من: الأخت/ الملكة نور
شرح الدعاء من الكتاب و السنة (2)
فعن وهيب بن الورد أنه قرأ:
{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا }
، ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت
مشفق أن لا يتقبل منك ).
وهذا كما حكى اللَّه تعالى عن حال المؤمنينَ الخُلَّص في قوله تعالى:
{ وَالَّذينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا }
، أي يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات:
{ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }
، أي: خائفة ألاّ يتقبل منهم، كما جاء في الحديث أن عائشة رَضْيَ اللَّهُ
عنْهَا سألت رسول اللَّه عن هذه الآية:
( أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ،
وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ
لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ،
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ }
، والتعرض لوصف الربوبية في دعائهم؛ لأن إجابة الدعاء من شأن
الربوبية وخصائصها لما فيها من معاني التربية والإصلاح والتدبير، وقولهما: ( تَقَبَّلْ مِنَّا ):
( القبول: أخذ الشيء والرضا به، فتقبّل اللَّه سبحانه للعمل أن يتلقّاه
بالرضى فيرضى عن فاعله، وإذا رضي اللَّه تعالى عن فاعله، فلا بدّ أن يثيبه الثواب الذي وعده إيّاه )
وقولهما:
{ إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
تعليل لطلب القبول، ومزيد استدعاء للإجابة.
والسميع والعليم اسمان للَّه تعالى من أسمائه الحسنى يدلاّن على صفة السمع والعلم، أي: أنت السميع لأقوالنا التي من جملتها دعاؤنا العليم بما
في ضمائر نفوسنا من الإذعان لك، والطاعة في القول والعمل، ولا يخفى عليك شيء في قلوبنا.
( وقصر صفتي السمع والعلم عليه تعالى لإظهار اختصاص
دعائهما به تعالى، وانقطاع رجائهما عمّا سواه بالكلية ).
( ولمّا كان العبد مهما كان، لابدّ أن يعتريه التقصير ويحتاج إلى التوبة
قالا:
{ وَتُبْ عَلَيْنَا }،
قالاه هضماً لأنفسهما، وتعليماً للذرّية بعدهما أن يلازموا هذا الطلب، والمقصد الجليل )
وقولهما:
{ إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
: هذه الجملة كسابقتها تعليل لطلب القبول، ومزيد استدعاء للإجابة.
التواب: أي أنك كثير التوبة على عبادك، فهو يقبل التوبة من عبده
كلما تكررت التوبة منه إلى ما لانهاية.
الرحيم: أي ذو الرحمة الشاملة للمؤمنين يوم القيامة، وهذا الاسم:
يخصّ به المؤمنين يوم القيامة، أما الرحمن فهي رحمته تبارك وتعالى الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم .
الفوائد: تضمنت هاتان الآيتان الكثير من الفوائد الجليلة منها :
1- أهمية القبول حيث إن مدار الأعمال الصالحة عليه، وذلك يقوم على الإخلاص للَّه تعالى، والاتباع لما جاء به الشرع المطهر .
2- دلّت الآية : أنّ على العبد ملازمة سؤال اللَّه قبول أعماله بعد أدائه لها، و منها الدعاء، فقد كان هذا من هدي المصطفى : فإنه كان يستغفر ثلاثاً
بعد الصلاة، وكان يقول بعد صلاة الصبح:
( اللّهمَّ إنّي أسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً مُتقبّلاً )
و كان يقول :
( ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي ) ،
وكان يستعيذ من عمل لا يُرفع :
( اللّهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عمل لا يُرفع ) ، وغير ذلك .
3- ينبغي للعبد أن يكون في حال عبادته لربه ودعائه، خائفاً راجياً، كجناحي الطائر، فلا يغلّب الخوف، فيقع في القنوط، ولا يغلب الرجاء،
فيقع في الغرور، والأمن من مكر اللَّه تعالى .
4- التوسّل إلى اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته ما يناسب المطلوب والسؤال؛ فإن (السميع) مناسب في سماع دعائهما، و(العليم) مناسب للعلم بنياتهما، وصدق تضرعهما، وكذلك (التواب الرحيم) ..
5- ملازمة التواضع والإخبات للَّه تعالى في حال القيام بطاعته ولو بأجلّ العبادات والمقامات.
6- أن الدعاء ملجأ ومقصد كل الأنبياء والمرسلين، وأن العبد لا غنى
له عنه في كل أحواله الشرعية والدنيوية.
7- طرد الإعجاب بالنفس، وعدم الإدلال على اللَّه تعالى بما قام
من العمل، فإنّ ذلك مفسد للعمل.
8- أهمية سؤال اللَّه تبارك وتعالى الثبات على الإسلام،
( وهو يشمل على الاستسلام للَّه تعالى ظاهراً أو باطناً ).
9- ( أنه ينبغي للإنسان أن يشمل ذريته في الدعاء، لأنّ الذرية
الصالحة من آثار الإنسان الصالحة؛ لقوله تعالى:
{ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } .
10- ( شدة افتقار الإنسان إلى ربه تعالى؛ حيث كرر كلمة ( ربنا )،
وأنه بحاجة إلى ربوبيته اللَّه تعالى الخاصة التي تقتضي عناية خاصة ) .