عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-04-2012, 09:33 PM
vip_vip vip_vip غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى vip_vip
افتراضي 89 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان :( الهم )

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
89 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان :( الهم )
ألقاها الأخ فضيلة الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع المجموعات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
89 - خطبتى الجمعة بعنوان
( الهم )
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
الحمد لله قدّر الأمور و قضاها ، و على ما سبق به علمه أمضاها ،
أحمده سبحانه عزَّ ربًا و جلَّ إلهًا ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
أظهر الأدلة على وحدانيته و جلاَّها ، و علم مبدأ الأمور و منتهاها ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدًا عبد الله و رسوله خير البرية و أزكاها ،
و أفضل الإنسانية شرفًا و جاهًا ، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه
أعلام البرية و بدور دجاها ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
و سلم تسليمًا كثيرًا لا يتناهى .
أمّــا بــعــد :
فأوصيكم أيها الناس و نفسي بتقوى الله عز و جل ، فاتقوا الله رحمكم الله ،
فأيّامُ المرءِ حَبلٌ ممدود لا يدري متى ينقطع ، و طرفَا هذا الحبلِ ماضٍ و حاضرٌ و مستقبلٌ ،
فلربما التَفَتَ إلى الماضي يتحسَّر عليه فيقنط ، أو يحزن عليه فيكسَل ،
و لربما التفَتَ إلى المستقبلِ مشرئبًّا إلى معرفتِه قبل أوانه ، و متشوفاً إلى سبر أغواره و فك أسراره ،
فبات قلقاً مهموماً .
و الواقعُ -عبادَ الله- أنه ليس للمرء إلا الحاضرُ الذي يعيش فيه ؛ لأنَّ أمس الماضي لا يجدُ لذّته
و لا يحسّ شدّته ، و لأنَّ المستقبل غيبٌ و الأمر فيه على خطَر ؛
فما للمرء إذًا إلا السّاعة التي يعيش فيها ، فلن يستطيعَ ردَّ الأمس و لا تعجيلَ الغد .
أيها لمسلمون : ما دام الإنسان ذا روحٍ يقلِّبها ، فهو يعيش على أمرٍ قد قُدِر ،
لا يخلو فيه من مصيبة ، و قلّما ينفك عن عجيبَة ، كما أنَّ النسيم لا يهبّ عليلا سرمدًا
في حياة المرء دونما قتَر ؛ إذ المنغِّصات كثيرة ، و المشوِّشات حثيثة ،
و الأنسُ في الحياة ذو فتح و ذو إغلاق ، فمِن هذه المخاطر و الحادِثات ينشَأ هاجِس أقلَق القلوبَ ،
و أفزعَ الرجال و النساء ، ألا إنه الهمُّ .
الهم – عافاكم الله- هو شعورٌ يعتري المرء فيودِع في نفسه الحزنَ و الاضطرابَ و اليأس ،
ليزاحم الأنسَ و الاستقرار و الفأل ؛ فلا يهنأ حينَها بنوم ، و لا يلذّ بطعام ، و لا يستسيغ شرابًا .
نعم ، إنّه الهمّ الذي يُشعِر المرءَ بأن النهار لن يدركَ الليل ،
و أنّ الليل لن يعقُبه نهار ليجعل الدقيقةَ ساعات طويلةً ،
و يا للهِ ما أطول الليلَ على من لم ينم !
الهمُّ يخترِم الجسيمَ نحافةً ، و يُشيب ناصيةَ الصبيِّ و يُهرِم .
الهمّ -عباد الله- يجعل البالَ مشتَّتا و الفكرَ مشغولا ، يضيِّق على المرء الواسعةَ بما رحُبت ،
و لو سكن قصرًا ضخما أو برجًا مشيدا ؛ فيصير صدره ضيِّقًا حرجًا
كأنما يصَّعَّد في السماء حتى يكون حرضًا أو يكون من الهالكين .
و مَن منّا يا ترى الذي عاش عمرَه كلَّه بلا همٍّ ، أو لم يصبه دخانُ الهمّ و غباره
إلا من شاء الله ؛
صاحب المنصب و الشرَف يتوجَّس فقدَه كلَّ لحظة فيصيبه الهمّ ،
و للأبوان همومٌ كثيرة بسبَب حاضِر الأولاد و مستقبَلهم ،
فهما مهمومان بكسوة هذا و تزويج تلك ، و توظيفِ هذه و تربيةِ ذاك .
و إنه لمخطِئ أشدَّ الخطأ مَنْ جعَل الهمَّ حكرًا على ذوي المسكنة و الفقر ؛
لأنّنا نرى كبراء مهمومين و أغنياءَ مضطربين ، كما أننا نرى فقراءَ راضين مستقرين ،
و إذا كان بعض الفقراء يُصاب بالهمّ من فراغِ بطنِه إبّان إملاقه فإننا نرى مِن الأغنياء
من يصاب بالهمّ بسبب تخمة بطنه إبّان إغداقه . و قولوا مثلَ ذلكم -عباد الله- في الصبيّ و الشابّ ،
و الذكر و الأنثى ، و الصحيح و السقيم ، و الغني و الفقير .
إنَّ الكثيرين في الواقِع يتبرَّمون بالزوابعِ التي تحيط بهم ،
و المدلهِمّات التي تفاجئهم بين الحين و الآخر ، مع أنَّ المتاعب و الآلامَ تربة خصبةٌ
تنبت على جوانبها بذور القوة و النشاط ؛ إذ ما تفتَّقت مواهِب العظماء
إلا وسطَ ركام من المشاقّ و الجهود المضنية .
و لو رجَع المرءُ إلى نفسِه قليلا لاتَّهم مشاعره المتأجِّجة تجاهَ ما ينزل به ، فمن يدرِي ؟!
رُبَّ ضارةٍ نافعة ، و ربما صحت الأجسامُ بالعلَل ، و ربَّ محنةٍ في طيّها منحة .
معاشر الأحبة : إنّ الحوادث و الخطوبَ و إن شرّقت و غرّبت فلن ينالك منها - أيها المرء -
إلا ما كُتب لك ، و لن يُصرف عنك منها إلا ما كتِب أن يصرَف عنك ، فعلام الهم إذن ؟!
ألا تدري أنَّ عواقب الأمور تتشابَه في الغيوب ؟! فرُبّ محبوب في مكروه ،
و رُبّ خير من شرّ ،
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
[البقرة: 216] .
مرَّ إبراهيم بنُ أدهم على رجلٍ مهموم فقال له : إني سائلُك عن ثلاثة فأجِبني ،
قال : أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله ؟ أوَ ينقص من رزقِك شيءٌ قدَّره الله ؟
أوَ ينقص من أجَلك لحظة كتَبها الله ؟ فقال الرجل : لا ،
قال إبراهيم : فعلام الهم إذن ؟!
عبادَ الله ، الهمُّ جندٌ من جنودِ الله يبتلي به عباده لينظر ما يعمَلون ،
و هو و إن كان شعورًا و ليس مادّة إلا أنه أشدّ أثرًا من المؤذِيات المادية ،
و يؤكّد ذلك ما ذكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما سئل : من أشدّ جند الله ؟
فقال : الجبال ، و الجبال يقطعها الحديد فالحديد أقوى ، و النار تذيب الحديد فالنار أقوى ،
و الماء يطفئ النار فالماء أقوى ، و السّحاب يحمِل الماء فالسحاب أقوى ،
و الريح تعبَث بالسحاب فالريح أقوى ، و الإنسان يتكفَّأ الريح بيدِه و ثوبه فالإنسان أقوى ،
و النومُ يغلِب الإنسان فالنوم أقوى ، و الهمّ يغلِب النومَ ،
فأقوى جندِ الله هو الهمّ يسلِّطه الله على من يشاء من عباده ،
و لقد صدق الله إذ يقول :
{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ
وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء
كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }
[الأنعام: 125].
بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ، و نفعني و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم .
أقول قولي هذا ، و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين و المسلمات من كلّ ذنب ،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

رد مع اقتباس