الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع ، و مستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع ، 
الوهابُ المنان ، الرحيم الرحمن ، المدعو بكل لسان ، المرجو للعفو و الإحسان ،
 لا خير إلا منه ، و لا فضل إلا من لدنه ، 
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جميل العوائد، و جزيل الفوائد ، 
و أشهد أن سيدنا محمدًا عبده و رسوله ، و حبيبه و خليله ، الوافي عهده ،
 الصادق وعده ، ذو الأخلاق الطاهرة ، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة و البراهين الباهرة ،
 صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه و تابعيه بإحسان إلى يوم الدين .
أمّــــا بعـــــد : 
فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عزّ و جلّ ، فاتَّقوا الله رحمكم الله ،
 فلِلَّه درّ أقوامٍ اتَّقوا ، و تذكَّروا فأبصَروا ، و بادَروا بالأعمالِ الصالحات 
و شمّروا و ما قصَّروا ، الليلُ روح قلوبهم ، و الصّوم غذاءُ أبدانهم ، 
و الصِّدق عادَة ألسنتِهم ، و الموت نصب أعيُنهم ، بادَروا في الحِذار ، 
و سابَقوا إلى الخيرات بأيدي البِدَار ، 
صابِرون صادقون قانِتون و منفقون و مستغفِرون بالأسحار .
معاشِرَ المسلمين ، الشكرُ عبادة عظيمةٌ و خلُق كريم ، الشكر نِصف الإيمان ، 
و الصَّبر نِصفه الثاني . الشكر من شُعَب الإيمان الجامعة ؛ 
و ذلكم أنَّ كثيرًا من شعَبِ الإيمان مردُّها إلى حقيقةِ الشّكر أو آثارِه أو مظاهِرِه ،
 بل إنَّ الصبرَ و الشكر يتقاسمَان الشعبَ كلَّها ، 
و في التنزيل العزيز :
 (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ <IMG width=14 height=14>
 [إبراهيم:5].
لقد أمَرَ الله بالشّكر و نهى عن ضدِّه : 
(( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ <IMG width=14 height=14> 
[البقرة:152]، 
و أثنى علَى أهلِه ، و وصَفَ به خواصَّ خلقه ، و جعَلَه غايةَ خلقِه و أمرِه ،
 و وعَد أهلَه بأحسن جزائِه ، و جعله سببًا للمزيدِ من فضلِه و حَارسًا و حافظًا لنعمَتِه ،
 و أخبر أنّ أهلَه هم المنتفِعون بآياته ، بل أخبر أنّ أهلَه هم القليلون مِن عبادِه ،
 و اشتقَّ له اسمًا مِن أسمائه فسمّى نفسه شاكِرًا و شكورًا ، 
بل تفضَّل سبحانه و أنعَم فسمَّى الشاكرين مِن خلقه بهذين الاسمَين ،
 فأعطاهم مِن وصفه و سمّاهم باسمه ، 
و حَسبُك بهذا محبّةً للشاكرين و فَضلاً و منزلة .
أيّها المسلمون، و حقيقةُ الشكر الاعترافُ بالإحسان و الفضلِ و النّعَم و ذِكرُها 
و التحدُّث بها و صَرفها فيما يحبّ ربُّها و يرضَى واهبها . شُكرُ العبد لربِّه 
بظهورِ أثَر نعمتِه عليه ، فتظهَر في القلب إيمانًا و اعترافًا و إِقرارًا ، 
و تظهَر في اللسان حمدًا و ثناء و تمجيدًا و تحدّثًا ، 
و تظهَر في الجوارح عبادةً و طاعة و استعمالاً في مَراضي الله و مُباحاتِه .
عِباد الله ، إذا ما امتَلأ القلبُ شُكرًا و اعتِرافًا و رَصدًا للنّعَم ظهر ذلك نطقًا 
و لهجًا بذكر المحامِد ، و عليكم أن تتأمَّلوا كم جاءَ في السنة من أذكارِ الشكر 
و الحمد و الثناءِ على الله ربِّ العالمين في أحوالِ العبدِ كلِّها ؛ يَقظَةً و مَناما ،
 و أكلاً و شُربًا و لبسًا ، و دخولاً و خروجًا و ركوبًا ، و حَضرًا و سَفرًا ، 
بل في أحوال العبد كلِّها أفعالاً و أقوالاً .
