من تفسير الدكتور راتبالنابلسي (7)
                                                          يا رب كيف أشكرك ؟ قال الله عز وجل ، تذكرني ولا                    تنساني ،
                     إنك                    إذا ذكرتني شكرتني ، وإذا ما نسيتني كفرتني                    .
                                                          { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ                    ذِكْرًا كَثِيرًا*
                    وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا                    }
                    ( سورة الأحزاب : 41 ـ 42  )
                                        اذكروه                    ذكراً كثيرا ، إنك إذا ذكرته شكرته ، وإذا ما نسيته كفرته                    ،
                     علامة                    الشكر أن تكثر ذكره ، وأن تعرف أن هذه النعمة من عنده                    .
                     فكلمة                    الحمد فقط وحدها تعني أنك محاط بنعم لا حدود لها ، لا تنتهي ،                    
                                                                                                                                      { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى                    عَبْدِهِِ }
                                        أما                    كلمة لله ، فهذه النعم ، التي أنت فيها ، يجب أن تشكر الله عليها                    ،
                     لأن                    الله هو مصدرها ، وهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر ، فالمؤمن                    
                    يعرف أن النعم من عند الله ، وغير المؤمن ينسبها إلى                    غير الله ، 
                                       لقد بلغ رجل أعلى المراتب ، وحصل على أعلى الشهادات ،                    واحتل أرفع 
                    المناصب ، وكل شيء يجده على ما يرام ، وفجأةً يفقد                    بصره ، ويقول 
                    لصديقه : أتمنى أن أجلس على الرصيف ، وأتسول ، وأن                    يرد الله
                     لي                    بصري فيجيبه : يوم تمتعت بنعمة البصر هل عرفت أن هذه النعمة                    
                    من الله عز وجل ؟ جعلك ترى الأشياء التي تحبها ، وترى                    الألوان ، ونعمة 
                    السمع ينبغي أن نعرفها قبل أن نفقدها . ومن علامة                    التوفيق أن ترى 
                    النعمة بوجودها لا بفقدها ، لكن الناس جميعاً إذا                    فقدوا بعض النعم 
                    تحسسوا لها ، وعندئذٍ عرفوا قيمتها ، ولكن البطولة أن                    تعرف النعمة 
                    وأنت مستمتع بها ، وأن تقول اللهم متعنا بأسماعنا ،                    وأبصارنا ،
                     و                    قوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا .
                                        فهذا                    ينسحب أيضاً على سورة الفاتحة تقول في كل صلاة ، وفي كل ركعة                    
                    : الحمد لله رب العالمين .فلو أن قناة العين الدمعية                    ، وهي أدق قناة
                     في                    الإنسان ، أغلقت لاضطررت أن تمسك منديلاً تمسح الدمع الذي                    
                    يفيض على خديك طوال النهار ، ولأثَّر هذا الدمع على                    صفحة الوجه ، 
                    وترك بعض أنواع الالتهاب .
                                       لو أن للإنسان أذناً واحدة لما عرف جهة الصوت ، ولكن                    الصوت إذا 
                    جاءك من خلفك فهناك جهاز في الدماغ يقيس تفاضل وصول                    الصوتين 
                    إلى الأذنين ، والتفاضل واحد على ألف وستمئة وخمسين                    جزءًا من الثانية 
                    ، فتعرف أنت من خلال الأذنين أن جهة الصوت من اليمين                    ، فإذا كان بوق 
                    السيارة من اليمين ، فتتجه نحو اليسار . ولو أن                    للإنسان عيناً واحدة لما 
                    عرف البعد الثالث ، فبالعين الواحدة يرى الطول والعرض                    ، وبالعينين 
                    يرى الطول والعرض والبعد الثالث ، ولو أن في الشعر                    أعصاباً حسية لما 
                    أمكننا أن نحلق رؤوسنا ، ما هذه الحكمة البالغة ؟ إن                    الأظافر ، والشعر 
                    ليس فيهما أعصاب حسية .وجهاز التوازن الذي منحك الله                    إياه لولاه
                     لا                    تستطيع أن تسير على قدمين .
                                                          { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ                    تَقْوِيمٍ }
                                                          { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ*فِي أَيِّ                    صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }