الحمد لله ، وسعت رحمته كل شيء و عمَّت ، و توالت نعمه على عباده و تمت . 
أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه وأستغفره ، لهجت بذكره النفوس المؤمنة فأطمأنت ، 
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، 
و أشهد أن سيدنا محمداً عبده و رسوله ، قام بواجب الذكر و الشكر ، 
و جاهد في سبيل الدعوة حتى أرتفعت راية الملة و أستتمت . 
صلى الله و بارك عليه و على آله و صحبه ، ما تعاقب الليل و النهار، 
و أزدهرت النجوم و أستكنت ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمّا بعد : 
فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عزّ و جلّ ، فاتَّقوا الله رحمكم الله ،
 فلِلَّه درّ أقوامٍ أتَّقوا ، و تذكَّروا فأبصَروا ، 
و بادَروا بالأعمالِ الصالحات و شمّروا و ما قصَّروا ،
 الليلُ روح قلوبهم ، و الصّوم غذاءُ أبدانهم ، و الصِّدق عادَة ألسنتِهم ، 
و الموت نصب أعيُنهم ، بادَروا في الحِذار ، و سابَقوا إلى الخيرات بأيدي البِدَار ،
 صابِرون صادقون قانِتون و منفقون و مستغفِرون بالأسحار .
أيها الناس :
إن قلوب البشر كغيرها من الكائنات الحية ، التي لا غنى لها عن أي مادة من المواد
 التي بها قوام الحياة و النماء ، و يتفق العقلاء جميعا ، أن القلوب قد تصدأ كما يصدأ الحديد ،
 و أنها تظمأ كما يظمأ الزرع ، و تجف كما يجف الضرع ؛ 
و لذا ، فهي تحتاج إلى تجلية و ري ، يزيلان عنها الأصداء و الظمأ ،
 و المرء في هذه الحياة ، محاط بالأعداء من كل جانب ؛ نفسه الأمارة بالسوء ، 
تورده موارد الهلكة ، و كذا هواه و شيطانه ، 
فهو بحاجة ماسة ، إلى ما يحرزه و يؤمنه ، و يسكن مخاوفه ، و يطمئن قلبه .
و إن من أكثر ما يزيل تلك الأدواء ، و يحرز من الأعداء ، 
ذكر الله و الإكثار منه لخالقها و معبودها ؛ فهو جلاء القلوب و دواؤها .
عباد الله :
العلاقة بين العبد و بين ربه  ليست محصورة في ساعة مناجاة في الصباح ،
 أو في المساء فحسب ، ثم ينطلق المرء بعدها ، في أرجاء الدنيا غافلا لاهيا ، 
يفعل ما يريد دون قيد أو شرط ؛ العلاقة الحقة ، أن يذكر المرء ربه حيثما كان ، 
و أن يكون هذا الذكر مقيدا مسالكه بالأوامر و النواهي ، و مبشراً الإنسان بضعفه البشري ،
 و معينا له على اللجوء إلى خالقه في كل ما يعتريه .
لقد حث الدين الحنيف ، على أن يتصل المسلم بربه ، 
ليحيا ضميره ، و تزكوا نفسه ، و يطهر قلبه ، و يستمد منه العون و التوفيق ؛
 و لأجل هذا ، جاء في محكم التنزيل و السنة النبوية المطهرة ، 
ما يدعوا إلى الإكثار من ذكر الله عز و جل على كل حال ؛ 
فقال عز و جل : 
(( يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً * وسبحوه بكرة وأصيلاً ))
[ سورة الأحزاب:41-42 ] .
و قال جلَّ من قائل سبحانه
)) والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا ًعظيماً (( 
[ سورة الأحزاب:35 ] . 
و قال جل شأنه :
  ( )واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ((
[ سورة الأنفال :45 ] .
 و قال تعالى :
   ( )فاذكروني أذكركم ((
[سورة البقرة:152]. 
