و قد كان السلَفُ يرحمهم الله إذا جاءَ                    رمَضان
                     ترَكوا الحديثَ و تفرَّغوا لقراءةِ القرآنِ                    ،
                     و سيرتُهم إلى وقتٍ قريب                    شاهدةٌ
                     لمن يختِم القرآن في رمضانَ كلَّ يوم أو كلَّ                    ثلاثةِ أيّام و نحو ذَلِك .
                                                                                 بذِكرِ ربِّكم ، و رَطِّبوا ألسِنَتكم                    بتلاوةِ كِتابِه ،
                     فبهِ تزكو النّفوس و تنشرِح الصدور و تعظُم                    الأجور .
                                                                                 الجودُ و الإنفاق مرتَبِط بالقرآن                    ،
                                         فعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنه قال                    :
                                         [ كان النبيّ صلى الله عليه و سلم أجودَ                    الناس ،
                     و كان أجودَ ما يكون في رمضانَ حيث يلقاه                    جبريلُ فيدارسه القرآن ،
                     فلرسولُ الله عليه الصلاة و السلام حين                    يلقَاه جبريلُ
                     أجودُ بالخيرِ من الرّيح المرسلة ]                    .
                                                                                 و ذلك أنَّ رمضانَ شهر يجودُ الله فيه على                    عبادِه بالرحمة و المغفِرة
                     و العِتق من النار و الرِّزق و الفضل ، فمن                    جادَ على عبادِ الله جاد الله عليه                    .
                     و اليومَ و قد جفِّفَت كثيرٌ مِن منابع                    العطاءِ فمَن للفقراءِ
                     و المساكين و اليتامى و الأيامى                    ؟!
                     من لشعوبٍ قهَرَتها الخُطوب و أوهَنَتها                    الحروبُ ،
                     إخوةٌ لكم في الدّين من لهم بعدَ الله إلاَّ                    أنتم ؟!
                     فهل نتَّخِذ من هذا الشهر الكريم تجديدًا                    للبِرِّ و الإحسان ؟!
                     فيا مَن أفاء الله عليه من الموسرينَ ، إنَّ                    الله هو الذي يعطِي و يمنَع و يخفِض و يرفَع ، و هو الذي                    استخلَفَكم فيما رزقَكم لينظرَ كيف تعملون ، و المؤمِنُ في ظِلِّ                    صدقته يومَ القيامة ،
                                         { وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ                    فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ                    }
                                                                                 و لن يُعدَم الموسِر                    محتاجًا يعرِفه بنفسِه أو جهاتٍ موثوقَةٍ تعينُه                    .
                                                                             الصومُ حِكَم و أسرار ، و منها أنّه حِرمان مشروع                    و تأدِيبٌ بالجوع و خُشوع لله و خضوع                    ،
                    يستثير الشَّفَقةَ و يحضُّ على الصّدقة، يكسِر                    الكِبر ، و يعلِّم الصبر ، و يسنُّ خِلالَ البرّ                    ،
                    حتى إذا جاعَ مَن ألِفَ الشِّبَع و حُرِم المترَف                    أسبابَ المُتَع 
                    عرَف الحرمانَ كيف يقع و الجوعَ كيفَ ألمُه إذا                    لذع .
                                                                                 رمَضان شهرُ الفُتوحات و الانتِصارات                    ،
                     و بقدر ما نستبشِر بحلوله بقدرِ ما نعقِد                    الآمالَ
                     أن يبدِّل الله حالَ الأمّة إلى عزٍّ و نصرٍ                    و تمكين ،
                     و أن يردَّها إليهِ ردًّا جميلاً و ها هو                    رمَضانَ يحلّ بِنا و الأمة مثخَنَة بالجراح مثقَلَة بالآلام                    .
                     يحلُّ رمضانُ و مسرَى رسولِ الله عليه أفضل                    الصلاة و أزكى السلام
                     محتَلّ من حُثالةٍ نجِسة قد أصاب رجسُها                    أصقاعَ الأرض .
                     يحُلّ رمضان و المرابِطون في أكنافِ بيت                    المقدِس من المؤمنين
                     يقتَلون و يشرَّدون وتهدَم منازلهم و تجرَف                    أراضيهم وتبَادُ جماعتهم ،
                                         إنَّ أقلَّ حقٍّ لإخوانِكم و ليس بقليلٍ في                    هذا الشهرِ الكريم أن تذكروهم بدعاءٍ صادق                    ،
                     و أن تدعُوا الله لهم في سجودِكم و إخباتكم                    ،
                     و أن تشاطِروهم قضاياهم و تهتمّوا بأحوالهم                    ،
                     و من لم يهتمَّ بأمرِ المسلمين فليس منهم                    ،
                                         { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ                    الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ                    تَنكِيلاً }
                                                                                 إنّ رمضانَ موسمُ الإنابة و التّوبة ، ألم                    يأن للأمّة أن تحقِّق العبوديةَ الصادقة لخالقها                    ،
                     و أن تركنَ لباريها و تستنزِل النصرَ من                    السماء بأسبابه ،
                     و تتوجَّه إلى الله لا إلى سواه                    ؟!
                     إنّ الآمالَ كبيرة ، و الثّقةَ في اللهِ                    تعالى كامِلة ،
                     و هو المستعانُ و عليه البلاغ                    .
                                         أعوذ بالله من الشيطان الرجيم                    :
                                         { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ                    آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ                    الصِّيَامُ
                     كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ                    قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ                    }
                                                                                 بارَك الله لي و لَكم في القرآنِ العظيم                    ،
                     و نفعَنا  الله و إيّاكم بما فيه                    من الآياتِ و الذكر الحكيم ، أقول قولي هذا                    ،
                     و أستغفِر الله تعالى لي و لكم و لسائرِ                    المسلمين من كلِّ ذنب و خطيئةٍ ،
                     فاستغفروه و توبوا إليه ، إنّه هو الغفور                    الرّحِيم .
                                                             الحمد لله جعل الصيام جنة ، و سببًا موصلاً                    إلى الجنة ،
                     أحمده سبحانه و أشكره ؛ هدى إلى خير طريق و                    أقوم سنة .
                     و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له                    ،
                     و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدًا عبده و رسوله                    بعثه إلينا فضلا منه و منة ،
                     اللهم صل و سلم و بارك على عبدك و رسولك                    محمدٍ ،
                     و على آله و أصحابه و التابعين و من تبعهم                    بإحسان إلى يوم الدين .
                                                                                                                         حينَما يستقبِل المسلم موسمًا يرجو                    غنيمَتَه
                     فإنّه يجب عليه ابتداءً تفقُّد نفسِه و                    مراجعةُ عملِه حتى لا يتلبَّس                    بشيءٍ
                     من الحوائِلِ و الموانِعِ التي تحول بينَه و                    بين قبولِ العمَل أو تُلحِق النقصَ فيه                    ؛
                     إذ ما الفائِدة من تشميرٍ مهدورٍ أجرُه ، و                    عمَلٍ يرجَى ثوابه فيلحقُ وِزره                    ؟!
                     و مِن ذلك التّفقُّه في دينِ                    الله
                     و اجتنابُ                    الذنوبِ و المعاصي و محبِطات الأعمال و إعفافُ الجوارح                    ،
                                         و لهذا قال النبيّ صلى الله عليه و سلم  :
                                         ( من لم يدَع قولَ الزورِ و العملَ به و                    الجهلَ
                     فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامه و شرابَه                    )