استعرِضوا على سبيلِ المثالِ : 
أوّلَ ما يستيقِظُ العبدُ من منامِه يبادر بهذا الذّكر الجميل الرقيق 
معلِنًا الاعترافَ بالفضل و النّعمة و الشّكر للمنعِم المتفضّل قائلاً : 
الحمد لله الذي عافاني في جسدِي و ردَّ عليَّ روحي و أذِن لي بذكرِه ، 
و يقول : اللّهمّ ما أصبح بي من نِعمة أو بأحدٍ مِن خلقك فمنك وحدَك لا شريكَ لك 
فلَك الحمد و لك الشكر ، في أذكارٍ رقيقة إيمانية كثيرةٍ من أذكار الصباح و المساء ،
 يختِمها إذا أوى إلى فراشه بقوله : 
الحمدُ لله الذي أطعَمَنا و سَقانا و كَفانا و آوانا ، فكم من لا كافي له و مؤوِي ،
 سبحانك ربَّنا لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيتَ على نفسِك ، 
نسألك أن تعينَنا على ذكرِك و شكرِك و حسن عبادتك .
معاشِرَ الأحبَّة ، تُعرَف النّعَم بدَوامها ، و تعرَف بزوالها ، و تُعرف بمقارَنَتها بنظيراتها ،
 و تعرَف بمزيدِ التفكّر فيها ، كما تعرَف بتوافرِها و عظيمِ الانتفاع بها ،
 ولكن مَع الأسف كلِّ الأسف أنَّ الغفلةَ عن هذه النّعَم بل عن المنعِمِ بها
 سِمَة أكثرِ البشَر، وقَليلٌ من عبادِ الله الشاكرون.
إنَّ نِعَم الله تحيطُ بالعبادِ مِن كلِّ جانب و من كلّ جِهة ؛ 
مِن فوقهم و من تحتِ أرجلِهم و عن أيمانهم و عَن شمائِلهم ، 
و كثرتُها و مظاهِر آثارِها لا تقَع تحت حَصرٍ ؛ 
في البرّ و البحر و الأرض و السّماء و النّفس و الناس ، 
(( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ <IMG width=14 height=14> 
[الأعراف:10]،
 <IMG width=14 height=14> قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ
 قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ <IMG width=14 height=14>
 [الملك:23]،
 <IMG width=14 height=14>وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا
 وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ <IMG width=14 height=14>
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانًا 
وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ 
كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ
 <IMG width=14 height=14>فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ <IMG width=14 height=14>
يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ <IMG width=14 height=14> 
[النحل:80-83].
عبادَ الله ، و أهلُ هذا الزمان أحدَث الله لهم من النّعَم و زاد لهم في الفضل 
و كاثر عليهم من الخيراتِ ما لم يكن في السابِقين من أسلافهم ، 
جُمِعت لهم النّعَمُ السابقة و النّعَم الحاضِرة ، و ما تأتي به المكتَشفات
 و المختَرعات و العلوم و المعارِف أعظمُ و أكبر في شؤون دنياهم كلِّها ؛
 فتحٌ في العلومِ و المعارف و الآلاتِ و الأدوات ، تحسَّن بها أسبابُ المعاش ،
 و مع كلِّ هذا لا تجِد أكثرَهم شاكرين ، فَرِحين بما عِندهم من العِلم .
مَعاشر الأحبَّة ، يجدُر بالعبد أن ينظُر و يتفكَّر في أسباب التَّقصير في الشّكرِ
 و الدّخول في دائرةِ كُفران النّعَم و الغفلةِ عنها و عدَم الإحساس بها 
و استحضارِ و جودها و النّظر في أثرِها ، فكثيرٌ مِنَ النّعَم لا يعرِفها الإنسان 
إلاّ حين يفقِدها كالمصباح لا تعرِف فَضلَه إلاَّ حين ينطفِئ ؛ 
و مِن أجلِ هذا فإنَّ رصدَ النّعَم و بذلَ الجُهد في تعدَادها 
و الإحاطة بما يمكِن الإحاطةُ به منها ممّا يبعِد عن الغفلةِ و النكران ،
فيَعتَبِر بما عَرَف و أحصَى ؛ ليكتَشِف كثرَتَها و العَجزَ عن الإحاطةِ بها و إحصائِها ، 
و ربُّنا سبحانه عدَّد علينا جملةً من نِعَمه في موضعين من كتابه ثمّ قال : 
(( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا <IMG style="WIDTH: 14px; HEIGHT: 14px" width=14 height=14> 
[إبراهيم:34، النحل:18]،
 ممّا ينبِّه أنَّ علينا أن نبذُلَ ما نستطيع لتذكُّرِ نعمةِ ربّنا ؛ 
لعلَّنا نقوم بما نقدر عليه من الشّكر و البُعد عن الغفلةِ و النّكرانِ .
