عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-05-2013, 12:11 AM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

يُوضح ذلك أن تكذيبه نوع من الكذب فإن مضمون تكذيبه الإخبار عن
خبره أنه ليس بصدق ، وذلك إبطال لدين الله ، ولا فرق بين تكذيبه في خبر
واحد أو في جميع الأخبار، وإنما صار كافرا لما تضمنه من إبطال رسالة الله
ودينه ، والكاذب عليه يُدخل في دينه ما ليس منه عمدا ،
ويزعم أنه يجب على الأمة التصديق بهذا الخبر وامتثال هذا الأمر ،
لأنه دين الله ، مع العلم بأنه ليس لله بدين .
والزيادة في الدين كالنقص منه ، ولا فرق بين من يكذب بآية من القرآن
أو يضيف كلاما يزعم أنه سورة من القران عامدا لذلك .
وأيضا ، فإن تعمد الكذب عليه استهزاء به واستخفاف؛ لأنه يزعم أنه
أمر بأشياء ليست مما أمر به ، بل وقد لا يجوز الأمر بها ، وهذه نسبة
له إلى السفه أو أنه يخبر بأشياء باطلة ، وهذه نسبة له إلى الكذب،
وهو كفر صريح .
وأيضا ، فإنه لو زعم زاعم أن الله فرض صوم شهر آخر غير رمضان ،
أو صلاة سادسة زائدة ، ونحو ذلك ، أو أنه حرم الخبز واللحم،
عالما بكذب نفسه ، كفر بالاتفاق .
فمن زعم أن النبي أوجب شيئا لم يوجبه ، أو حرم شيئا لم يحرمه ،
فقد كذب على الله ، كما كذب عليه الأول ، وزاد عليه بأن صرح بأن
الرسول قال ذلك ، وأنه أفتى القائل - لم يقله اجتهادا واستنباطا.
وبالجملة فمن تعمد الكذب الصريح على الله فهو كالمتعمد لتكذيب الله وأسوأ
حالا ، ولا يخفى أن من كذب على من يجب تعظيمه ، فإنه مستخف به
مستهين بحرمته .
وأيضا ، فإن الكاذب عليه لابد أن يشينه بالكذب عليه وينتقصه بذلك ،
ومعلوم أنه لو كذب عليه كما كذب عليه ابن أبي سرح في قوله
" كان يتعلم مني " أو رماه ببعض الفواحش الموبقة أو الأقوال الخبيثة ،
كفر بذلك، فكذلك الكاذب عليه؛ لأنه إما أن يأثر عنه أمرا أو خبرا أو فعلا ،
فإن أثر عنه أمرا لم يأمر به ، فقد زاد في شريعته ، وذلك الفعل لا يجوز
أن يكون مما يأمر به؛ لأنه لو كان كذلك لأمر به ؛ لقوله :
(ما تركت من شيءٍ يقربُكم إلى الجنةِ إلا وقد حدثتكم به ،
ولا تركتُ من شيءٍ يبعدُكم عن النارِ إلا وقد حدثتكم به )
فإذا لم يأمر به، فالأمر به غير جائز منه ، فمن روى عنه أنه قد أمر به ،
فقد نسبه إلى الأمر بما لا يجوز له الأمر به ، وذلك نسبة له إلى السفه .
وكذلك إن نقل عنه خبرا ، فلو كان ذلك الخبر مما ينبغي له الإخبار به لأخبر
به ، لأن الله تعالى قد أكمل الدين ، فإذا لم يخبر به فليس هو مما ينبغي له
أن يخبر به . وكذلك الفعل الذي ينقله عنه كاذبا فيه لو كان مما ينبغي
فعله وترجح ، لفعله ، فإذا لم يفعله فتركه أولى.
فحاصله أن الرسول أكمل البشر في جميع أحواله ، فما تركه من القول
والفعل فتركه أولى من فعله ، وما فعله ففعله أكمل من تركه ،
فإذا كذب الرجل عليه متعمدا أو أخبر عنه بما لم يكن ، فذلك الذي أخبر به
عنه نقص بالنسبة إليه ؛ إذ لو كان كمالا لوجد منه ،
ومن انتقص الرسول فقد كفر .
واعلم أن هذا القول في غاية القوة كما تراه ، لكن يتوجه أن يُفرق بين الذي
يكذب عليه مشافهة ، وبين الذي يكذب عليه بواسطة ، مثل أن يقول:
حدثني فلان بن فلان عنه بكذا ، فإن هذا إنما كذب على ذلك الرجل ونسب
إليه ذلك الحديث ،
فأما إن قال : هذا الحديث صحيح أو ثبت عنه أنه قال ذلك ، عالما بأنه كذب
، فهذا قد كذب عليه، وأما إذا افتراه ورواه رواية ساذجة ففيه نظر ،
لاسيما والصحابة عدول بتعديل الله لهم ، فالكذب لو وقع من أحد ممن يدخل
فيهم لعظم ضرره في الدين، فأراد قتل من كذب عليه ، وعجل عقوبته ليكون
ذلك عاصما من أن يدخل في العدول من ليس منهم من المنافقين ونحوهم .
وأما من روى حديثا يعلم أنه كذب ، فهذا حرام كما صح عنه أنه قال :
( من روى عني حديثا يعلم أنه كذب فهو أحد الكاذبين )
لكن لا يكفر إلا أن ينضم إلى روايته ما يوجب الكفر؛ لأنه صادق في
أن شيخه حدثه به ، لكن لعلمه بأن شيخه كذب فيه لم تكن تحل له الرواية ،
فصار بمنزلة أن يشهد على إقرار أو شهادة أو عقد وهو يعلم أن ذلك باطل ،
فهذه الشهادة حرام ، لكنه ليس بشاهد زور
ثم ذكر القول الثاني في المسألة فقال :
القول الثاني : أن الكاذب عليه تغلظ عقوبته ، لكن لا يكفر ، ولا يجوز قتله ؛
لأن موجبات الكفر والقتل معلومة ، وليس هذا منها ، فلا يجوز أن يثبت
ما لا أصل له ، ومن قال هذا فلا بد أن يقيد قوله بأن لم يكن الكذب عليه
متضمنا لعيب ظاهر، فأما إن أخبر أنه سمعه يقول كلاما يدل على نقصه
وعيبه دلالة ظاهرة ، مثل حديث "عرق الخيل " ونحوه من الترهات ،
فهذا مستهزئ به استهزاء ظاهر ، ولا ريب أنه كافر حلال الدم.
وقد أجاب من ذهب إلى هذا القول عن الحديث
بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه كان منافقا فقتله لذلك لا للكذب ،
وهذا الجواب ليس بشيء ..
ثم ذكر رحمه الله أوجها في الرد على هذا الجواب .
والله أعلم .

رد مع اقتباس