الحمد لله على إحسانه ، و الشكر له على توفيقه و إمتنانه ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله الداعي إلى جنته و رضوانه ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه و إخوانه ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمــــــا بعـــــــد :
فيا أيها الناس ، إن من باب الإنصاف و المصارحة و النصح أن لا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى و الإفراط فيها على آحاد الناس فحسب ، بل لا بد من تعدية الأمر إلى العابرين أنفسهم الذين يعبُرون الرؤى ، إذ عليهم مسؤولية عظمى تجاه الرائين .
إن الدين يقومَ على آدابٍ جُلَّى فلا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم ،
و أن يدرك المصالح و المفاسد في هذا الميدان ،
و أن لا ينصِّب نفسه للفتيا في الرؤى و يتطلَّع إليها ،
لا سيما عبر الشاشات و في المجامع الكبيرة .
ثم إن على العابرين أن لا يتسارعوا في التعبير ، و أن لا يجزموا بما يعبرون ،
و أن يعلموا خطورةَ هذا الجانب و ما يوصله إليه من الافتتان و الإعجاب بالنفس
و تعظيم شأنه فوق شأن المفتين و أهل العلم ،
و قد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل : أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد ؟
فقال مالك : أبالنبوة يُلعب؟!
و قد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسان انه قال :
كان أبن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء ،
إلا أنه يقول : أتق الله و أحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم ،
و كان يجيب في خلال ذلك و يقول : إنما أجيب بالظن ، و الظن يخطئ و يصيب .
فإذا كان هذا هو قول إمام المعبرين في زمانه و ما بعده من الأزمان
فما الظن بمن جاء بعده ، إننا لنسمع بالمعبِّر يُسأل عن ألف رؤيا
لا تسمع مرةً يقول : لا أدري ، أو يقول : هذه أضغاث أحلام ،
أو يقول : هذه حديث نفس ، إلا من رحم ربك .
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين ، و راقبوه في السر و العلن ، و القصد القصد تفلحوا .