بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   رسائل اليوم (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=27)
-   -   درس اليوم 4879 (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=69917)

حور العين 07-08-2020 01:37 PM

درس اليوم 4879
 
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
اسم الله البصير (05)

المَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْبَصِيرَةِ في الأَمْرِ:
وهي تَجْرِيدُهُ عَنِ المُعَارَضَةِ بِتَأْوِيلٍ، أَوْ تَقْلِيدٍ، أَوْ هَوَى، فَلَا يَقُومُ بِقَلْبِهِ شُبْهَةٌ
تُعَارِضُ العِلْمَ بأَمْرِ اللهِ ونهيِهِ، ولا شَهْوَةٌ تَمْنَعُ مِنْ تَنْفِيذِهِ وامْتِثَالِهِ، والأَخْذِ
بِهِ، ولا تَقْلِيدٌ يُرِيحُهُ عَنْ بَذْلِ الجُهْدِ في تَلَقِّي الأَحْكَامِ مِنْ مِشْكَاةِ النُّصُوصِ،
وقَدْ عَلِمَتْ بِهَذَا أَهْلُ البَصَائِرِ مِنَ العُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِهم.

المَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: البَصِيرَةُ في الوَعْدِ والوَعِيدِ:
وهي أَنْ تَشْهَدَ قِيَامَ اللهِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ في الخَيْرِ والشَّرِّ، عَاجِلًا
وآجِلًا، في دَارِ العَمَلِ وَدَارِ الجَزَاءِ، وأَنَّ ذَلِكَ هو مُوجَبُ إلَهِيَّتِهِ ورُبُوبِيَّتِهِ،
وعَدْلِهِ وحِكْمَتِهِ، فَإِنَّ الشَّكَّ في ذَلِكَ شَكٌّ في إلَهِيَّتِهِ ورُبُوبِيَّتِهِ، بَلْ شَكٌّ في
وُجُودِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيهِ خِلَافُ ذَلِكَ، ولا يَلِيقُ أَنْ يُنْسَبَ إليهِ تَعْطِيلُ
الخَلِيقَةِ، وإرْسَالُها هَمَلًا، وتَرْكُها سُدَىً، تَعَالَى اللهُ عَنْ هَذَا الحُسْبَانِ
عُلُوًّا كَبِيرًا.

فَشَهَادَةُ العَقْلِ بالْجَزَاءِ كَشَهَادَتِهِ بالوَحْدَانِيَّةِ، ولِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ: أَنَّ المَعَادَ
مَعْلُومٌ بالعَقْلِ، وإنَّمَا اهْتَدَى إلى تَفَاصِيلِهِ بالْوَحْي، ولِهَذَا يَجْعَلُ اللهُ سُبْحَانَهُ
إِنْكَارَ المَعَادِ كُفْرًا بِهِ سُبْحَانَهُ؛ لَأَنَّهُ إِنْكَارٌ لِقُدْرَتِهِ ولإلَهِيَّتِهِ،
وكِلَاهُمَا مُسْتَلْزِمٌ للكُفْرِ بِهِ.

وللمُصَنِّفِ في البَصِيرَةِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى حَيْثُ قَالَ:
البَصِيرَةُ مَا يُخَلِّصُكَ مِنَ الْحَيْرَةِ، وهي عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ:
الدَّرَجَةُ الأُولَى: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الخَبَرَ القَائِمَ بَتَمْهِيدِ الشَّرِيعَةِ يَصْدُرُ عَنْ عَيْنٍ
لا يُخَافُ عَوَاقِبُها، فَتَرَى مِنْ حَقِّهِ أَنْ تُؤَدِّيَهُ يَقِينًا، وتَغْضَبُ لَهُ غَيرَةً.

وَمَعْنَى كَلَامِهِ: أَنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم صَادِرٌ عَنْ حَقِيقَةٍ
صَادِقَةٍ، لا يَخَافُ مُتَّبِعُها فِيمَا بَعْدَ مَكْرُوهًا، بَلْ يَكُونُ آمِنًا مِنْ عَاقِبَةِ اتِّبَاعِها،
إذْ هِي حَقٌّ، ومُتِّبِعُ الحَقِّ لا خَوْفَ عَلَيهِ، ومِنْ حَقِّ ذَلِكَ الخَبَرِ عَلَيْكَ: أَنْ تُؤَدِّيَ
مَا أُمِرْتَ بِهِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ولا شَكْوَى، والأَحْوَطُ بِكَ والذي لا تَبْرَأُ ذِمَّتُكَ
إلا بِهِ تَنَاوُلُ الأَمْرِ بامْتِثَالٍ صَادِرٍ عَنْ تَصْدِيقٍ مُحَقَّقٍ، لَا يَصْحَبُهُ شَكٌّ،
وأَنْ تَغْضَبَ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ غَيْرَةً عَلَيهِ أَنْ يُضَيَّعَ حَقَّهُ، ويُهْمِلَ جَانِبَهُ.

وإنَّمَا كَانَتِ الغَيرَةُ عِنْدَ شَيْخِ الإِسْلَامِ مِنْ تَمَامِ البَصِيرَةِ؛ لأَنَّهُ عَلَى قَدْرِ المَعْرِفَةِ
بِالْحَقِّ ومُسْتَحِقِّهِ ومَحَبَّتِهِ وإجْلَالِهِ تَكُونُ الغَيْرَةُ عَلَيهِ أَنْ يَضِيعَ، والغَضَبُ عَلَى
مَنْ أَضَاعَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ صَاحِبِ الحَقِّ وإجْلَالِهِ وتَعْظِيمِهِ، وذَلِكَ
عَيْنُ البَصِيرَةِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّكَّ القَادِحَ في كَمَالِ الامْتِثَالِ مُعْمٍ لِعَيْنِ البَصِيرَةِ،
فَكَذَلِكَ عَدَمُ الغَضَبِ والغَيْرَةِ عَلَى حُقُوقِ اللهِ - إذا ضُيِّعَتْ، ومَحَارِمِهِ إذا
انْتُهِكَتْ - مُعْمٍ لِعَيْنِ البَصِيرَةِ.

قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَشْهَدَ في هِدَايَةِ الحَقِّ وإضْلَالِهِ إصَابَةَ العَدْلِ، وفي
تَلْوِينِ أَقْسَامِهِ رِعَايَةَ البِرِّ، وتُعَايِنَ في جَذْبِهِ حَبْلَ الوَصْلِ.

يُرِيدُ رحمه الله بِشُهُودِ العَدْلِ في هِدَايَتِهِ مَنْ هَدَاهُ،
وفي إضْلَالِهِ مَنْ أَضَلَّهُ أَمْرَينِ:
أَحَدُهما: تَفَرُّدُهُ بالخَلْقِ والهُدَى والضَّلَالِ.

والثَّانِي: وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الحِكْمَةِ والعَدْلِ، لا بالاتِّفَاقِ، ولا بِمَحْضِ
المَشِيئَةِ المُجَرَّدَةِ عَنْ وَضْعِ الأَشْيَاءِ مَوَاضِعَها، وتَنْزِيلِها مَنَازِلَها، بَلْ بِحِكْمَةٍ
اقْتَضَتْ هَدْيَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَزْكُو عَلَى الهُدَى، ويَقْبَلُهُ ويَشْكُرُهُ عَلَيهِ، ويُثْمِرُ
عِنْدَهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ، أَصْلًا ومِيرَاثًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى:

{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } [الأنعام: 53]

وَهُمُ الذِينَ يَعْرِفُونَ قَدْرَ نِعْمَتِهِ بالهُدَى، ويَشْكُرُونَهُ عَلَيْها، ويُحِبُّونَهُ
ويَحْمَدُونَهُ عَلَى أَنْ جَعَلَهم مِنْ أَهْلِهِ، فهو سُبْحَانَهُ مَا عَدَلَ عَنْ مُوجَبِ العَدْلِ
والإحْسَانِ في هِدَايَةِ مَنْ هَدَى وإضْلَالِ مَنْ أَضَلَّ، ولَمْ يَطْرُدْ عَنْ بَابِهِ، ولَمْ يُبْعِدْ
عَنْ جَنَابِهِ، مَنْ يَلِيقُ بِهِ التَّقْرِيبُ والهُدَى والإكْرَامُ، بَلْ طَرَدَ مَنْ لا يَلِيقُ بِهِ
إلا الطَّرْدُ والإبْعَادُ، وحِكْمَتُهُ وحَمْدُهُ تَأْبَى تَقْرِيبَهُ وإكْرَامَهُ، وجَعْلَهُ مِنْ أَهْلِهِ
وخَاصَّتِهِ وأَوْلِيَائِهِ، ولا يَبْقَى إلا أَنْ يُقَالَ: فَلِمَ خَلَقَ مَنْ هو بهَذِهِ المَثَابَةِ؟

فَهَذَا سُؤَالُ جَاهِلٍ ظَالِمٍ ضَالٍّ، مُفْرِطٍ في الجَهْلِ والظُلْمِ والضَلَالِ؛ لأَنَّ خَلْقَ
الأَضْدَادِ والمُتَقَابِلَاتِ هو مِنْ كَمَالِ الرُّبُوبِيَّةِ، كَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالحَرِّ وَالبَرْدِ،
وَاللَّذَّةِ وَالأَلَمِ، وَالخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالنَّعِيمِ وَالجَحِيمِ.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين




All times are GMT +3. The time now is 01:19 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.