عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-15-2010, 12:28 PM
vip_vip vip_vip غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى vip_vip
افتراضي

كل ذلك إبان غفلةٍ عما ينبغي أن يقِفه المؤمن تجاهَ هذه الرؤى ،


و أن هناك هديا نبويا للتعامل معها ، ينبغي أن لا يتجاوزه المرء فيطغى ،


و لا يتجاهله فيعيى ؛ و لأجل أن نقف جميعا على صورة مثلى للتعامل


مع الرؤى المتكاثرة فلنستمع إلى جملة من الآداب المرعية تجاه هذه الظاهرة


الناخرة في المجتمع ، فقد روى مسلم في صحيحه أن أبا سلمة قال :


كنت أرى الرؤيا أُعرَى منها ـ أي : أمرض منها ـ


غير أني لا أزَمَّل حتى لقيتُ أبا قتادة فذكرت ذلك له


فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :


(( الرؤيا من الله ، و الحلم من الشيطان ،


فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً و ليتعوّذ بالله من شرها ،


فإنها لن تضرّه )) ،


و في رواية عند مسلم أيضاً قال أبو سلمة :


إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من جبل ، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث ، فما أباليها .


و من هنا ـ عباد الله ـ فما كل ما يراه النائم يُعد من الرؤى التي لها معنى تفسَّر به ؛


إذ إن ما يراه النائم في منامه يتنوّع إلا ثلاثة أنواع لا رابع لها ،


كما عند ابن ماجه في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه


عن النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم قال :


(( إن الرؤيا ثلاث :


منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ،


و منها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ،


و منها جزء من ستة و أربعين جزءاً من النبوة )) .


يقول البغوي يرحمه الله : " في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان


في منامه يكون صحيحاً و يجوز تعبيره ، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز و جلّ ،


و ما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها " .


و مثال هذه الأضغاث ـ عباد الله ـ ما رواه مسلم في صحيحه أن أعرابياً


جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله،


رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددتُ على أثره !!


فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للأعرابي :


(( لا تحدث الناس بتلعّب الشيطان بك في منامك )) .


فأما موقف المرء من هذا النوع من الرؤى و هو الغالب على حال الكثيرين


فإنه قد جاء في السنة آداب خاصة به في أحاديث صحيحة في الصحيحين و غيرهما ،


و هي التعوذ بالله من شر هذه الرؤيا و من شر الشيطان ،


و أن يتفل الرائي حين يهُبّ من نومه ثلاثاً عن يساره ، و أن لا يذكرَها لأحد أصلا ،


و أن يصلي ما كُتب له ، و أن يتحوّل من جنبه الذي كان عليه .


و زاد بعض أهل العلم قراءةَ آية الكرسي لما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم


أن من قرأها لا يقربهُ شيطان ، و هذا النوع الأول من الرؤى إنما هو من الشيطان ،


و أما النوع الثاني من الرؤى فهو ما يحدِّث به المرء نفسَه في يقظته ،


كمن يكون مشغولا بسفر أو تجارة أو نحو ذلك ، فينام فيرى في منامه


ما كان يفكّر فيه في يقظته ، و هذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها .


فلا يبقى إلا النوع الثالث و هو الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله ،


و هي التي تكون بشارة أو نذارة ،


و قد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام


أنه يذبح ابنَه في المنام ،


و قد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبُرها


كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام .


و هذا النوع هو الذي نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم


أن يُقصّ إلا على عالم أو ناصح ، فقد قال صلوات الله و سلامه عليه :


(( لا تُقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح ))


رواه الترمذي .


و ما عدا ذلك من الرؤى التي تتعلق بإثبات شيء من أحكام الشريعة


في حلال أو حرام أو فعل عبادة أو تحديد ليلة القدر مثلاً


و هي التي أرِيَها النبي صلى الله عليه و سلم ثم أُنسيَها أو تلك الرؤى


التي ينبني عليها آثار متعدية تتعلق بحقوق الناس و حرماتهم و إساءة الظنون بهم


من خلال بعض الرؤى مثلا أو الحكم على عدالتهم و نواياهم من خلالها ،


فإن ذلك كلَّه من أضغاث الأحلام و من الظنون التي لا يجوز الاعتماد عليها


في قول جمهور أهل العلم .


و قد ذكر الشاطبي يرحمه الله في كتابة الاعتصام أن الخليفة المهدي


أراد قتل شريك بن عبد الله القاضي فقال له شريك :


و لِم ذلك ـ يا أمير المؤمنين ـ و دمي حرام عليك ؟!


قال : لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك و أنت تكلمني من قفاك ،


فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها فقال :


هذا رجل يطأ بساطَك و هو يُسِرّ خلافَك ،


فقال شريك : يا أمير المؤمنين ، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب ،


و إن دماء المسلمين لا تسفَك بالأحلام ،


فنكَّس المهدي رأسه و أشار إليه بيده أن اخرُج ، فانصرف .


و قد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن بعضهم رأى في المنام الشافعيَّ يرحمه الله


فقال له : كذبَ عليَّ يونس بن عبد الأعلى في حديث ،


ما هذا من حديثي و لا حدثتُ به ،


فقال الحافظ ابن كثير رحمه الله معلقاً على هذا الكلام :


" يونس بن عبد الأعلى من الثقات لا يُطعن فيه بمجرد منام " .


ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، و أستغفروا ربكم إنه كان غفاراً .


نفعني الله و إياكم بالقرآن العظيم ، و بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم ،


أقول قولي هذا ، و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة ،


فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

رد مع اقتباس