الحمد لله الذي أسبغ علينا نِعمًا عِدادًا ، و بعث فينا سراجًا وقَّادًا ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توعَّد الأفّاكين لظى مِهادًا ،
و أشهد أنَّ نبيَّنا و سيّدنا محمّدًا عبد الله و رسوله
أعظم البريّة قدرًا و شرفًا ، و أرأفهم فؤادًا ،
صلى الله و سلّم و بارك عليه ،
وعلى آله وصحبه الذين عزّروه و وقّروه
و أمضوا في محبّته أرواحًا و أجسادًا ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمـــا بعـــد :
فيا أيها الإخوة : فمن الآيات الباهرات ما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال :
كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسقون عليه و أنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره ،
و أن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم فقالوا :
إنه كان لنا جمل نسقي عليه ، و أنه استصعب علينا و منعنا ظهره ،
و قد عطش الزرع و النخل ،
فقال رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم لأصحابه :
(( قوموا ))
فقاموا فدخل الحائط و الجمل في ناحيته ،
فمشى النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم نحوه فقالت الأنصار :
يارسول الله إنه قد صار مثل الكَلب الكَلِب ( إي الكلب المفترس )
و إنا نخاف عليك صولته ،
فقال :
(( ليس عليّ منه بأس )) ،
فلمّا نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
أقبل نحوه حتى خر ساجداً بين يديه ،
فأخذ رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم بناصيته أذلّ ما كانت قط ،
حتى أدخله في العمل ، فقال له أصحابه : يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ،
و نحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك فقال :
(( لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ،
و لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها
من عظم حقه عليها ،
و الذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة
تتفجر بالقيح و الصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه ))
[ حديث صحيح : أخرجه أحمد ( 3/159 ) ،
و قال ابن كثير ( 6/149 ) : إسناده جيد ] .
و استمعوا يرعاكم الله إلى هذه القصة التي رواها الإمام أحمد في مسنده ،
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
بينما راع يرعى بالحرّة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه ،
فجاء الراعي يسعى فانتزعها منه ،
فقال الذئب للراعي : ألا تتقي الله تحول بيني و بين رزق ساقه الله إلي ؟!
قال الراعي : العجب لذئب يتكلم ، و الذئب مقعٍ على ذنبِه يكلّمني بكلام الإنس ،
فقال الذئب للراعي : ألا أحدثك بأعجب من هذا ؟!
هذا رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم بين الحرتين
يحدّث الناس بأنباء ما قد سبق ، فساق الراعي شياهه إلى المدينة ،
فزواها في زاوية من زواياها ، ثم دخل على
رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم فقال له ما قـاله الذئب ،
فخرج رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم فقال للراعي :
(( فأخبر الناس ما قاله الذئب )) ،
فقال رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم :
(( صدق الراعي ، ألا إن من أشراط الساعة كلام السباع الإنس ،
و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ،
يكلّم الرجلَ نعلُه و عذبةُ سوطه و يخبره فخذه بحدث أهله بعده )) .
أيها الإخوة المؤمنون ، هذا هو نبيكم عليه الصلاة و السلام
الذي خصه الله عن بقية إخوانه من الأنبياء و المرسلين و الناس أجمعين
بخصائص في الدنيا و الآخرة لم تكن لغيره ؛
كرامة و تشريفًا لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم .
أظهر الله على يديه من المعجزات ما يبهر العقول ، ففلق له القمر فلقتين ،
و تكلمت الحيوانات بحضرته ، و سبح الطعام بين يديه ، و سلم عليه الحجر و الشجر ،
و تكاثر له الطعام و الشراب كرامة من عند الله ، و أخبر بالمغيبات ،
فما زالت تتحقق في حياته و بعد وفاته .
خصه الله يوم القيامة فأعطاه الله الوسيلة و الفضيلة و المقام المحمود ،
و هو مقام الشفاعة العظمى للخلائق عند ربهم حتى يفصل فيهم ،
و يشفع لأمته حتى يبلغوا ثلثي أهل الجنة .
أكرم الله أمته كرامة له ، فكانت خير أمة أخرجت للناس ، و أحل الله لها الغنائم ،
و وضع عنها الآصار و الأغلال التي كانت على من قبلهم ،
و تجاوز عنهم الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه ،
و حفظ هذه الأمة من الهلاك و الاستئصال ، و جعلها أمة لا تجتمع على ضلالة ،
و أعطاهم الله الأجر العظيم على العمل القليل ،
و يأتون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء ، و يسبقون الأمم إلى الجنة .
معاشر المسلمين : حري بنا و نحن نستعرض
سيرته صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم و معجزاته ،
أن نوفيه شيئاً من حقه صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم علينا ،
بأن نكثر من الصلاة و السلام عليه و على آله و ذريته ،
و أن يخالط حبه شغاف قلوبنا حتى يكون أحب إلينا
من مالنا و ولدنا و والدنا و الناس أجمعين ،
و أن نسأل الله له الوسيلة و الفضيلة كما أمر بذلك
بأبي هو و أمي عليه الصلاة و السلام ،
و جماع ذلك كله في طاعته فيما أمر و اجتناب ما نهى عنه و زجر .
اللهم إنا نشهدك على محبته ، و محبة صحابته ، و آل بيته و ذريته ،
اللهم فاحشرنا مع من أحببنا ، و اجمعنا بمن احببنا ،
اللهم ارزقنا شفاعة نبيك و حبيبك محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ،
اللهم اكرمنا بالسلام عليه ، و الجلوس بين يديه ، و تقبيل يديه ،
و اسقنا من حوضه الشريف و من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبداً .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم *
فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت
وهو رب العرش العظيم }
هذا ، و صلّوا ـ رحمكم الله ـ على خير البريّة و أزكى البشرية محمّد بن عبد الله ،
فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه ، و ثنّى بملائكتِه المسبِّحةِ بقدسه ،
و أيّه بكم أيّها المؤمنون ،
فقال عز و جل خير و أصدق قائل سبحانه :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[ الأحزاب : 56 ] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و بارك على عبدِك و رسولك محمّد الأمين ،
و آله الطيِّبين الطاهِرين ، و أزواجِه أمُهاتنا أمَّهات المؤمنين ،
و أرضَ اللَّهمَّ عن الخلفاء الأربعةِ الراشدين ؛ أبي بكر و عمَرَ و عثمان و عليّ ،
و عن الصحابةِ أجمعين ، و التابعين و مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جودِك و كرمك و إحسانك يا أكرمَ الأكرمين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أنصر عبادَك المؤمنين...
ثم الدعاء بما ترغبون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت