عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 08-11-2013, 12:57 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

ومن جهة أخرى ، فإن صيغة المضارع في هذا المقام ،
تُنْبِىءُ عمَّا كان ، و تُومِىءُ إلى ما يكون
بالنسبة لخلق الله تعالى المستمر في المستقبل ؛ كما كان في الماضي .
ولكن هذا الذي قرَّروه - وإن كان يبدو لأول وهلة قولاً صحيحًا –
هو خلافُ الظاهر، ويأباه نظم الكلام و معناه .
وبيانه : أن قول الله تعالى للشيء { كُنْ }
لا يقتضي وقوع ذلك الشيء في الحال ؛ إذ قد يكون الأمر موقوتًا بوقت،
أو يكون متعلقًا بأسباب لا بدَّ أن يقترن حدوثه بها.
وهذه الأسباب لا متعلَّق لها بقدرة الله ؛
و إنما مُتعلَّقُها بالشيء ذاته الذي دعته القدرة إلى الظهور،
والذي قضت حكمة الله ألَّا يظهر ؛ إلا بعد أن يستكمل أسبابه المقترنة به،
وهذا ما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى :
{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }
[ يس : 82 ].
وذلك الشيء المراد معلومٌ قبل إبداعه، وقبل توجيه هذا الخطاب إليه.
وبذلك كان مُقدَّرًا مَقضِيًّا ؛
فإن الله سبحانه يقول، ويكتب ممَّا يعلمه ما شاء ؛
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحة
عن عبد الله بن عمر:
( إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض
بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ).
وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
( كان الله ، ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ،
ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ).
و في سنن أبي داود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
( إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب.
قال : رب وماذا أكتب ؟
قال : أكتب مقادير كل شئ حتى تقم الساعة ).
إلى أمثال ذلك من النصوص التي تبيِّن أن المخلوق قبل أن يخلَق،
كان مَعلومًا، مُخْبَرًا عنه ، مَكتوبًا فيه شيء،
باعتبار وجوده العلمي الكلامي الكتابي،
وإن كانت حقيقته التي هي وجوده العيني، ليس ثابتًا في الخارج ؛
بل هو عدمٌ مَحضٌ ، و نَفْيٌ صِرفٌ .
و إذا كان كذلك ، كان الخطاب مُوَجَّهًا إلى من توجهت إليه الإرادة ،
و تعلقت به القدرة و خُلِق ، ثم كُوِّن ؛
كما قال تعالى :
{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }
[ النحل :40 ] .
فالذي يُقال له : { كُنْ } هو الذي يُرادُ.
وهو حين يُرادُ قبل أن يُخلَق، له ثُبوتٌ وتَميُّزٌ في العلم و التقدير .
ولولا ذلك، لما تميَّز المُرَادُ المَخلوقُ من غيره .
فثبت بذلك أن الله تعالى ، إذا أراد أن يْكوِّن شيئًا معلومًا لديه،
توجَّه سبحانه إلى ذلك الشيء بالخطاب بقوله : { كُنْ }، { فَيَكُونُ }.
أي: يوجد ذلك المُكَوَّنُ عَقِبَ التكوين ، لا مع ذلك في الزمان ؛
ولهذا أتى سبحانه بصيغة الاستقبال مسبوقة بفاء التعقيب.
وكونُ الفاء للتعقيب يُوجِبُ أن يكون الثاني عَقِبَ الأول، لا معه .
بقي أن تعلم أن ( الفاء ) تفيد التعقيبَ ، و التسبيبَ .
فلو قيل : ( كن، فكان ) ، لم تدلَّ الفاء إلا على التسبيب ،
وأن القول سببٌ للكون .

رد مع اقتباس