يغتسل بأغلى العطو و رائحته كريهه
اعجبتنى جدا هذه القصة, فقد وجدت فيها معنى جميل و خطير فى نفس
الوقت ربما يخفى على الكثير منا, فى لجوءنا الى الله و توجهنا اليه
حسنا سأترككم مع القصة لتعرفوا بانفسكم ذاك المعنى الذى أقصده
كان الرجل مريضا بمرض عضال لا يعرف له علاجا فكلما جلس فى مكان
قال له الناس- رائحتك كريهة ألا تستحم.وتردد على الأطباء وفحص
الأنف والجيوب والحلق والأسنان واللثة والكبد والأمعاء وكانت
النتيجة لا مرض فى أى مكان بالجسد ولا سببا عضويا مفهوم لهذه
الرائحة.و كان يتردد على الحمام عدة مرات فى اليوم ويغتسل بأغلى
العطور فلا تجدى هذه الوسائل شيئا.. ولا يكاد يخرج إلى الناس حتى
يتحول إلى قبر منتن يهرب منه الصديق قبل العدو.وذهب يبكى لرجل
هذه ليست رائحة جسدك ولكن رائحة أعمالك .
تلك بعض الأسرار التى يكشف عنها الله الحجاب ويبدو أن الله أحبك
وأراد لك الخير وأحب أن يمهد لك الطريق إلى التوبة.
أنا بالحق أعيش على السرقة والاختلاس والربا وأزنى
وقد رأيت فهذه رائحة أعمالك.
الحل أصبح واضحا، أن تصلح أعمالك وتتوب إلى الله توبة نصوحا.
وتاب الرجل توبة نصوحا و اقلع عن جميع المنكرات ولكن رائحته ظلت
كما هى.. فعاد يبكى إلى الرجل الصالح..
لقد أصلحت أعمالك الحاضرة، أما أعمالك الماضية
فقد نفذ فيها السهم.. ولا خلاص منها إلا بمغفرة.
إن الحسنات يذهبن السيئات فتصدق بمالك.. والحج المبرور يخرج منه
صاحبه مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه فاقصد الحج.. واسجد لله
وابك على نفسك بعدد أيام عمرك..
وتصدق الرجل بماله وخرج إلى الحج وسجد فى كل ركن بالكعبة وبكى
بعدد أيام عمره ولكنه ظل على حاله تعافه الكلاب وتهرب منه الخنازير
إلى حظائرها فآوى إلى مقبرة قديمة وسكنها وصمم ألا يبرحها حتى يجعل
الله له فرجا من كربه.وما كاد يغمض عينيه لينام حتى رأى فى الحلم
الجثث التى كانت فى المقبرة تجمع أكفانها وترحل هاربةوفتح عينيه فرأى
جميع الجثث قد رحلت بالفعل وجميع اللحود فارغة فخر ساجدا يبكى
فمر به الرجل الصالح.. وقال له:
هذا بكاء لا ينفع فإن قلبك يمتلئ بالاعتراض وأنت لاتبكى اتهاما
لنفسك بل تتهم العدالة الإلهية فى حقك.
هل ترى أن الله كان عادلا فى حقك؟
بالضبط.. إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك.. وبهذا قلبت الأمور
فجعلت الله مذنبا وتصورت نفسك بريئا.. وبهذا كنت طول الوقت تضيف
إلى ذنوبك ذنوبا جديدة فى الوقت الذى ظننت فيه أنك تحسن العمل.
لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذابا أكبر ولعرفت أن الله
الذى ابتلاك لطف بك.. ولكنك اعترضت على ما تجهل واتهمت ربك
بالظلم.. فاستغفر وحاول أن تطهر قلبك وأسلم وجهك.. فإنك إلى الآن
ورغم حجك وصومك وصلاتك وتوبتك لم تسلم بعد.
نعم لست مسلما، فالإسلام هو إسلام الوجه قبل كل شئ.. وذلك لا يكون
إلا بالقبول وعدم الاعتراض والاسترسال مع الله فى مقاديره وبأن يستوى
عندك المنع والعطاء، وأن ترى حكمة الله ورحمته فى منعه كما تراه
فى عطائه، فلا تغتر بنعمة ولا تعترض على حرمان فعدل الله لا يتخلف،
وهو عادل دائما فى جميع الأحوال ورحمته سابغة فى كل ما يجريه
من مقادير فقل لا إله إلا الله ثم استقم.. وذلك هو الإسلام.
إنى أقول لا إله إلا الله كل لحظة.
تقولها بلسانك ولا تقولها بقلبك ولا تقولها بموقفك وعملك.
إنك تناقش الله الحساب كل يوم وكأنك إله مثله.. تقول له استغفرت
فلم تغفر لى.. سجدت فلم ترحمنى.. بكيت فلم تشفق على.. صليت
وصمت وحججت إليك فما سامحتنى.. أين عدلك؟
وربت الرجل الصالح على كتفيه قائلا
التوحيد أن تكون إرادة الله هى عين ما تهوى وفعله عين ما تحب وكأن
يدك أصبحت يده ولسانك لسانه.. التوحيد هو أن تقول نعم وتصدع بالأمر
مثل ملائكة العزائم دون أن تسأل لماذا.. لأنه لا إله إلا الله.. لا عادل
ولا رحمن ولا رحيم ولا حق سواه.. هو الوجود وأنت العدم..
فكيف يناقش العدم الوجود.. إنما يتلقى العدم المدد من الوجود
ساجدا حامدا شاكرا.. لأنه لا وجود غيره
هو الإيجاب وما عداه سلب.هو الحق وما عداه باطل.
فبكى الرجل وقد أدرك أنه ما عاش قط وما عبد ربه قط.
الآن عرفت فالزم.. وقل لا إله إلا الله
ثم استقم.. قلها مرة واحدة من أحشائك.
فتضوع الياسمين وانتشر العطر وملأ العبير الأجواء وكأن روضة
من الجنة تنزلت على الأرض.وتلفت الناس وقالوا من هناك من ذلك
الملاك الذى تلفه سحابة عطر.