المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
27 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / العــــدل
27 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / العــــدل لفضيلة العضو الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب ================================================== ================================ الحمد لله يَمُنَّ بالفضل و يقضي بالحق ، و يحكم بالعدل ، إن ربي على صراط مستقيم ، أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره و هو الغفور الرحيم ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدًا عبده و رسوله المبعوث للأحمر و الأسود ، هَدَى بإذن ربه إلى أقوم طريق و أعدل سبيل ، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه الذين قضوا بالحق و به كانوا يعدلون و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أمـــا بعـــد : فيا أيها الناس ، أوصيكم و نفسي بتقوى الله ، فاتقوه رحمكم الله ، و أحسنوا فهو سبحانه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون . أيها المسلمون ، أحترام العدل تقليدٌ تتوارثه الأمم المحترمة ، و تقيم له الضمانات ، و تبني له السياجات ، من أجل أن يرسخ و يستقرَّ . و إن الحضارات الإنسانية لا تبلغ أوج عزها ، و لا ترقى إلى عز مجدها إلا حين يعلو العدل تاجها ، و يتلألأ به مفرقها . تبسطه على القريب و الغريب ، و القوي و الضعيف ، و الغني و الفقير ، و الحاضر و الباد . العدل تواطأت على حسنه الشرائع الإلهية ، و العقول الحكيمة ، و الفطر السوية . و تمدح بإدعاء القيام به ملوك الأمم و قادتها ، و عظماؤها و ساستها . حسن العدل و حبه مستقر في الفطر ، فكل نفس تنشرح لمظاهر العدل ما دام بمعزلٍ عن هوى يغلبها في قضية خاصة تخصها . لقد دلت الأدلة الشرعية و سنن الله في الأولين و الآخرين أن العدل دعامة بقاء الأمم ، و مستقر أساسات الدول ، و باسط ظلال الأمن ، و رافع أبنية العز و المجد ، و لا يكون شيء من ذلك بدونه . القسط و العدل هو غاية الرسالات السماوية كلها : (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ )) [الحديد:25] . إن أية أمة تعطلت من هذه الصفة الجليلة فلا تجد فيها إلا آفاتٍ جائحةً ، و رزايا قاتلةً ، و بلايا مهلكةً ، و فقرًا معوزًا ، و ذلاً معجزًا ، ثم لا تلبث بعد ذلك أن تبتلعها بلاليع العدم و تلتهمها أمهات اللَّهم . بالعدل قامت السموات و الأرض ، و للظلم يهتز عرش الرحمن . العدل مفتاح الحق ، و جامع الكلمة ، و مؤلف القلوب . إذا قام في البلاد عمَّر ، و إذا ارتفع عن الديار دمَّر . و إن الدول لتدوم مع الكفر مادامت عادلة ، و لا يقوم مع الظلم حقٌ و لا يدوم به حكم . أيها الإخوة ، العدل في حقيقته تمكين صاحب الحق ليأخذ حقه . في أجواء العدل يكون الناس في الحق سواء لا تمايز بينهم و لا تفاضل ، بالعدل يشتد أزر الضعيف و يقوى رجاؤه ، و بالعدل يهون أمر القوي و ينقطع طمعه . (( لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ )) [البقرة:279] . أيها الإخوة في الله، و إن أمة الإسلام هي أمة الحق و العدل ، و الخير و الوسط، نصبها ربها قوامةً على الأمم في الدنيا ، شاهدةً عليهم في الآخرة ، خير أمةٍ أخرجت للناس ، يهدون بالحق و به يعدلون ، يتواصون بالحق و الصبر ، و يتنافسون في ميادين الخير و البر، و يتسابقون إلى موجبات الرحمة و الأجر . أمةٌ أمرها ربها بإقامة العدل في كتابه أمرًا محكمًا و حتمًا لازمًا : (( إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً )) [النساء:58] . (( يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلاْقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً )) [النساء:135] . لا أعدل ولا أتم، ولا أصدق ولا أوفى، من عدل شريعة الله، فهي مبنية على المصالح الخالصة أو الراجحة، بعيدة عن أهواء الأمم وعوائد الضلال، لا تعبأ بالأنانية والهوى، ولا بتقاليد الفساد. إنها لمصالح النوع البشري كله