأة و أزدرتها ،
بل لعلها رأت أنها شرٌ لا بد منه ، و في أمم التقدم المعاصر أسفَّت بها في شهواتها
إلى مدىً منحطٍ . و إذا كانت مواريث الجاهلية قد جعلت المرأة
في قفص الاتهام و مظاهر الاستصغار ، فإن مسلك التقدم المعاصر
قد جعلها مصيدةً لكل الآثام ، و لكنَّ هدي محمد <IMG width=14 height=14> أعطى كل ذي حق حقه ،
و حفظ لكلٍّ نصيبه :
<IMG width=14 height=14> لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبْنَ <IMG width=14 height=14>
[ النساء :32 ] .
في مسلك وسط ، و منهجٍ عدلٍ ، فالنساء شقائق الرجال :
<IMG width=14 height=14> وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ <IMG width=14 height=14>
[ البقرة :228 ] ،
<IMG width=14 height=14> فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ <IMG width=14 height=14>
[ آل عمران :195 ] ،
<IMG width=14 height=14> مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ <IMG width=14 height=14>
[ النحل :97 ] .
و في التوجيه النبوي :
(( فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، و أستحللتم فروجهن بكلمة الله ،
و لكم عليهن أن لا يوطئن فُرُشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرِّح ،
و لهنَّ عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف )) .
إن إصلاح عوج المرأة راجع إلى زوجها ؛ ليمنع العوج و النشوز ،
و ليعيد الاستقرار إلى جوانب البيت في معالجة داخلية .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ،
و الله اكبر الله أكبر و لله الحمد .
و ثمة وقفةٌ نبويةٌ – أيها الإخوة – في هذا المشهد التوديعي العظيم .
إنها قضية وحدة الأمة ، و قضية الخلاف المذموم .
يوقف فيها الرسول <IMG width=14 height=14> أمته على أمر حاسم ، و موقف جازم :
(( وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده- إن أعتصمتم به- كتاب الله )) .
(( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ))
متفق عليه من حديث جرير .
(( ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ، و لكن في التحريش بينهم ))
رواه مسلم و الترمذي و اللفظ له .
إنه تحذير مبكر من الرؤوفٍ الرحيم بالمؤمنين من فناءٍ ذريع ،
إذا هي أستسلمت للخلاف ، و أسترسلت في الغفلة عن سنن الله ،
و الجهل بما يحيكه الشيطان و إخوان الشيطان من مؤامرات .
إنها وصايا أودعها النبي <IMG width=14 height=14> ضمائر الناس .
لا تتضمن قضايا فلسفية و لا نظريات خيالية .
مبادئ بسطها النبي الكريم المبلغ البليغ في كلماتٍ سهلة سائغة ،
و إنها على وجازتها أهدى و أجدى من مواثيق عالمية طنانةٍ لا واقع لها .
ذلك أن قائلها و واضعها محمداً كان عامر الفؤاد بحب الناس ،
و الحرص عليهم و الرأفة بهم . شديد التأكيد على ربطهم بالله و سننه و إعدادهم للقائه .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ،
و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد ،
أمة الإسلام : ما أحوج الأمة اليوم إلى مثل هذه الدروس النبوية ،
أما تتكرر الروح التي سادت حجة الوداع ،
لكي تتشبع هذه الكثرة العددية للمسلمين اليوم بكثافةٍ نوعيةٍ ، و طاقات روحيةٍ ؟
أما يحج المسلمون ليشهدوا منافع لهم تمحو فرقتهم ،
و تسوي صفوفهم ، و ترد مهابتهم ؟!
إن الحج العظيم في معناه الكبير يكون فيه الشيطان و أعوانه أصغر و أحقر .
فيغيظ أعداء الله و يرجعون خاسئين ، ناكصين على أعقابهم مذمومين مدحورين ،
يغيظ الكفار حين يرون جموع هذه الأمة ، و قد أستسلمت لربها ،
و أطاعت نبيها ، و أجتمعت كلمتها .
فيا أيها الناس:
(( اعبدوا ربكم ـ كما أوصى نبيكم ـ و أقيموا خمسكم ، و صوموا شهركم ،
و أدوا زكاة أموالكم ، و أطيعوا ولاة أمركم ، تدخلوا جنة ربكم )) .
و أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و لجميع المسلمين من كل ذنبٍ و خطيئة ،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ،
و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد .