و أصلّي و أسلِّم على سيدنا و نبينا محمّدٍ من قرَّبه ربّه نجيًّا و كان به حفيًّا ،
صلّى الله و سلَّم و بارك عليه ، و على آلِه و صحبِه الذين كان كلٌّ منهم راضيًا مرضيًّا .
أمّـــا بعـــد :
فاتقوا الله عباد الله ، فمن لزم التقوى أمِن غِيَر الفِتَن ،
و نجا بإذن الله في صروفِ المحن .
أيها المؤمنون ، و عاشرُ الأشراط و ختامُها المؤذِنَة بوشيكِ ساعة القيامِ
ظهورُ نارٍ مِن قَعر عَدَن ، تسوقُ الناسَ إلى أرضِ المحشَر في الشّام ،
تَقيل معهم حيث قالوا ، و تبيت معهم حيث باتوا ،
كما صحّ بذلك الخبر عن سيِّد البشر عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام .
يعقُب تلك الآياتِ القاهرات ـ و لله الأمر من قبلُ و من بعد ـ
أمرُ اللهِ للدّنيا بالزوال و الأفُولِ ، و للكَون بالنهاية و القُفول ، فينفَخ في الصور ،
و تبعَث الخلائق من القبور لأهوالِ يومِ النشور .
إلى عمل محسوبٍ و ميزانٍ منصوب و مُجَازٍ عظيمٍ ، في يوم يكثر فيه الراجون ،
و يقل فيه الناجون ، فيا له من يومٍ هائل عصيب ، يشتدّ فيه الهلعُ و الوجل ،
فاللّهمّ سلّم سلّم .
أيّها الإخوة الأحبّةُ في الله ، و ممّا يجمُل التنبيهُ إليه كونُ ميعاد الساعة غيبًا
لا أحدَ يعلم تأريخه و لا تحديده إلا الله ،
( يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا )
[النازعات: 42-44] .
و كونُ ظهورِ بعضِ الحوادثِ العالميّة أو الكوارِثِ الكونيّة و تطبيقُها
على أنها المقصودَة في الأشراط فباطلٌ لا يصحّ ، فالحذر الحذَر من الجزمِ
في تنزيل نصوصِ الوحي و أشراطِ الساعة على حوادثِ العصر و قضايا الواقِع
و وقائعِ هذا الزمان ، و التلبيس على الناس في ذلك ، و القطع بتحديدها ،
كما يحصل من بعض المفتونِين على نوازِلَ بأعيانها و أشخاص بذواتهم ،
و مرَدّ بيان ذلك إلى أهلِ العلم الربّانيِّين ،
و تلك الإشاعاتُ ـ على ما سبقَ ـ من صُغرى العلامات .
كما يُستَلطَف بالإشارةِ إلى أنّه ينبغي الاتعاظ و الاعتبار بقوارع الدهر و حوادث الكون ،
فما حصل بالأمس و يحصل اليوم ما هو إلا من آيات الله و نذره
( وما نرسل بالأيات إلا تخويفاً )
فالله الله في الرجوع إلى الله ، و محاسبة النفس قبل فوات الأوان ،
فالمؤمن كيس فطن ، و العاقل الحصيف من اتعظ بغيره و لم يتعظ به الآخرون .
أيها الإخوة في الله ، و مِنَ المبشِّراتِ في زمن التحدّيات
و في سياق الحديث عن أشراط الساعة قولُه صلى الله عليه و سلم
فيما أخرجه الشيخان من حديثِ أبي هريرةَ رضى الله تعالى عنه :
(( لا تقوم الساعةُ حتى تقاتِلُوا اليهودَ ، حتى يقولَ الحجر :
يا مسلم ، هذا يهوديّ ورائي فاقتله )) .
اللّهمّ يا مولاَنا و خالِقَنا و رازِقَنا ، انصرنا على أعدائنا ،
و ارحمنا و اغفِر لنا و اعفُ عنّا فضلاً وجودًا و منًّا لا باكتِسابٍ مِنَّا ،
و اختِم لنا أعمارنا بخير ، و اجعل عواقب أمورنا إلى خَير ،
و مُنَّ علينا بالتوبة و الإنابة ، و اجعَل بلادنا آمنة مطمئنة و سائر بلاد المسلمين ،
يا خيرَ مسؤول ، و يا أكرمَ مأمول .
هذا وصلّوا و سلّموا ـ رحمكم الله ـ على إمامِ الأنبياء و سيِّد البريّات ،
المبعوثِ رحمةً بختامِ الرّسالات ، و المُخبِر عن المغيَّبات بأصدَقِ البيِّنات ،
و على آلِه الطاهرين و زوجاته الطاهرات ، و صحبه البرَرَة بدورِ الدُّجُنّاتِ ،
كما أمركم ربكم بذلك في محكمِ الآيات ،
فقال تعالى و هو الصادق فى قيلِه و فى أحسن تنزيله قولاً كريمًا :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و بارك على نبيِّنا محمَّد بن عبد الله ،
النّبيّ المصطفَى و الرسول المجتَبى و الحبيب المرتَضَى ،
و على آله و أصحابه و من سارَ على نهجِهم و اقتفى ،
يا خير من تجاوز و عفا .
اللَّهمّ أعزَّ الإسلام و المسلمين ، و أَذِلّ الشركَ و المشركين ، و دمّر أعداءَ الدين...
و الدعاء بما تحبون و من خالقكم ترجون
فأنه بنا لطيف خبير سبحانه و تعالى