المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
قسم الأخت/ أمانى صلاح الدين قسم خاص يحتوى على. كتابات ومقالات الاخت الزميلة أمانى صلاح الدين |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
نفحة يوم الجمعة / أمـــانى صلاح الدين
عادل مناع دخل من باب السلام متأهبًا لذلك اللقاء الأول بينه وبين بيت الله الحرام، ها هو يتجه ببصره إلى الكعبة في مشهد مهيب ، هل هو يسير على قدميه أم أنه يحلق كالطير في جو السماء ؟ تقدم نحوها ببطء تكتنفه السكينة، تمتزج في قلبه مشاعر الخشوع والفرحة والرهبة، ففاضت العينان بالعبرات المتلاحقة، أخيرًا قد تحقق حلم لطالما داعب خياله في يقظته ومنامه، أخيرًا شرع في أداء فريضة الحج التي تتوق إليها نفسه منذ سنين، وما حال بينه وبينها سوى ضيق اليد. ها هو الآن تتقافز في مخيلته صور شتى، مكابدة العمل الدؤوب، وحرمان النفس من متاع الدنيا لتحصيل نفقة الحج، وزوجته تلك المريضة القابعة في فراشها، ولحظات الوداع والوصية بالدعاء بالشفاء، لقد كانت بدورها تحلم بأن يؤدي ذلك الملهوف فريضة الله. يطوف حول الكعبة فيا لذة الطواف، يصلي خلف المقام فما أروعها من صلاة، يستحضر من الماضي البعيد ما يبرق به حاضره: أفي هذا البقعة كان الخليل إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام يرفعان قواعد الكعبة ؟ أفي هذه الساحة كان يصلي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؟ ألامست جبهتي موضع سجوده؟ وها هو يقف على عرفه: يا الله، يا أرحم الراحمين، جئتك تائبًا أرجو رحمتك وأخاف عذابك، أنت أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، اعتق عبدك الضعيف من عذاب ينتظره إلا أن ترحمه، يا رب خلفت ورائي أمة لك أقعدها البلاء، رب اكشف ما بها من ضر، يا رب كما أنعمت علي بأداء فريضتك فرحماك بكل ملهوف يسفع قلبه لهيب الشوق إلى بيتك الحرام، أنعم عليهم كما أنعمت علي. هذا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخيرًا سأقف أمام قائدي وإمامي فداه الأهل والمال والولد، لن يفصلني عنه سوى سور عبثًا يحاول منع مشاعر حبي المتدفقة من التحليق حول صاحب أطهر جثمان، يا حبيبي ليتني كنت شعرة في جنبك، أو كنت نعلًا تشرفه بملمس قدميك، أحق ما تراه عيناي ؟ أقف أمامك يا رسول الله ؟ يا من عشتُ حينًا من الدهر أبكي شوقًا إليك كلما طالعت سيرتك العطرة، ها أنا أقف أمامك، و... عبد الرحمن، عبد الرحمن، قالتها الزوجة المريضة وهي توقظ زوجها الذي فاضت الدموع من عينيه وهو نائم، فاستيقظ مذعورًا، أين أنا؟ ما هذا؟ أكان حلمًا؟ كل ما رأيته لم يكن حقيقة؟ انفجر في البكاء والنحيب، ورفع بصره إلى السماء ودموعه قد وجدت سبيلها على وجنتيه حتى بللت شفتيه، وناجى ربه بكلمات لا يتبين السامع ماهيتها، لا لشيء إلا لاختلاطها بالأنين. يا رب أسألك بوجهك الكريم أن تمن علي بما كنت أحسبه حقيقة لا خيال، يارب اجبر كسر قلب لم تنل منه قوارع الدهر وإنما عصف به الشوق إلى بيتك الحرام، وزيارة حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم. يا رب لقد عشت سنين عددًا أدعوك بها، وأنا على ذا الطريق إن شئت أسير، رب لا تكلني إلى نفسي الضعيفة فتقنط، وجدد في الأمل، رب أشتاق ومالي حيلة إلا الرجاء، رب كما احترق قلبي بحقيقة مرة بعد حلاوة الأحلام، فطيب ذلك القلب وسكن ألمه. الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر. هب الرجل من نومته عند الكعبة على صوت الأذان، ولم يصدق نفسه وهو يدرك أنه كان حلمًا داخل حلم، قام كالمجنون يهذي بين الناس بصوت عالٍ، كان حلمًا، كان حلمًا، كان حلمًا. لم يعبأ بتلك الجموع التي التفتت إليه ترمقه بأبصارها في تساؤل صامت، فقط سجد لله سجدة شكر أطالها رغمًا عنه، فهو الآن في أيام الحج وأمام بيت الله الحرام، يشعر بأنه ولد من جديد، وكأنه عاد بعد الموت إلى الحياة، ومن باطن الأرض إلى علياء السماء. تساءل في نفسه، أيبغض هذه الأحلام التي داعبته، أم يحمد الله عليها لأنه قد أدرك بها فضل الله عليه، حيث عاش يتقلب بين مشاعر العطاء والحرمان، فرفع بصره إلى السماء وهو يناجي ربه: رب لا تذر على الأرض من المسلمين محرومًا.
|
|
|