و قال سبحانه :
 ( )ولذكر الله أكبر ((
[ سورة العنكبوت :45 ] .
و قال صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم : 
((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان :
 سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ))
 متفق عليه .
و قال صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم :
 (( ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم 
و خير لكم من إعطاء الذهب و الورق ، 
و خير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ 
قالوا : و ذلك ما هو يا رسول الله ، قال : ذكر الله عز و جل )) 
رواه أحمد .
و قال صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم :
 ((من قال : سبحان الله و بحمده غرست له نخلة في الجنة ))
 رواه الترمذي و حسنه الحاكم و صححه .
عباد الله :
ذكر الله تعالى ، منزلة من منازل هذه الدار ، يتزود منها الأتقياء ، و يتجرون فيها ،
 و إليها دائما يترددون ، الذكر قوت القلوب الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا ،
 و عمارة الديار التي إذا تعطلت عنه صارت دورا بورا .
بالذكر أيها المسلمون ، تُستدفع الآفات ، و تستكشف الكربات ، 
و تهون به على المصاب الملمات ، زين الله به ألسنة الذاكرين ، 
كما زين بالنور أبصار الناظرين .
فاللسان الغافل ، كالعين العمياء ، و الأذن الصماء . 
الذاكر الله ، لا تدنيه مشاعر الرغبة و الرهبة من غير الله ، و لا تقلقه أعداد القلة و الكثرة ،
 و تستوي عنده الخلوة و الجلوة ، و لا تستخفه مآرب الحياة و دروبها .
ذكر الله عز و جل ، باب مفتوح بين العبد و بين ربه ، ما لم يغلقه العبد بغفلته .
قال الحسن البصري يرحمه الله : 
تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة ، و في الذكر ، و قراءة القرآن ، 
فإن وجدتم ، و إلا فأعلموا أن الباب مغلق .
إن الذنوب كبائرها و صغائرها لا يمكن أن يرتكبها بنو آدم ،
 إلا في حال الغفلة و النسيان لذكر الله عز و جل ؛ لأن ذكر الله تعالى ، 
سبب للحياة الكاملة التي يتعذر معها أن يرمي صاحبها بنفسه في الجحيم ، 
أو غضب و سخط الرب العظيم ، و على الضد من ذلك ، التارك للذكر ، و الناسي له ، 
فهو ميت ، لا يبالي الشيطان أن يلقيه في أي مهلكة شاء .
قال الحق سبحانه و تعالى : 
(( ومن يعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين ))
[ سورة الزخرف:36 ] . 
(( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى ))
[ سورة طه :124 ] .
كان رجل رديف النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم : على دابة ، 
فعثرت الدابة بهما ، فقال الرجل: تعس الشيطان ؛ 
فقال له النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم : 
(( لا تقل : تعس الشيطان ؛ فإنه عند ذلك يتعاظم حتى يكون مثل البيت ، 
و لكن قل : بسم الله . فإنه يصغر عند ذلك حتى يكون مثل الذباب ))
 رواه أحمد وأبو داود و هو صحيح .
و حكى ابن القيم يرحمه الله عن بعض السلف ، أنهم قالوا : 
إذا تمكن الذكر من القلب ، فإن دنا منه الشيطان صرعه الإنسي ، 
كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان ، فيجتمع عليه الشياطين ، 
فيقولون : ما لهذا ؟ فيقال : قد مسه الإنسي .
الإكثار من ذكر الله ، براءة من النفاق ، و فكاك من أسر الهوى ، 
و جسر يصل به العبد إلى مرضاة ربه ، و ما أعده له من النعيم المقيم ، 
بل هو سلاح من أسلحة الحروب الحسية التي لا تثلم ، 
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم : في فتح القسطنطينية : 
(( فإذا جاءها نزلوا ، فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم ، 
قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ؛ فيسقط أحد جانبيها ، 
ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ، 
ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا .. الحديث ))
 رواه مسلم في صحيحه .
أيها الناس :
ذكر الله تعالى أشرف ما يخطر بالبال ، و أطهر ما تنطق به الشفتان ، 
و أسمى ما يتألق به العقل المسلم الواعي ، و الناس بعامة قد يقلقون في حياتهم 
أو يشعرون بالعجز أمام ضوائق أحاطت بهم من كل جانب ، 
و هم أضعف من أن يرفعوها إذا نزلت ، أو يدفعوها  إذا أوشكت ، 
و مع ذلك فإن ذكر الله عز و جل ، يحيي في نفوسهم استشعار عظمة الله ،
 وأنه على كل شيء قدير ، و أن شيئا لن يفلت من قهره و قوته ،
 و أنه يكشف ما بالمعنى إذا ألم به العناء ، حينها يشعر الذاكر بالسعادة 
و بالطمأنينة يغمران قلبه و جوارحه 
(( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ))
[ سورة الرعد:28 ] .
أيها المسلم :
لا تخش غما ، و لا تشك هما ، و لا يصبك قلق ، ما دام قرينك هو ذكر الله . 
يقول جل و علا في الحديث القدسي : 
(( أنا عند ظن عبدي بي ، و أنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، 
و إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم )) 
رواه البخاري و مسلم .
و اشتكى علي و فاطمة رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم :
 ، ما تواجهه من الطحن و العمل المجهد ، فسألته خادما ، 
فقال رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم : 
(( ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم ، إذا أويتما إلى فراشكما ، 
فسبحا الله ثلاثا و ثلاثين ، 
و احمداه ثلاثا و ثلاثين . 
و كبراه أربعا و ثلاثين ؛
 فتلك مائة على اللسان و ألف في الميزان )) .
فقال علي بن أبى طالب ( رضي الله عنه ) : ما تركتها بعد ما سمعتها
 من النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ،
 فقال رجل : و لا ليلة صفين ؟  قال : و لا ليلة صفين .
عباد الله :
لو كلف كل واحد منا نفسه ، في أن يحرك جفنيه ، ليرى يمنة و يسرة ، مشاهد متكررة ،
 من صرعى الغفلة و قلة الذكر ، أفلا ينظر إلى ظلمة البيوتات الخاوية من ذكر الله تعالى ،
 أولا ينظر إلى المرضى المنكسرين ، أوكلهم الله إلى أنفسهم لما نسوه ، 
فلم يجبروا عظما كسره الله ، و أزدادوا مرضا إلى مرضهم ، 
أولا ينظر إلى المسحورين و المسحورات ، 
و قد تسللت إليهم أيدي السحرة والمشعوذين ، والدجاجلة الأفاكين ، 
فانتشلوا منهم الهناء والصفاء ، و اقتلعوا أطناب الحياة الهادئة ، 
فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم .
أو لا يتفكر الواحد منكم في أولئك المبتلين بمس الجان و مردة الشياطين يتوجعون ، 
و يتقلبون تقلب الأسير على الرمضاء ، تتخبطهم الشياطين من المس فلا يقر لهم قرار ، 
و لا يهدأ لهم بال ، أرأيتم عباد الله ، لو كلف كل واحد منكم نفسه بهذا ، 
أفلا يُسائل نفسه أين هؤلاء البؤساء من ذكر الله عز وجل ؟ ! 
أين هم جميعا من تلك الحصون المكينة ، و الحروز الأمينة ، 
التي تعتقهم من عبودية الغفلة و الأمراض الفتاكة ؟ ! !
 أما علم هؤلاء جميعا ، أن لدخول المنزل ذكرا و للخروج منه ؟ !
 أما علموا أن للنوم ذكرا و للاستيقاظ  منه ؟! 
أو ما علموا أن للصباح من كل يوم ذكرا ، و للمساء منه ؟ ! 
