المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
أيها الإخوة ، عدلٌ في كل ميدان ، و قسط يكفل الحق للناس كل الناس و لو كان من غير المسلمين و الأعداء المناوئين : (( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَاء بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ )) [المائدة:8] . هذا هو العدل العالمي الذي جاء به محمد صلى الله عليه و سلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان ، عدلٌ يتم فيه ضبط النفس و التحكم في المشاعر. إنه القمة العليا و المرتقى الصعب الذي لا يبلغه إلا من رضي بالله ربًا ، و بالإسلام دينًا ، و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبيًا و رسولاً ، و بدينه دستورًا و حكمًا . إنه عدل محمد عليه أفضل الصلاة و السلام ، مكيالٌ واحدٌ و ميزانٌ واحدٌ . و لقد انتظر بكم الزمان ـ أيها الأخوة ـ و طالت بكم الحياة حتى رأيتم أممًا آتاها الله بسطة في القوة و السيطرة فما أقامت عدلاً ، و لا حفظت حقًا، ويلٌ لهم و ما يطففون ، إذا اكتالوا لأنفسهم يستوفون ، و إذا كالوا لغيرهم أو وزنوهم يخسرون . و لكن هدي محمد صلى الله عليه و سلم يأبى إلا الحق : (( وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ )) [الشورى:15] . إن الأمة لا تصل إلى هذا القدر من السمو و نصب ميزان العدل إلا حينما تكون قائمةً بالقسط لله خالصةً مخلصة ، قد تلبست بلباس التقوى : (( ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) [المائدة:8]. و العدل ـ أيها الأخوة ـ كما يكون في الأعمال و الأموال فهو مطلوب في الأقوال و الألفاظ : (( وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ )) [الأنعام:152] . و لعل العدل في الأقوال أدق و أشق . وصاحب اللسان العدل يعلم أن الله يحب الكلام بعلم و عدل ، و يكره الكلام بجهلٍ و ظلم : (( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )) [الأعراف:33] . تأملوا هذا الإنصاف النبوي في القول حينما أعلن النبي عليه الصلاة و السلام حكمه على كلمة قالها شاعر حال كفره حين قال عليه الصلاة و السلام : (( أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل )) . ثم ها هو صاحبه عثمان بن مظعون رضي الله عنه يسمع البيت كاملاً ؛ فيترسم النهج نفسه في التقويم و العدل فُيحق الحق و يقول القسط ، فقال في شطره الأول صدقْتَ ، و لما قال الشطر الثاني : ( و كل نعيم لا محالة زائل ) قال : كذبت ، نعيم الجنة ليس بزائل . و هذا علي رضي الله عنه يقاتل من خرج عليه ، فلما سئل عنهم : أمشركون هم ؟ قال : هم من الشرك فروا . قيل : أفمنافقون هم ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً . قيل: فما هم يا أمير المؤمنين ؟ قال: هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم . و من لغير هذا العدل من القول غير أبي الحسن رضي الله عنه و عن ذريته الطيبين الطاهرين ؟! و هل بعد هذا الإنصاف من إنصاف ؟! أيها الأخوة ، إذا ساد العدل حُفظت الحقوق ، و نصر المظلوم و ولت الهموم ، و أدبرت الغموم . أما حينما يتجافى الناس عن العدل و يقعون في حمأة الظلم ينبت فيهم الحقد و القطيعة و الفرقة و ذهاب الريح . من تجافى عن العدل دخل دائرة الظلم ، يأخذ و لا يعطي ، و يطلب و لا يبذل ، يأخذ الذي يستحق ، و يمتنع عما يحق ، تغلبه مسالك المنافقين : (( قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ )) [آل عمران:154] ، (( وَإِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ )) [النور:48، 49] . إن الحَيْف و سلب الحقوق و إهدار الكرامات مبعث الشقاء و مثار الفتن . إن قومًا يفشو فيهم الظلم و التظالم ، و ينحسر عنهم الحق و العدل إما أن ينقرضوا بفساد ، و إما أن يتسلط عليهم جبروت الأمم يسومونهم خسفًا ، و يستبدون بهم عسفًا ، فيذوقون من مرارة العبودية و الإستذلال ما هو أشد من مرارة الانقراض و الزوال . إن الظلم خراب العمران ، و خراب العمران خراب الأمم و الدول . اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب و الشهادة ، و كلمة الحق في الغضب و الرضا ، و نسألك القصد في الفقر و الغني ، و نسألك الرضا بعد القضاء ، و نسألك برد العيش بعد الموت و نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة و لا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان ، و أجعلنا هداةً مهتدين أستجب اللهم يا رب العالمين . ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، و أستغفروا ربكم إنه كان غفاراً . نفعني الله و إياكم بالقرآن العظيم ، و بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم ، أقول قولي هذا ، و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة ، فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . الحمد لله شمل الأنام بواسع رحمته ، و صرَّف العالم ببالغ حكمته ، لا يشغله شأنٌ عن شأن و هو الحكيم الخبير . أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره ، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدًا عبده و رسوله ، أصدق الناس في الأقوال ، و أجملهم في الأفعال ، و أعدلهم في الأحكام ، صلى الله و سلم و بارك عليه وعلى آله و صحبه خير صحبٍ و آل ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم المآل . أمـــا بعـــد : فاتقوا الله أيها الناس ، و أستقيموا إليه و أستغفروه ، و أعدوا من الأعمال الصالحة ما يقربكم زلفى لديه . أيها الإخوة ، و كما يكون العدل في الأبعدين فهو في الأهلين و الأقربين حق و حتم . و أحق الناس بالعدل أبناؤك . فمن ابتغى بر أبنائه و بناته يحبونه في حياته و يترحمون عليه بعد مماته و تصفو قلوبهم فيما بينهم فليتق الله و ليقم العدل فيما بينهم ، يساوي بينهم في العطية و المعاملة و النظرة و الإبتسامة . و ليتق الله أولئك الذين يحرمون بعض المستحقين من الذرية في عطية أو وصية فذلك حرام و جور و ظلم ، و الوصية به وصية ظلم و جنف ، مخالفة للعدل و الحق لا يجوز نفاذها ، فتلك أفعالٌ شنيعة ، و ظلمٌ مهلك ، تقوم به الخصومات ، و تثور به الأحقاد ، و تقع به المظالم ، و تتقطع به الأرحام . عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : (( إني نحلت أبني هذا غلامًا كان لي . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال : لا . قال عليه الصلاة و السلام : أتقوا الله و أعدلوا في أولادكم . قال : فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة )) . و في رواية : (( إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، فلا تُشهدني على جور )) ؛ (( أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلى . قال : فلا إذن )) ، و في رواية أخرى : (( سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر )) . و العدل في المعاملات الزوجية فرضٌ و حقٌ واجبٌ في النفقة و الكسوة و المعاملة و العشرة كما يفعل الكرماء من ذوي العقل و الدين و المروءة و الكمال . تطعمها مما تطعم ، و تكسوها مما تكتسي . و في الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة و شقه ساقط )) و في رواية (( و شقه مائل )) . أيها الإخوة ، حينما تتشرب النفوس العدل فيكون سجية لها فإنه يقودها إلى محاسن الأخلاق و مكارم المروءات ، عدل في السلوك كله ، وسط بين الإفراط و التفريط، جود و سخاء من غير سرف و لا تقتير، و شجاعة و قوة من غير جبن و لا تهور ، و حلم و أناة من غير غضب ماحق أو مهانة مردية . و كل تعامل فَقَدَ العدل فهو ضرر و إضرار ، و فساد و إفساد (( وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلاْرْضِ مُفْسِدِينَ )) [الشعراء:183] . و في ديننا أيها الإخوة ، مرتبة فوق العدل قد أمر الله بها مقترنة بالعدل . مرتبة تأتي لتجمل حدة العدل الصارم و وجهه الجازم الحازم ، إنها مرتبة الإحسان حين تدع الباب مفتوحًا لمن يريد أن يتسامح في بعض حقوقه إيثارًا لود القلب و شفاء غل الصدور ، ليداوي جرحًا ، و يكسب فضلاً ، و يرتفع عند ربه درجاتٍ عُلا . ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، و أعدلوا في أقوالكم و أفعالكم ، و أدوا الحقوق إلى أصحابها ، و أتقوا النار و لو بشق تمرة . ثم صلوا و سلموا على الرحمة المهداة و النعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله ، فقد أمركم بذلك ربكم فى عُلاه فقال في محكم تنزيله و هو الصادق في قيله : ( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً ) [ الأحزاب : 56 ] . اللهم صلَّ و سلم و بارك على عبدك و رسولك سيدنا و نبينا محمد ، و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجه أمهاتنا أمهات المؤمنين ، و أرض اللهم على الخلفاء الأربعة الراشدين أبى بكر و عمر و عثمان و على و العشرة المبشرين و على سائر الصحابة و التابعين و من سار على دربهم إلى يوم الدين و عنا معهم بعطفك و جودك و كرمك يا أرحم الراحمين اللهم أعز الإسلام و المسلمين و ............ ثم باقى الدعاء اللهم أستجب لنا إنك أنت السميع العليم و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اللهم أميـــــن أنتهت |
|
|