[vip_vip]

أن تكون متدينا

بقلم الأخت الأستاذة / إيمان القدوسي

أصبح التدين تيارا عاما في المجتمع المصري بشكل غير مسبوق ، وفي رمضان الحالي اتضح ذلك بجلاء ، المساجد عامرة بالمصلين وموائد الطعام ممتدة وكل يسعى في فعل الخير قدر الطاقة والاستطاعة ، ملابس النساء ومبيعات الكتب والأشرطة الدينية واستفسارات الفتوى وحتى المصطلحات المستخدمة في اللغة اليومية كلها تعكس بوضوح عمق وأصالة هذا التوجه.
هناك من يتصيد الأخطاء للمتدين ومن أهمها التركيز علي الشكليات والأقوال وإهمال الأفعال والسلوكيات وهي الأهم والأبقى ، وهناك من يهاجم التيار كله باعتباره ردة حضارية وخطوة للخلف وتقليد للسلفية القادمة من دول أقل تقدما ، وهناك من يلصق العنف والغلظة في التعامل وإهدار حقوق المرأة وزرع بذور الفتنة الطائفية بهذا الاتجاه.
بدلا من إضاعة الوقت في الرد علي تلك المزاعم سنحاول توصيف معني أن تكون متدينا ، هذا السؤال هام ويشغلنا جميعا ليس للرد علي أحد ولكن من أجل أنفسنا ، فمن المهم أن تكون لدينا بوصلة تحدد لنا في أي الطرق نمضي.
إن أداء العبادات والاجتهاد في الطاعة هو المدخل والأساس للتدين ومن يقول غير ذلك هو مغرض بكل تأكيد وأقوال مثل (ليس كل من يصلي رجل فاضل) و(المهم ما في القلب) و(صلاح النية هو الأساس) وغيرها من الأقاويل هي كلمات حق يراد بها باطل لأن المغزى الحقيقي الذي قد لا يصرح به هو (لا داعي للصلاة والصوم والحجاب والعمرة ولا بأس من التهاون والتجاوز ما دام قلبك أبيض).
إن عامة المسلمين والمسلمات بخير ولا تنطلي عليهم تلك المزاعم والأباطيل ، ويجتهدون ويتشوقون لكل ما يقربهم من الجنة ويباعد بينهم وبين النار ، وتأتي الخطوة الهامة والحاسمة ، هل أنا متدين حقا ؟ وهل تقبل الله مني ؟
الجزم بهذا في علم الله وحده وهو من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولكن هناك شواهد تجعلنا نطمئن أننا علي الطريق القويم ، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فلينظر كل منا في أخلاقيات التعامل اليومية له ، ومن الأهداف السامية للدين تربية المسلم ليكون فردا نافعا صالحا في مجتمعه ، كيف تعامل أسرتك ؟ هل نجحت في تكوين أسرة متحابة مترابطة ؟ هل يفتقدك أهل بيتك لو غبت عنهم ؟ هل يصارحك أولادك بمتاعبهم فتجتهد في حلها ؟ هل تصبح الحياة أفضل وجو البيت أكثر بهجة في وجودك ؟ هل تتحمل هنات الأولاد وهفوات الزوجة ؟ هل تفكر دائما كيف تجعل حياتهم أفضل ؟
وفي مجال عملك: هل تجتهد في أداء عملك وتحرص علي إتقانه ؟ هل علاقتك بزملاء العمل طيبة ؟ هل يكثر استعانتهم بك عند مواجهة أي مشكلة تعطل سير العمل ؟ هل لديك دافع ذاتي للإنجاز والتجويد والتقدم في عملك وتشعر بالمتعة في ذلك ؟
في مجال علاقاتك الشخصية: هل أنت بار بوالديك ؟ هل تحرص علي صلة الرحم ؟ هل أنت محبوب ومحل للثقة ؟ هل يستعين بك الجيران والأصدقاء ويستشيرونك في مشاكلهم ؟ هل يفرح الناس بتواجدك بينهم ؟ هل تعين غيرك وتهتم بأمره ؟ هل تحفظ لسانك فلا تقل إلا خيرا ؟
عندما نزل الوحي لأول مرة علي نبينا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وأرادت زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أن تطمئنه علي نفسه قالت (والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتكسب المعدوم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين علي نوائب الدهر)
لم تقل له إنك كثير التعبد في غار حراء ، ولم تقل إنك صادق وأمين ، ولكنها ذكرت العلامات المؤكدة علي طاعة العبد لربه ورضا الله عنه وهي المعاملات مع الخلق وتقوي الله فيها ، وأن يكون المسلم نورا يمشي علي الأرض فيستفيدون من خيره ولا يصلهم أذاه.
بالطبع لسنا ملائكة ولكننا بشر نخطئ ونسهو ونغضب ونقصر ونسئ التقدير أحيانا ، ولكن من غلبت تلك الصفات علي طباعه ومن يحمد الله إذا أحسن ويعتذر ويتوب إذا قصر فهذا هو المتدين الحقيقي الذي تتقدم به الأمة فهو متفوق في عمله وموفق في بيته ومحسن لغيره.