ليس لقبيلة أو بلد أو جنس. (( فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ )) [الشورى:15]. إن الإسلام صدقٌ كله : (( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدّلِ لِكَلِمَـٰتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ )) [الأنعام:115]. عدل الإسلام يسع الأصدقاء و الأعداء ، و الأقرباء و الغرباء ، و الأقوياء و الضعفاء ، و المرؤوسين و الرؤساء . عدل الإسلام يشمل كل ميادين الحياة و مرافقها و دروبها و شؤونها . في الدولة و القضاء ، و الراعي و الرعية ، و الأولاد و الأهلين . عدلٌ في حق الله . و عدل في حقوق العباد في الأبدان و الأموال ، و الأقوال و الأعمال . عدلٌ في العطاء و المنع، و الأكل و الشرب . يُحق الحق و يمنع البغي في الأرض و في البشر . (( كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته )) . و في الحديث الآخر : (( ما من أحد يكون على شيء من أمور هذه الأمة فلم يعدل فيهم إلا كبه الله في النار )) أخرجه الحاكم ، و قال صحيح الإسناد من حديث ابن يسار رضي الله عنه . و إن من أولى ما يجب العدل فيه من الحق حق الله سبحانه في توحيده وعبادته ، و إخلاص الدين له كما أمر و شرع خضوعًا و تذللاً ، و رضًا بحكمه و قدره ، و إيمانًا بأسمائه و صفاته . و أظلم الظلم الشرك بالله عز و جل ، و أعظم الذنب أن تجعل لله ندًا و هو الذي خلقك و سواك . ثم العدل في حقوق العباد تُؤدى كاملة موفورة ، ماليةً أو بدنية ، قولية أو عملية . يؤدي كل والٍ ما عليه مما تحت و لايته في ولاية الإمامة الكبرى ثم نواب الإمام في القضاء و الأعمال في كل ناحية أو مرفق . و في الحديث الصحيح : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن – و كلتا يديه يمين – الذين يعدلون في حكمهم وفي أهلهم وما ولوا )). و قد جاء في مأثور الحكم و السياسات : لا دولة إلا برجال ، و لا رجال إلا بمال ، و لا مال إلا بعمارة ، و لا عمارة إلا بعدل . حكم كله عدل و رحمة في خفض الجناح و لين الجانب، وقوة الحق، عدلٌ ومساواة تكون فيه المسؤوليات و الولايات و الأعمال و المهمات تكليفًا قبل أن تكون تشريفًا ، و تبعات لا شهوات ، و مغارم لا مغانم ، إنصافٌ للمظلوم ، و نصرة للمهضوم ، و قهرٌ للغشوم ، و ردع للظلوم ، رفع المظالم عن كواهل المقروحة أكبادهم ، و رد الاعتبار لمن أذلهم البغي اللئيم ، لا تأخذهم في الحق لومة لائم ، و لا تعويق واهم ، و إن حدًا يقام في الله خير من أن يمطروا أربعين صباحًا . و في مثل هذا صح الخبر عنه صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم أنه قال : (( أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق، و رجلٌ رحيمٌ رقيق القلب لكل ذي قربى، و مسلم عفيف متعفف ذو عيال )) . و الإمام العادل سابع سبعةٍ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . أما نزاهة القضاء و نقاء ضمائر القضاة فحسبك به من عدل و قسط ، صاحب الحق في جو القضاء العادل يشعر بالثقة و الأمان ، في أروقة المحاكم و في دواوين القضاء ، مطمئنٌ إلى عدالة القضية و نزاهة الحكم و شرف سرائر الحكام . و المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، و لأن يخطئ الحاكم في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة ، هذا تعرفه دنيا الحضارات و دين أهل الإسلام . القاضي العادل يواسي الناس بلحظه و لفظه ، و في وجهه و مجلسه ، لا يطمع شريف في حيفه ، و لا ييأس ضعيف من عدله ، لا يميل مع هوى ، و لا يتأثر بود ، و لا ينفعل مع بغض . لا تتبدل التعاملات عنده مجاراةً لصهر أو نسب ، و لا لقوة أو ضعف ، يزن بالقسطاس ، و بالعدل يقضي . يدني الضعيف حتى يشتد قلبه و ينطلق لسانه ، و يتعاهد الغريب حتى يأخذ حقه ، و ما ضاع حق غريب إلا من ترويعه و عدم الرفق به . جاء في الخبر عنه صلى الله عليه و على آله وصحبه و سلم : (( إن الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى الله عنه ولزمه الشيطان )) ، و في رواية الحاكم : (( فإذا جار تبرأ الله منه )).