بل حتى في مواقعة الزوج أهله ، بل و في دخول الخلاء  – أعزكم الله – و الخروج منه ؟
 بل و في كل شيء ذكر لنا منه الرسول صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم :
 أمراً ، علمه من علمه و جهله من جهله .
و الواقع أيها الناس ، أنه إنما خذل من خذل من أمثال هؤلاء الغافلين ، 
لأنهم على عجزهم و ضعفهم ، ظنوا أنفسهم شيئا مستقلا ، 
لا سباق لهم في ميدان ذكر الله ، بينما نجد آخرين عمالقة في قوتهم ، 
و هم من ذلك ، يرون أنفسهم صفرا من دون ذكر الله تعالى ، 
فكانت النتيجة أن طرح الله البركة على من ذكروه ، فنجوا و أفلحوا ، 
و رفع رضوانه و تأييده عمن اعتز بنفسه ، فتركه مكشوف السوءة ظاهر العورة .
و في حضارتنا المعاصرة ، كثر المثقفون ، و شاعت المعارف الذكية ، و مع ذلك كله ، 
فإن اضطراب الأعصاب و أنتشار الكآبة داء عام . ما الأمر وما السبب في ذلك ؟ 
إنه خواء القلوب من ذكر الله ، إنها لا تذكر الله و لا تركن إليه ، 
بل كيف تذكر ، من تتجاهله ؟ ! ! !
إن الحضارة الحديثة ، و الحياة المادية الجافة ، مقطوعة الصلة بالله إلا من رحم الله ،
 و الإنسان مهما قوي فهو ضعيف ، و مهما علم فعلمه قاصر و حاجته إلى ربه 
أشد من حاجته إلى الماء و الهواء ، و ذكر الله في النوازل عزاء للمسلم ورجاء 
((الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ))
[ سورة الرعد :28 ] .
 و لو تنبه المسلمون لهذا ، و التزموا الأوراد والأذكار ، لما تجرأ بعد ذلك ساحر ، 
و لا احتار مسحور ، و لا قلبت بركة ، و لا تكدر صفو ، و لا تنغص هناء .
عباد الله :
هناك من الناس من يذكرون الله ، و لكنهم لا يفقهون معنى الذكر ، 
فتصبح قلوبهم بعيدة عن استشعار جلال الله ، و قدره حق قدره ،
و ذكر الله عز و جل ، كلام تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ، 
ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله ، 
غير أن الناس مما ألفوا منه ، و ما جهلوا من معناه ، 
لا يرددونه إلا كما يرددون كلاما تقليديا ، و إلا فهل فكر أحد في كلمة 
التي هي رأس التكبير و عماده ، 
و هي أول ما كلف به الرسول صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم 
حين أمر بالإنذار
 (( يـا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر ))
[ سورة المدثر:1-3 ] .
إنها كلمة عظيمة ، تحيي موات الأرض الهامدة ،
 لصوتها هدير كهدير البحر المتلاطم ، أو هي أشد وقعا .
إنها كلمة ، ينبغي أن تدوي في أذن كل سارق و ناهب ؛ لترتجف يده ، و يهتز كيانه . 
و كذا تدوي ، في أذن كل من يهم بإثم أو معصية ، ليقشعر و يرتدع ،
و ينبغي أن تدوي في أذن كل ظالم معتد متكبر ، ليتذكر إن كان من أهل الذكرى ،
 أن هناك إلها أقوى منه ، و أكبر من حيلته و إستخفافه و مكره ، 
أخذه أقوى من أخذ البشر ومكرهم و خديعتهم ، 
فالله أكبر ، الله أكبر كبيرا .
فاتقوا الله أيها المسلمون ، و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ، 
و اتق الله أيها المسلم الغافل ،
 فإن كنت بعد هذا ، قد أحسست أنك ممن قد فقد قلبه بسبب غفلته ، 
فلا تيأس من وجوده بذكر الله عز و جل ،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 
(( يا أيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله 
ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ))
[ سورة المنافقون:9 ] .