و انظروا ـ رَحمكم الله ـ في بعضِ التأمُّلات ، فلو تأمَّل العبدُ في نعمةِ الإيمان و آثارِه
 لانتقَل إلى الأمنِ و السّكينة و البركَةِ و الرّاحة و الرِّضا و الصّلاح ، 
و لو تأمَّل في نعمةِ الصّحة و تشعُّبها و آثارها لانتقل إلى نِعمٍ لا حصرَ لها 
من سلامةِ الجوارح و العقلِ و القوَى و الحركة و المشي و العمَل و الأكل و الشرب 
و النّومِ  والتعلُّم ، و لو كان سقيمًا لتكدَّر عليه ذلك كلُّه و أكثر منه .
و مِن أسباب الغفلةِ عن الشكر نِسبةُ النّعمة إلى غيرِ مُورِدها و المنعِمِ بها ،
 فتَرَاه ينسِبها إلى نفسه :
 (( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي <IMG width=14 height=14>  
[القصص:78] 
و بسبب جِدِّي و اجتهادِي و كفاءَتي و صبرِي و كِفاحِي ، 
أو ينسِبها إلى أسبابِها و ينسَى مسبِّبَها و ربَّها ، 
( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ <IMG width=14 height=14> 
[النحل:53]. 
غَفَلوا فضَلّوا ، و ظنّوا أنَّ العلومَ و المهارات و الآلاتِ هي الموجِدة و المحدِثة ؛ 
ممّا أدَّى إلى قسوةٍ و غفلة ، بل أدَّى إلى نُشوبِ صراعاتٍ و حروب . 
غاب عن الغافِلين أنهم و ما يملِكون و ما يعلَمون و ما يعمَلون كلُّهم لله 
و مِنَ الله و بالله وحدَه لا شريكَ له ، لا يملِكون ضرًّا و لا نفعًا ، 
و لا يملكون موتًا و لا حياةً و لا نشورًا ،
 <IMG width=14 height=14>قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ <IMG width=14 height=14> 
[الملك:30]،
 (( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ <IMG width=14 height=14> 
[القصص:77].
 و الأسبابُ لا يُنكَر أثرُها و لا الأخذُ بها ، 
و لكنّ المنكورَ الغفلةُ عن ربِّ الأرباب و مسبِّب الأسبابِ لا إلهَ إلا هو .
يا عبادَ الله ، و مما يضعِف الشكرَ و يورِث القسوةَ و الغفلة و الجفاءَ 
أن يُبتلَى العبدُ بالنظر إلى ما عند غَيره و ينسَى ما عندَه أو يحتَقِرُ ما عنده و يتقالُّه ،
 (( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ <IMG width=14 height=14> 
[النساء:32]، 
و في الحديث :
 (( انظُروا إلى من هو أسفَل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فَوقَكم؛
 فهو أجدَر أن لا تزدَروا نعمةَ الله عليكم )) . 
فحقٌّ على العبدِ أن يشتغلَ و ينصرف إلى ما أعطاه الله ، 
بل إلى مَا ابتلاه الله به منَ النّعَم و الفَضل ،
 (( هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ <IMG width=14 height=14> 
[النمل:40]،
 <IMG width=14 height=14> ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ <IMG width=14 height=14> 
[التكاثر:8]،
 <IMG width=14 height=14> لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ <IMG width=14 height=14>
 [المائدة:48].
ألا فاتَّقوا الله رحمكم الله ، و اختبروا أنفسَكم ، و استبشروا و اعملوا و اشكروا 
و افعَلوا الخيرَ وأَرُو الله من أنفسِكم خيرًا .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،
 (( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً 
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ
 لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ <IMG width=14 height=14>
وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ <IMG width=14 height=14>
وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا 
إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ <IMG width=14 height=14> 
[إبراهيم:32-34].