عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-07-2013, 12:17 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله :



" فنعوذ بالله من عيونٍ شاخصة غير بصيرة ،


و قلوب ناظرةٍ غير خبيرة ".



إخوة الإيمان



و من الحثّ اللّطيف على السفر النافع المفيد قولُ الثعالبي رحمه الله :



" من فضائل السفر أنّ صاحبه يرى من عجائب الأمصار و بدائع الأقطار


و محاسن الآثار ما يزيده علمًا بقدرة الله تعالى , و يدعوه شكرًا على نعمه " .



و هل بلغ الصحابة الأجلاء و السلف الصالح ما بلغوا مِن ذُرى القمَم و قصَب السبق


بين الأمم إلا بالرحلة في طلب الحديث و تحصيل العلوم و المعارف .



أيها المصطافون ، أيها المسافرون



يا مَن عزمتم على جَوْب الأمصار و الأقطار و ركوب الأجواء و البحار


و اقتحام الفيافي و القفار و تحدي الشدائد و الأخطار , تلبّثوا مليًّا ،


و تريّثوا فيما أنتم بسبيله ،


و ليكن في نواياكم أسوتكم و نبيكم صلى الله عليه و سلم ،


حيث ارتحل من مكّة إلى المدينة ، حاملاً النورَ و الضياء و الهدى و الإصلاح ،


و كذلك صحابته الكرامُ في أثره ،


حيث كانوا لنشر رسالتهم الربانية المشرقة أجلَّ السفراء ،


و سار في ركابهم جِلّة العلماء ، فشقّوا الأرضَ شقًّا ، و ذرعوها سفرًا و تسيارًا ،


طلبًا للعلم و الإفادة و الصلاح و السعادة ، و تصعّدًا في مراقي الطّهر و النّبل ،


كلّ ذلك على كثرة المخاوف و شُحّ الموارد و خشونة المراكب و قلّة المؤانس ،


فهلاّ اعتبرنا بهم و شكرنا الباري جلّ في علاه على نعمِه السوابغ .



ألا فاعلموا عباد الله



أن السفر في هذه الآونة ، يختلف عن السفر في قرون مضت ،


فقد مهدت الطرق ، و جرت عليها العربات الآلية بشتى أنواعها المبدعة ،


فهي تسير بهم على الأرض إن شاءوا أو تقلّهم الطائرات السابحة في الهواء إن رغبوا ،


أو تحملهم الفلك المواخر في البحر إن أرادوا ، كما أن الأزمنة قد تقاصرت ،


فما كان يتم في شهور بشق الأنفس ، أضحى يتم في أيام قصيرة بل ساعات قليلة ،


و بجهود محدودة بل و ربما عطس رجل في المشرق فشمته آخر في المغرب ،


و هذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه و سلم من أن :


تقارب الزمان من علامات الساعة كما عند البخاري في صحيحه .


و مع هذه الراحة الميسرة فإن الأخطار المبثوثة هنا و هناك لم تنعدم ،


ففي الجو يركب المرء طائرة يمتطي بها صهوة الهواء ، معلقا بين الأرض و السماء ،


بين مساومة الموت و مداعبة الهلاك فوق صفيحة مائجة ،


قد يكون مصيره معلقا بأمر الله في خلخلة مسمار أو إعطاب محرك ،


لاسمح الله .


مما يؤكد الاحتماء بالله و ارتقاب لطفه المترجم بلزوم آداب السفر ،


و البعد عن معصية الله في هوائه بين سمائه و أرضه ، و المستلزمة وجوبا ،


إقصاء المنكرات من الطائرات ، و التزام الملاحين و الملاحات بالحشمة و العفاف


و البعد عما يثير اللحظ أو يستدعي إرسال الطرف .



و إن تعجب أيها المسلم



فعجب ما يفعله مشركو زمان النبي صلى الله عليه و سلم


من اللجوء إلى الله في الضراء



{ فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ


فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }



[ العنكبوت : 65 ] .



و بعض عصاة زماننا سراؤهم و ضراؤهم على حد سواء ، فقبح الله أقواما ؛


مشركو زمان النبي صلى الله عليه و سلم أعلم بلا إله إلا الله منهم .



أيها المسلمون



إن التقارب في الزمان و المكان بما هيأ الله من أسباب السرعة ،


لهو نعمة عظيمة و رحمة جُلَّى ، تستوجبان الشكر للخالق و الفرار إليه ،


في مقابل التذكر ، فيما فعله الله ـ جل و علا ـ بقوم سبأ


الذين كانوا في نعمة و غبطة ، من تواصل القرى ،


بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد و لا ماء



{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـٰهِرَةً


وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً ءامِنِينَ }



[ سبأ : 18 ] .



و لكن لما بطروا نعمة الله و مالت نفوسهم إلى ضد حالهم



{ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ


فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ }



[ سبأ : 19 ] .



ففرق الله شملهم بعد الاجتماع ، و باعد بينهم بعد التقارب ،


حتى صاروا مضرب المثل ؛


و لهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا : تفرقوا أيدي سبأ .



و بعدُ عباد الله



فإن من أعظم فوائد السفر ، و أكثرها تعلقا بالله ، معرفةَ عظمته و قدرته ،


بالنظر إلى ما ابتدعه ـ جل و علا ـ ، خلقا جميلا عجيبا ،


من حيوان و نبات ، و ساكن و ذي حركات ،


و ماذرأ فيه من مختلف الصور التي أسكنها أخاديد الأرض ،


و خروق فجاجها ، و رواسي أعلامها ، من أوتاد و وهاد ،


فصار فيها جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود ،


و من ذوات أجنحة مختلفة ، و هيئات متباينة



{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَىٰ }



[ النازعات : 26 ] .



كونها بعد أن لم تكن في عجائب صور ظاهرة ،


و نسقها على اختلافها بلطيف قدرته و دقيق صنعه ،


فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه ،


و منها مغموس في لون صبغ ، قد طوِّق بخلاف ما صبغ به



{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلاْنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ


كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء }



[ فاطر : 28 ] .



فسبحان من أقام من شواهد البينات على عظمته و قدرته !


فانقادت له العقول معترفة به و مسلمة له ،


فبان لها أن فاطر النملة هو فاطر النخلة .



إخوة الإيمان



و ثمة أمر يغفل عنه كثير من المسافرين و هم في غمرة الاستعداد و التأهب


لخوض غمار السفر و متاعبه ، إنه التأهب و الاستعداد للسفر للدار الآخرة ،


ذلكم السفر الذي ينساه كثير من الخلق ،


و يغفل عنه فئام ممن طال عليهم الأمد فقست قلوبهم .


إنه السفر الذي سوف يخوضه كل واحد منا وحيداً فريداً ،


ليس له من الزاد إلا ماقدمه من عمل صالح في هذه الحياة الدنيا .


فحري بكل من حزم حقيبته لسفر من أسفار الدنيا أن يتذكر يوم سفره إلى الآخرة ،


يوم قدومه على ربه و مولاه ، لا يحمل معه إلا صالح عمله ، و تقواه لربه .


فأعدوا العدة لذلكم رحمكم الله و تزودوا فإن خير الزاد التقوى ،


و اتقوا الله يا أولي الألباب .


بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ،


و نفعني و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم .


قد قلت ما قلت إن صوابا فمن الله ، و إن خطأ فمن نفسي و الشيطان


و أستغفروا الله إن الله غفور رحيم .


التعديل الأخير تم بواسطة بنت الاسلام ; 06-07-2013 الساعة 12:19 AM
رد مع اقتباس