هل عطل الفاروق الحدود في عام الرمادة ؟
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو يخطب
على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر رجم الزاني
المحصن قال :
( وإني أخاف إن طال بالناس زمان أن يقولوا : لا نجد الرجم في
كتاب الله ؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل )
فبين أن هذا فريضة ، ولا شك أنه فريضة ، لأن الله أمر به فقال :
( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) المائدة/38 ،
وقال : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ
وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) النور/2 ،
وقال : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ
مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا )
المائدة/33 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،
وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .
ولا يجوز أن تعطل هذه الحدود بأي حال من الأحوال ، وما روي
عن عمر رضي الله عنه أنه أسقط الحد عام المجاعة فإن هذا
صحة النقل ، فإننا نطالب من ادعى ذلك بصحة النقل إلى
أن عمر رضي الله عنه إنما رفع الحد من أجل الشبهة القائمة ،
فإن الناس في مجاعة ، والإنسان قد يأخذ الشيء للضرورة إليه
لا لتشبعٍ به ، ومعلوم أن المضطر إلى الطعام يجب على
المسلمين إطعامه ؛ فخشي عمر رضي الله عنه أن يكون هذا
السارق مضطراً إلى الطعام ومُنع منه ، فتحين الفرصة فسرق ،
هذا هو اللائق بعمر رضي الله عنه إن صح الأثر المنسوب إليه
في أنه أسقط أو رفع الحد : حد السارق عام المجاعة .
أما حكامنا اليوم فلا يوثق بدينهم ، يعني أكثرهم لا يوثق بدينه ،
ولا يوثق بنصحه للأمة ، ولو فتح الباب لقال هؤلاء الحكام –
وأعني بذلك بعضهم – لقالوا : إقامة الحد في هذا العصر
لا يناسب ؛ لأن أعداءنا من الكفار يتهموننا بأننا همج ، وأننا
وحوش ، وأننا نخالف ما يجب من مراعاة حقوق الإنسان ؛
ثم يرفع الحدود كلياً كما هو الواقع الآن في أكثر بلاد المسلمين
مع الأسف ؛ حيث عطلت الحدود من أجل مراعاة أعداء الله .
ولهذا لما عطلت الحدود كثرت الجرائم وصار الناس – حتى
الحكام الذين تابعوا الكفار في هذا الأمر – في حيرة ماذا يفعلون
في هذه الجرائم ” انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين