قَوْلُهُ : ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ )
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالُوا : إِذَا اسْتَكْمَلَ الْغُلَامُ ، أَوْ الْجَارِيَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كَانَ بَالِغًا
وبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَغَيْرُهُمَا
وإِذَا احْتَلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ هَذَا الْمَبْلَغَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ
يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ ، وكَذَلِكَ إِذَا حَاضَتِ الْجَارِيَةُ بَعْدَ تِسْعٍ ، وَلَا حَيْضَ
وَلَا احْتِلَامَ قَبْلَ بُلُوغِ التِّسْعِ . انْتَهَى
وقَالَ فِي الْهِدَايَةِ : بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ إِذَا وَطِئَ
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً : وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ
وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً
وهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وقَالَ : إِذَا تَمَّ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَقَدْ بَلَغَا
وهُوَ رِوَايَةٌ عَنْأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ . انْتَهَى .
قُلْتُ : مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْغُلَامَ ، أَوْ الْجَارِيَةَ إِذَا اسْتَكْمَلَ
خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كَانَ بَالِغًا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ الْبَابِ
قَوْلُهُ : (فَالْإِنْبَاتُ يَعْنِي : الْعَانَةَ )
يُرِيدُ إِنْبَاتَ شَعْرِ الْعَانَةِ ، وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ :
فَكَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزَرِ الْمُرَاهِقِينَ فَمَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ قُتِلَ ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ
جُعِلَ فِي الذَّرَارِيِّ ، وفِي الْإِنْبَاتِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي النَّيْلِ
وقَدِ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْبَاتَ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِنْبَاتَ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ
، وتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَتْلَ مَنْ أَنْبَتَ لَيْسَ لِأَجْلِ التَّكْلِيفِ ، بَلْ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ لِكَوْنِهِ
مَظِنَّةً لِلضَّرَرِ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَنَحْوِهَا ، ورُدَّ هَذَا التَّعَقُّبُ بِأَنَّ الْقَتْلَ لِمَنْ كَانَ
كَذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا لِأَجْلِ الْكُفْرِ ، لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ لِحَدِيثِ
أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَطَلَبُ الْإِيمَانِ وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْهُ فَرْعُ التَّكْلِيفِ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْزُو إِلَى الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ كَتَبُوكَ
وَيَأَمْرُ بِغَزْوِ أَهْلِ الْأَقْطَارِ النَّائِيَةِ مَعَ كَوْنِ الضَّرَرِ مِمَّنْ كَانَ كَذَلِكَ مَأْمُونًا
وَكَوْنُ قِتَالِ الْكُفَّارِ لِكُفْرِهِمْ هُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
وذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ قِتَالَهُمْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ
وَالْقَوْلُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ هُوَ مَنْشَأُ ذَلِكَ التَّعَقُّبِ
ومِنَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ حَفِيدُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي :
مُصَنِّفَ الْمُنْتَقَى ، ولَهُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ . انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ.