الخشوع وحلاوة الإيمان
 1- قيام الليل
سلوى المغربي
 دنى الرحيل وشارف الشهر على الانتهاء , 
ما أصعب تلك اللحظات التي يشعر فيها المرء بقرب رحيل من أحب , 
 بل من كان بابا للخير عليه وسببا – إن أحسن استغلاله - في دخوله الجنة والعتق من النار ,
 قرب الرحيل وإذ بالقلوب تنفطر حزنا على ضياع أي فرصة لم تستغلها
 لتقربنا من الجنة وتباعدنا عن النار ,
  فمازالت الجوارح بعد تستعد لتنقية النفوس من المعاصي والآثام التي صبغتها بالران .
 
ولكن مازالت الفرصة سانحة لنيل النفحات في العشر الأهم من رمضان
 التي يمنحها الله عز وجل للعبد المؤمن المحب لربه 
والذي يخشى عقابه من تتابع الذنب تلو الذنب . 
 فمازالت الدعوة متاحة للجميع فعلينا أن نسعى جاهدين
 في تلك الأيام إلى الوصول لدرجة الإيمان العالية , 
  ولنستعين في ذلك بعد الله بالصحبة الصالحة التي تشد من أزرنا وتزيد من همتنا 
 وتسمو بأخلاقنا وتصل بقلبنا إلى التمتع بلذة العبادة , 
وياله من شعور لا يضاهيه أي شعور آخر من ملذات الدنيا .
  إنه شعور ممزوج براحة النّفس، مع سعادة القلب وانشراح الصدر
 وشدة الارتياح أثناء العبادة ,
 والتمنى بأن يقبض الله روح العبد الخاضع المتذلل له وحده 
وهو على هذه الحالة الإيمانية الرائعة التي لا يشعر بها باستمرار , 
 ويسعى جاهدا لنيلها دائما.
  فتكرار – هذه الحالة - والشعور بها يتفاوت من شخص لآخر , 
بل في الشخص نفسه من حالة إلى حالة نظرا لقوة الإيمان وضعفه .
نصارع الذنوب في الحياة الدنيا كما يصارع الغريق الأمواج الهالكة التي تودي بحياته ,
 فالذنوب في القلب تضعفه وتهلكه ,
 فلا يزال عليلا مضطربا إلى أن يجد ضالته المنشودة التي تنقذه من عثرته , 
 وتخرجه من ظلمة المعاصي إلى نور الطاعة وحياة القلوب العامرة بذكر الله ,
 قال تعالى : " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس
 كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها "الأنعام:122
 
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : 
هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف والمنكر .
 فالقلب الصحيح كما جاء في شرح العقيدة الطحاوية :
" يؤثر النافع على الضار المؤذي ,
 والقلب المريض: ضد ذلك , وأنفع الأغذية غذاء الإيمان , 
وأنفع الأدوية دواء القرآن، 
 وكل منهما فيه الغذاء والدواء , 
ومن علامات القلب الحي: أنه يشتاق إلى الذكر كما يشتاق إلى الطعام والشراب,
 وأنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه غمه وهمه ،
 واشتد عليه الخروج منها , 
 وأن يكون همه واحدا، وأن يكون في الله ,
 ويكون أشح بوقته أن يضيع, 
  ومن علاماته أيضا : أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل ،
 فيحرص على الإخلاص والنصيحة والمتابعة والإحسان ،
 هذه المشاهد لا يشهدها إلا القلب السليم ".
  سئل بلال رضي الله عنه عن سبب صبره على الإيمان مع شدة تعذيبه 
وطرحه في رمضاء مكة الحارة فقال قولته المشهورة :
 مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان .
مواطن يمتلأ فيها القلب بحلاوة الإيمان :
 
قيام الليل :
 -من أراد تذوق حلاوة الإيمان عليه أن يجاهد نفسه 
ويصبر على الطاعة والمداومة على العبادة ,
 فمن ذاق عرف , فتلمسها في ركعات في جوف الليل وحيدا 
بعيدا عن الدنيا وهموها ومشاغلها ومتاعها الزائل الفاني ,
  ويجدها في سجدة بين يدي الله يتضرع فيها إلى مولاه داعيا 
راجيا أن يغفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر , سره وعلانيته , 
 قال تعالى :" أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه "
 يكابد الليل والشيطان الذي يسعى دائما أن ينتزع من روحه الهمم
 والمداومة للوصول إلى شرف المؤمن وعزه في الدنيا والآخرة , 
 ففيه دواء القلوب والأبدان , وتلبية لأمر الرحمن , 
وشرف للمؤمن , ورفعة  للدرجات , وتكفيرا للسيئات ,
 كما أنه يورث في القلب الذل لله والتواضع .
 
روى  الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
" أتاني جبريل فقال : يا محمد ،  عش ما شئت فإنك ميت ،
 وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي  به ،
 واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) . 
رواه  الطبراني وصححه الألباني
 http://up.hawahome.com/uploads/13752637952.jpg 
http://up.hawahome.com/uploads/13752637953.gif
حال السلف الصالح مع قيام الليل :
 وصف العلامة ابن عبد الهادي قيام شيخ الإسلام ابن تيمية :
 " وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه ،
 ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن ، 
مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية ،
 وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة " .
 يقول ثابت البناني : كابدت الصلاة عشرين سنة واستمتعت بها عشرين سنة , 
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله 
" لأهل الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم 
ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا " , 
وقال الأوزاعي رحمه الله : 
" من أطال قيام الليل هوّن الله عليه وقوف يوم القيامة " 
 في ظلمة الليل أناس نائمون ** ضموا الغطاء وهم بدفء ينعمون
في أجمل الأحلام هم يتلذذون ** ظنوا بهــذا أنهم يستمتعون
 لكنهم هم يحرمون يحرمون ** من لذة الركعات في جوف السكون
 عن خلوة قدسية هم نائمون ** عن موكب العبّاد هم يتخلفون
 جربتها وعرفتها من ذاقها ** عرف السعادة ما تكون
فسر في طريق الرضوان والسعي لنيل أسباب السعادة في الدارين 
فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده المخلصين .
نقلته لروعته
هيفولا