عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-19-2011, 12:29 AM
vip_vip vip_vip غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى vip_vip
افتراضي 76 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان : ( لماذا السفر )



76 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان : ( لماذا السفر )
ألقاها الأخ فضيلة الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى


أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع المجموعات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================


76 - خطبتى الجمعة بعنوان ( لماذا السفر )



الحمد لله تعظم ملكوته فاقتدر ، و عز سلطانه فقهر ،

و أشهد أن لا إله إلا الهه وحده لا شريك له


أمرنا بتقواه في الحضر و السفر ،


و أشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله و رسوله


الشافع المشفع في المحشر،


صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله السادة الغرر ،


و التابعين و من تبعهم بإحسان و سلم تسليماً كثيراً .



أمّــا بــعــد :



فيا عباد الله ، خيرُ الوصايا الوصيّة بتقوى ربِّ البرايا ،


فتقواه سبحانه أنفع الذخائر للمسلم و أبقاها ، و آكدُ المطاب و أقواها ،


في قفوها منازلُ الحقّ و التوفيق ، و في التزامها الاهتداء إلى الرأي الثاقبِ الوثيق ،


فاتقوا الله ـ رحمكم الله ـ في كلّ أحوالكم ، في حلّكم و ارتحالكم، و ظعنِكم و انتقالكم ،


و مَن تنكّب سواء التقوى انقلب خاسئًا و هو حسير ، فلبئس المولى و لبئس العشير.


أيها المسلمون : ما أكثر ما يسافر الناس لشؤون حياتهم ! مادية أو معنوية ،


و لقد سافر رسول الله صلى الله عليه و سلم مرات و مرات ، إبّان شبابه قبل البعثة ،


و بعد نبوته ما بين حج و عمرة ، و جهاد و تجارة .


و السفر غالباً يعري الإنسان من الأقنعة التي كانت تحجب طبيعته ،


و ما سمي السفر سفرا إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، و لذا فإن السياحة في الأرض ,


و التأمل في عجائب المخلوقات ، مما يزيد العبد معرفة بربه ـ عز و جل ـ ،


و يقينا بأن لهذا الكون مدبرا ، لا رب غيره و لا معبود بحق سواه .


فالمسافر يتأمل ثم يتدبر ثم يخشى ،


كل ذلك حينما يرى عجيب صنع الله و عظيم قدرته


{ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }


[النمل:88] .


و لقد أنكر الله ـ سبحانه ـ على من فقد هذا الإحساس المرهف بقوله


{ وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }


[يوسف:105].


السفر عباد الله معترى بحالتين اثنتين : حالة مدح و حالة ذم ؛


فالخروج من الملل و السآمة و الضيق و الكآبة من الناس و المكان للتأمل في خلق الله ،


أو طلب علم نافع ، أو صلة قريب أو أخ في الله هو سمة السفر الممدوح ، و هو مذموم أيضا ،


من جهة كونه محلا للمشاق و المتاعب ؛


لأن القلب يكون مشوشا و الفكر مشغولا من أجل فراق الأهل و الأحباب ؛


و لذا قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم :


(( السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم طعامه و شرابه و نومه ،


فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله ))


[رواه البخاري و مسلم] .


و المراد بالعذاب ـ عباد الله ـ ، الألم الناشئ عن المشقة ،


لما يحصل في الركوب و السير من ترك المألوف . و لقد ذهب بعض أهل العلم كالخطابي و غيره ،


إلى أن تغريب الزاني ، إنما هو من باب الأمر بتعذيبه ـ و السفر من جملة العذاب ـ


و لقد سئل إمام الحرمين : لم كان السفر قطعة من العذاب ؟


فأجاب على الفور : لأن فيه فرقة الأحباب .


إخوةَ العقيدة ، إنّ السفر الذي احتُسب فيه الأجر و الثواب و حُرِص فيه على الطاعة


لهو بحقّ روضة للعقول , و بلوغ للأنس المأمول ، و هو مَجْلاة للسّأمة ،


و بُعدٌ عن الرّتابة و النمطيّة ، و فضاءٌ رحب للاعتبار و الادكار ،


{ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ }


[العنكبوت:20] .


إبّان السفر تتجلّى عظمة الخالق البارئ سبحانه ، فتخشعُ له القلوب أمام بديع السموات و الأرض،


أمامَ بديع خلقِ الطبيعة الخلاّبة , و تسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذّابة ،


أراضٍ شاسعةٌ فسيحة ، أنبتت أجملَ زهر بأطيب ريح ،


{ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء مَاء


فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ }


[النمل:60] ،


{ أَمَّن جَعَلَ ٱلأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ


وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ }


[النمل:61].



فسبحان الله عباد الله ، مشاهدُ في الطبيعة ذائعة ، و مخلوقات بديعة تدهِش الألباب ،


و في إتقانها العجب العجاب ، تفعِم النفسَ و القلب مسرّة و ابتهاجًا ،


لكن شريطةَ أن تكونَ على ممسٍّ من القلب و الروح و الفكر . و سبحانَ الله ،


كم يغلب على كثير من الناس أن يمرّوا بهذه المناظر و كأنهم إزاءَها دونَ نواظر ،


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا


فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ }


[الحج:46] .


يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله :


" فنعوذ بالله من عيونٍ شاخصة غير بصيرة ، و قلوب ناظرةٍ غير خبيرة ".


إخوة الإيمان ، و من الحثّ اللّطيف على السفر النافع المفيد قولُ الثعالبي رحمه الله :


" من فضائل السفر أنّ صاحبه يرى من عجائب الأمصار و بدائع الأقطار


و محاسن الآثار ما يزيده علمًا بقدرة الله تعالى , و يدعوه شكرًا على نعمه " .


و هل بلغ الصحابة الأجلاء و السلف الصالح ما بلغوا مِن ذُرى القمَم


و قصَب السبق بين الأمم إلا بالرحلة في طلب الحديث و تحصيل العلوم و المعارف .


أيها المصطافون ، أيها المسافرون ، يا مَن عزمتم على جَوْب الأمصار و الأقطار


و ركوب الأجواء و البحار و اقتحام الفيافي و القفار و تحدي الشدائد و الأخطار ,


تلبّثوا مليًّا ، و تريّثوا فيما أنتم بسبيله ،


و ليكن في نواياكم أسوتكم و نبيكم صلى الله عليه و سلم ، حيث ارتحل من مكّة إلى المدينة ،


حاملاً النورَ و الضياء و الهدى و الإصلاح ، و كذلك صحابته الكرامُ في أثره ،


حيث كانوا لنشر رسالتهم الربانية المشرقة أجلَّ السفراء ، و سار في ركابهم جِلّة العلماء ،


فشقّوا الأرضَ شقًّا ، و ذرعوها سفرًا و تسيارًا ، طلبًا للعلم و الإفادة و الصلاح و السعادة ،


و تصعّدًا في مراقي الطّهر و النّبل ، كلّ ذلك على كثرة المخاوف و شُحّ الموارد


و خشونة المراكب و قلّة المؤانس ,


فهلاّ اعتبرنا بهم و شكرنا الباري جلّ في علاه على نعمِه السوابغ .


ألا فاعلموا ـ عباد الله ـ ، أن السفر في هذه الآونة ، يختلف عن السفر في قرون مضت ،


فقد مهدت الطرق ، و جرت عليها العربات الآلية بشتى أنواعها المبدعة ،


فهي تسير بهم على الأرض إن شاءوا أو تقلّهم الطائرات السابحة في الهواء إن رغبوا ،


أو تحملهم الفلك المواخر في البحر إن أرادوا ، كما أن الأزمنة قد تقاصرت ،


فما كان يتم في شهور بشق الأنفس ، أضحى يتم في أيام قصيرة بل ساعات قليلة ،


و بجهود محدودة بل و ربما عطس رجل في المشرق فشمته آخر في المغرب ،


و هذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه و سلم من أن تقارب الزمان


من علامات الساعة كما عند البخاري في صحيحه .


و مع هذه الراحة الميسرة فإن الأخطار المبثوثة هنا و هناك لم تنعدم ،


ففي الجو يركب المرء طائرة يمتطي بها صهوة الهواء ، معلقا بين الأرض و السماء ،


بين مساومة الموت و مداعبة الهلاك فوق صفيحة مائجة ،


قد يكون مصيره معلقا بأمر الله في خلخلة مسمار أو إعطاب محرك ، لاسمح الله .


مما يؤكد الاحتماء بالله و ارتقاب لطفه المترجم بلزوم آداب السفر ،


و البعد عن معصية الله في هوائه بين سمائه و أرضه ، و المستلزمة وجوبا ،


إقصاء المنكرات من الطائرات ، و التزام الملاحين و الملاحات بالحشمة و العفاف


و البعد عما يثير اللحظ أو يستدعي إرسال الطرف ،


و إن تعجب ـ أيها المسلم ـ ، فعجب ما يفعله مشركو زمان النبي صلى الله عليه و سلم


من اللجوء إلى الله في الضراء


{ فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ


فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }


[العنكبوت:65] .


و بعض عصاة زماننا سراؤهم و ضراؤهم على حد سواء ، فقبح الله أقواما ؛


مشركو زمان النبي صلى الله عليه و سلم أعلم بلا إله إلا الله منهم .


أيها المسلمون ، إن التقارب في الزمان و المكان بما هيأ الله من أسباب السرعة ،


لهو نعمة عظيمة و رحمة جُلَّى ، تستوجبان الشكر للخالق و الفرار إليه ، في مقابل التذكر ،


فيما فعله الله ـ جل و علا ـ بقوم سبأ الذين كانوا في نعمة و غبطة ، من تواصل القرى ،


بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد و لا ماء


{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـٰهِرَةً


وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً ءامِنِينَ }


[سبأ:18] .


و لكن لما بطروا نعمة الله و مالت نفوسهم إلى ضد حالهم


{ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ }


[سبأ:19] .


ففرق الله شملهم بعد الاجتماع ، و باعد بينهم بعد التقارب ، حتى صاروا مضرب المثل ؛


و لهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا : تفرقوا أيدي سبأ .


و بعدُ ـ عباد الله ـ ، فإن من أعظم فوائد السفر ، و أكثرها تعلقا بالله ، معرفةَ عظمته و قدرته ،


بالنظر إلى ما ابتدعه ـ جل و علا ـ ، خلقا جميلا عجيبا ،


من حيوان و نبات ، و ساكن و ذي حركات ، و ماذرأ فيه من مختلف الصور


التي أسكنها أخاديد الأرض ، و خروق فجاجها ، و رواسي أعلامها ، من أوتاد و وهاد ،


فصار فيها جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود ، و من ذوات أجنحة مختلفة ،


و هيئات متباينة


{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَىٰ }


[النازعات:26] .


كونها بعد أن لم تكن في عجائب صور ظاهرة ، و نسقها على اختلافها بلطيف قدرته


و دقيق صنعه ، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه ،


و منها مغموس في لون صبغ ، قد طوِّق بخلاف ما صبغ به


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلاْنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ كَذَلِكَ


إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء }


[فاطر:28] .


رد مع اقتباس