|
#2
|
|||
|
|||
أيها الإخوة ، عدلٌ في كل ميدان ، و قسط يكفل الحق للناس كل الناس و لو كان من غير المسلمين و الأعداء المناوئين : (( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَاء بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ )) [المائدة:8] . هذا هو العدل العالمي الذي جاء به محمد صلى الله عليه و سلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان ، عدلٌ يتم فيه ضبط النفس و التحكم في المشاعر. إنه القمة العليا و المرتقى الصعب الذي لا يبلغه إلا من رضي بالله ربًا ، و بالإسلام دينًا ، و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبيًا و رسولاً ، و بدينه دستورًا و حكمًا . إنه عدل محمد عليه أفضل الصلاة و السلام ، مكيالٌ واحدٌ و ميزانٌ واحدٌ . و لقد انتظر بكم الزمان ـ أيها الأخوة ـ و طالت بكم الحياة حتى رأيتم أممًا آتاها الله بسطة في القوة و السيطرة فما أقامت عدلاً ، و لا حفظت حقًا، ويلٌ لهم و ما يطففون ، إذا اكتالوا لأنفسهم يستوفون ، و إذا كالوا لغيرهم أو وزنوهم يخسرون . و لكن هدي محمد صلى الله عليه و سلم يأبى إلا الحق : (( وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ )) [الشورى:15] . إن الأمة لا تصل إلى هذا القدر من السمو و نصب ميزان العدل إلا حينما تكون قائمةً بالقسط لله خالصةً مخلصة ، قد تلبست بلباس التقوى : (( ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) [المائدة:8]. و العدل ـ أيها الأخوة ـ كما يكون في الأعمال و الأموال فهو مطلوب في الأقوال و الألفاظ : (( وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ )) [الأنعام:152] . و لعل العدل في الأقوال أدق و أشق . وصاحب اللسان العدل يعلم أن الله يحب الكلام بعلم و عدل ، و يكره الكلام بجهلٍ و ظلم : (( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )) [الأعراف:33] . تأملوا هذا الإنصاف النبوي في القول حينما أعلن النبي عليه الصلاة و السلام حكمه على كلمة قالها شاعر حال كفره حين قال عليه الصلاة و السلام : (( أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل )) . ثم ها هو صاحبه عثمان بن مظعون رضي الله عنه يسمع البيت كاملاً ؛ فيترسم النهج نفسه في التقويم و العدل فُيحق الحق و يقول القسط ، فقال في شطره الأول صدقْتَ ، و لما قال الشطر الثاني : ( و كل نعيم لا محالة زائل ) قال : كذبت ، نعيم الجنة ليس بزائل . و هذا علي رضي الله عنه يقاتل من خرج عليه ، فلما سئل عنهم : أمشركون هم ؟ قال : هم من الشرك فروا . قيل : أفمنافقون هم ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً . قيل: فما هم يا أمير المؤمنين ؟ قال: هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم . و من لغير هذا العدل من القول غير أبي الحسن رضي الله عنه و عن ذريته الطيبين الطاهرين ؟! و هل بعد هذا الإنصاف من إنصاف ؟! أيها الأخوة ، إذا ساد العدل حُفظت الحقوق ، و نصر المظلوم و ولت الهموم ، و أدبرت الغموم . أما حينما يتجافى الناس عن العدل و يقعون في حمأة الظلم ينبت فيهم الحقد و القطيعة و الفرقة و ذهاب الريح . من تجافى عن العدل دخل دائرة الظلم ، يأخذ و لا يعطي ، و يطلب و لا يبذل ، يأخذ الذي يستحق ، و يمتنع عما يحق ، تغلبه مسالك المنافقين : (( قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ )) [آل عمران:154] ، (( وَإِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ )) [النور:48، 49] . إن الحَيْف و سلب الحقوق و إهدار الكرامات مبعث الشقاء و مثار الفتن . إن قومًا يفشو فيهم الظلم و التظالم ، و ينحسر عنهم الحق و العدل إما أن ينقرضوا بفساد ، و إما أن يتسلط عليهم جبروت الأمم يسومونهم خسفًا ، و يستبدون بهم عسفًا ، فيذوقون من مرارة العبودية و الإستذلال ما هو أشد من مرارة الانقراض و الزوال . إن الظلم خراب العمران ، و خراب العمران خراب الأمم و الدول . اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب و الشهادة ، و كلمة الحق في الغضب و الرضا ، و نسألك القصد في الفقر و الغني ، و نسألك الرضا بعد القضاء ، و نسألك برد العيش بعد الموت و نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة و لا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان ، و أجعلنا هداةً مهتدين أستجب اللهم يا رب العالمين . ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، و أستغفروا ربكم إنه كان غفاراً . نفعني الله و إياكم بالقرآن العظيم ، و بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم ، أقول قولي هذا ، و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة ، فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . الحمد لله شمل الأنام بواسع رحمته ، و صرَّف العالم ببالغ حكمته ، لا يشغله شأنٌ عن شأن و هو الحكيم الخبير . أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره ، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدًا عبده و رسوله ، أصدق الناس في الأقوال ، و أجملهم في الأفعال ، و أعدلهم في الأحكام ، صلى الله و سلم و بارك عليه وعلى آله و صحبه خير صحبٍ و آل ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم المآل . أمـــا بعـــد : فاتقوا الله أيها الناس ، و أستقيموا إليه و أستغفروه ، و أعدوا من الأعمال الصالحة ما يقربكم زلفى لديه . أيها الإخوة ، و كما يكون العدل في الأبعدين فهو في الأهلين و الأقربين حق و حتم . و أحق الناس بالعدل أبناؤك . فمن ابتغى بر أبنائه و بناته يحبونه في حياته و يترحمون عليه بعد مماته و تصفو قلوبهم فيما بينهم فليتق الله و ليقم العدل فيما بينهم ، يساوي بينهم في العطية و المعاملة و النظرة و الإبتسامة . و ليتق الله أولئك الذين يحرمون بعض المستحقين من الذرية في عطية أو وصية فذلك حرام و جور و ظلم ، و الوصية به وصية ظلم و جنف ، مخالفة للعدل و الحق لا يجوز نفاذها ، فتلك أفعالٌ شنيعة ، و ظلمٌ مهلك ، تقوم به الخصومات ، و تثور به الأحقاد ، و تقع به المظالم ، و تتقطع به الأرحام . عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : (( إني نحلت أبني هذا غلامًا كان لي . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال : لا . قال عليه الصلاة و السلام : أتقوا الله و أعدلوا في أولادكم . قال : فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة )) . و في رواية : (( إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، فلا تُشهدني على جور )) ؛ (( أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلى . قال : فلا إذن )) ، و في رواية أخرى : (( سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر )) . و العدل في المعاملات الزوجية فرضٌ و حقٌ واجبٌ في النفقة و الكسوة و المعاملة و العشرة كما يفعل الكرماء من ذوي العقل و الدين و المروءة و الكمال . تطعمها مما تطعم ، و تكسوها مما تكتسي . و في الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة و شقه ساقط )) و في رواية (( و شقه مائل )) . أيها الإخوة ، حينما تتشرب النفوس العدل فيكون سجية لها فإنه يقودها إلى محاسن الأخلاق و مكارم المروءات ، عدل في السلوك كله ، وسط بين الإفراط و التفريط، جود و سخاء من غير سرف و لا تقتير، و شجاعة و قوة من غير جبن و لا تهور ، و حلم و أناة من غير غضب ماحق أو مهانة مردية . و كل تعامل فَقَدَ العدل فهو ضرر و إضرار ، و فساد و إفساد (( وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلاْرْضِ مُفْسِدِينَ )) [الشعراء:183] . و في ديننا أيها الإخوة ، مرتبة فوق العدل قد أمر الله بها مقترنة بالعدل . مرتبة تأتي لتجمل حدة العدل الصارم و وجهه الجازم الحازم ، إنها مرتبة الإحسان حين تدع الباب مفتوحًا لمن يريد أن يتسامح في بعض حقوقه إيثارًا لود القلب و شفاء غل الصدور ، ليداوي جرحًا ، و يكسب فضلاً ، و يرتفع عند ربه درجاتٍ عُلا . ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، و أعدلوا في أقوالكم و أفعالكم ، و أدوا الحقوق إلى أصحابها ، و أتقوا النار و لو بشق تمرة . ثم صلوا و سلموا على الرحمة المهداة و النعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله ، فقد أمركم بذلك ربكم فى عُلاه فقال في محكم تنزيله و هو الصادق في قيله : ( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً ) [ الأحزاب : 56 ] . اللهم صلَّ و سلم و بارك على عبدك و رسولك سيدنا و نبينا محمد ، و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجه أمهاتنا أمهات المؤمنين ، و أرض اللهم على الخلفاء الأربعة الراشدين أبى بكر و عمر و عثمان و على و العشرة المبشرين و على سائر الصحابة و التابعين و من سار على دربهم إلى يوم الدين و عنا معهم بعطفك و جودك و كرمك يا أرحم الراحمين اللهم أعز الإسلام و المسلمين و ............ ثم باقى الدعاء اللهم أستجب لنا إنك أنت السميع العليم و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اللهم أميـــــن أنتهت |
|
|