عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 08-21-2013, 06:19 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

وكذلك تنقسم هذه الحروف إلى قسمين آخرين :
أحدهما حروف غير شديدة ، وإلى الحروف الشديدة ،
وهي التي تمنع الصوت أن يجري فيه ،
وهي الهمزة ، والقاف والكاف و الجيم و الظاء والذال و الطاء والباء ،
وقد علمنا
أن نصف هذه الحروف أيضا
هي مذكرة في جملة تلك الحروف التي بني عليها تلك السورة .
ومن ذلك الحروف المُطبقة
وهي أربعة أحرف ، وما سواها منفتحه ،
فالمطبقة : الطاء و الظاء ، و الصاد ، و الضاد .
وقد علمنا
أن نصف هذه [ الحروف ] في جملة الحروف المبدوء بها في أوائل السور .
وإذا كان القوم ـ
الذين قسموا في الحروف هذه الأقسام لأغراض لهم في ترتيب العربية
وتنزيلها بعد الزمان الطويل من عهد النبي صلى الله عليه و سلم ،
رأوا مباني اللسان على هذه الجهة ،
وقد نبه بما ذكر في أوائل السور على ما لم يذكر ،
على حد التصنيف الذي وصفنا ـ
دل على أن وقوعها الموقع الذي يقع التواضع عليه ، بعد العهد الطويل ،
لا يجوز أن يقع إلا من الله عزّ وجلّ، لأن ذلك يجري مجرى علم الغيوب .
وإن كان إنما تنبهوا
على ما بني عليه اللسان في أصله على ما بني عليه اللسان في أصله
ولم يكن لهم في التقسيم شيء وإنما التأثير لمن وضع أصل اللسان .
فذلك أيضاً من البديع الذي يدل
على أن أصل وضعه وقع موقع الحكمة التي يقصر عنها اللسان .
فإن كان أصل اللغة توقيفاً فالأمر في ذلك أبين ،
وإن كان على سبيل التواضع فهو عجيب أيضاً ،
لأنه لا يصح أن تجتمع هممهم المختلفة على نحو هذا
إلا بأمر من عند الله تعالى . و كل ذلك يوجب إثبات الحكمة
في ذكر هذه الحروف على حد يتعلق به الإعجاز من وجه .
وقد يمكن أن تعاد فاتحة كل سورة لفائدة تخصها في النظم ،
إذا كانت حروفاً ، كنحو (الم) ، لأن الألف المبدوء بها هي أقصاها مطلعاً،
واللام متوسطة، والميم متطرفة ، لأنها تأخذ في الشفة ،
فنبه بذكرها على غيرها من الحروف ، وبين أنه إنما أتاهم بكلام منظوم
مما يتعارفون من الحروف التي تتردّد بين هذين الطرفين .
ويشبه أن يكون التصنيف وقع في هذه الحروف دون الألف ،
لأن الألف قد تلغى ، وقد تقع الهمزة وهي موقعاً واحداً .
10- ومعنى عاشراً :
وهو أنه سبيله ، فهو خارج عن الوحشيّ المستكرّه ، والغريب المستنكّر ،
وعن الصنعة المتكلّفة .
وجعله قريباً إلى الأفهام ، يبادِرُ معناه لفظه إلى القلب ،
ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس .
وهو مع ذلك ممتنع المطلب ، عسير المتناول ،
غير مطمع مع قربه في نفسه ،
ولا مُوهمٍ مع دنوّه في موقعه أن يُقدّر عليه أو يُظفر به .
فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذّل ،
والقول المسفسف ، فليس يصحُّ ، أن تقع فيه فصاحةٌ أو بلاغة ،
فيطلب فيه الممتنع ، أو يوضع فيه الإعجاز .
ولكن لو وضع في وحشيّ مستكره ، أو غمر بوجوده الصنعة ،
وأطبق بأبواب التعسف والتكلف :
لكان لقائل أن يقول فيه و يعتذر ، أو يعيب و يقرع .
ولكنه أوضح منارة و قرَّب منهاجه ، و سهّل سبيله ،
وجعله في ذلك متشابهاً متماثلاً ، و بيّن مع ذلك إعجازهم فيه .
وقد علمت
أن كلام فصحائهم وشعر بلغائهم لا ينفك من تصرف في غريب مستنكر ،
أو حشيّ مستكره ، و معان مستبعدة .
ثم عدولهم إلى كلام مبتذّل و ضيع لا يوجد دونه في الرتبة ،
ثم تحوّلهم إلى كلام معتدل بين الأمرين ، متصرف بين المنزلتين .
فمن شاء أن يتحقق هذا نظر في قصيدة أمرؤ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
ونحن نذكر بعد هذا على التفصيل ما تتصرف إليه هذه القصيدة ونظائرها
ومنزلتها من البلاغة ، ونذكر وجه فوت نظم القرآن محلها ،
على وجه يؤخذ باليد ، و يُتناول من كثب ،
ويُتصوَّر في النفس كتصور الأشكال .
ليتبين ما ادعيناه من الفصاحة العجيبة للقرآن .
واعلم أن من قال من أصحابنا : إن الأحكام معلله بعلل موافقة لمقتضى العقل
جعل هذا وجهاً من وجوه الإعجاز ، وجعل هذه الطريقة دلالة فيه ،
كنحو ما يعللون به الصلاة و معظم الفروض و أصولها .
ولهم في كثير من تلك العلل طرق قريبة ، ووجوه تستحسن .
وأصحابنا من أهل خراسان يولعون بذلك ، ولكن الأصل الذي يبنون عليه ،
عندنا غير مستقيم . وفي ذلك كلام يأتي في كتابنا في الأصول .
وقد يمكن في تفاصيل ما أوردنا من المعاني الزيادة و الإفراد ،
فإنا جمعنا بين الأمور ، و ذكرنا المزية المتعلقة بها .
وكل واحد من تلك الأمور مما قد يمكن اعتماده في إظهار الإعجاز فيه .
فإن قيل : فهل تزعمون أنه معجز ، لأنه حكاية لكلام القديم سبحانه ،
أو لأنه عبارة عنه .
أو لأنه قديم في نفسه ؟
قيل : لسنا نقول بأن الحروف قديمة ، فكيف يصح التركيب على الفاسد ؟
ولا نقول أيضاً : إن وجه الإعجاز في نظم القرآن [ من أجل ]
أنه حكاية عن كلام الله ، لأنه لو كان كذلك لكانت التوراة والإنجيل وغيرهما
من كتب الله عز جل معجزات في النظم والتأليف .
وقد بيّنا أن إعجازها في غير ذلك ،
وكذلك كان يجب أن تكون كل كلمة مفردة معجزة بنفسها و منفردها ،
وقد ثبت خلاف ذلك.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس