عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-21-2013, 06:14 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

فالذي يشتمل عليه بديع نظمه ، المتضمن للإعجاز وجوده :
1-منها ما يرجع إلى الجملة
وذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه ، وتباين مذاهبه ،
خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم ،
ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم ، وله أسلوب يختص به ،
ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد .
وذلك أن الطرق التي يتقيد بها الكلام البديع المنظوم
تنقسم إلى أعاريض الشعر ، على اختلاف أنواعه ،
ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى ،
ثم على أصناف الكلام المعدل المسجع ، ثم إلى معدل موزون غير مسجع ،
ثم إلى ما يرسل إرسالاً، فتطلب فيه الإصابة و الإفادة ،
وإفهام المعاني المعترضة على وجه بديع، وترتيب لطيف ،
وإن لم يكن معتدلاً في وزنه ،
وذلك شبيه بجملة الكلام الذي لا يتعمل [ فيه ] ، ولا يتصنع له .
وقد علمنا
أن القرآن خارج عن هذه الوجوه ، ومباين لهذه الطرق .
ويبقى علينا أن نبين أنه ليس من السجع ، ولا فيه شيء منه ،
وكذلك ليس من قبيل الشعر ، لأن من الناس من زعم أنه كلام مسجع ،
ومنهم من يدعي فيه شعراً كبيراً ، والكلام عليهم يذكر بعد هذا الموضع .
فهذا إذا تأمله المتأمل تبين ـ بخروج عن أصناف كلامهم ،
وأساليب خطابهم ـ أنه خارج عن العادة ، و أنه معجز ،
وهذه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن ، و تميٌّز حاصل في جميعه .
2-ومنها أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة
والغرابة ، والتصرف البديع ، والمعاني اللطيفة ، والفوائد الغزيرة ،
والحكم الكثيرة ، والتناسب في البلاغة ، والتشابه في البراعة ،
على هذا الطول ، وعلى هذا القدر .
وإنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة و ألفاظ قليلة ،
وإلى شاعرهم قصائد محصورة ، يقع فيها ما نبينه بعد هذا من الاختلال ،
ويعترضها ما نكشفه من الاختلاف ،
ويشملها ما نبديه من التعامل والتكلف والتجوز والتعسف .
وقد حصل القرآن على كثرته وطوله متناسباً في الفصاحة
على ما وصفه الله تعالى به ،

ففال عزَّ من قائل :
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَرَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُجُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِاللَّهِۚ}
[ الزمر : 23 ]
و قوله :
{ وَلَوْ كَانَمِنْعِنْدِ غَيْرِاللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِاخْتِلافًاكَثِيرًا }
[ النساء : 82 ] .
فأخبر سبحانه أن كلام الآدمي إن امتد وقع فيه التفاوت ،
وبأن عليه الاختلال.
وهذا المعنى هو غير المعنى الأول الذي بدأنا بذكره، فتأمله تعرف الفصل .
3-وفي ذلك معنى ثالث :
وهو أن عجيب نظمه ، وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين ،
على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها ،
من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج ، وحكم وأحكام ، وأعذار وإنذار ،
ووعد ووعيد ، وتبشير وتخويف ، وأوصاف ، وتعليم أخلاق كريمة ،
وشِيم رفيعة ، وسير مأثورة ، وغير ذلك من الوجوه التي يشتمل عليها .
ونجد كلام البليغ الكامل والشاعر المفلق ، والخطيب المصقع ،
يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور .
فمن الشعراء من يجوّد في المدح دون الهجو .
· ومنهم من يبرز في الهجو دون المدح
· ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين
· ومنهم من يجود في التأبين دون التقريظ
· و منهم من يغرب في وصف الإبل أو الخيل ، أو سير الليل ،
أو وصف الحرب ، أو وصف الروض ، أو وصف الخمر ، أو الغل ،
أو غير ذلك مما يشتمل عليه الشعر و يتناوله الكلام ،
ولذلك ضرب المثل بامرئ القيس إذا ركب ، والنابغة إذا رهب ،
وبزهير إذا رغب .
ومثل ذلك يختلف في الخطب و الرسائل و سائر أجناس الكلام .

رد مع اقتباس