الأخت/ المــلــــكة نــــــــور
نقلا عن كتاب إعجاز القرآن للإمام الباقلاني
ذكر أصحابنا وغيرهم في ذلك ثلاثة أوجه من الإعجاز :
أحدها : يتضمن الإخبار عن الغيوب ،
وذلك مما لا يقدر عليه البشر ولا سبيل لهم إليه .
فمن ذلك ما وعد الله تعالى نبيه عليه السلام ، أنه سيظهر دينه على الأديان ،
{ هُوَالَّذِيأَرْسَلَرَسُولَهُبِالْهُدَىوَدِينِالْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُعَلَىالدِّينِكُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
وكان أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه
إذا أغزى جيوشه عرَّفهم ما وعدهم الله ، من إظهار دينه ،
ليثقوا بالنصر ويستيقنوا بالنجاح .
و كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه
يفعل كذلك في أيامه ، حتى وقف أصحاب جيوشه عليه ،
فكان سعد بن أبي وقاص ، رحمه الله ، وغيره من أمراء الجيوش ،
من جهته، يذكر ذلك لأصحابه ، وبحرِّصهم به ، ويوثق لهم ،
وكانوا يُلقَّون الظفر في متوجَّهاتهم ، حتى فُتح في أيامه مرو الشاهجان ،
و مرو الرُّوذ ، ومنعهم من العبور على جيحون ،
وكذلك فُتح في أيامه فارس كسرى ، و كل ما كان يملكه ملوك فارس ،
بين البحرين من الفرات إلى جيحون ، و أزال ملك الفرس ،
فلم يعد إلى اليوم ولا يعود أبداً ، إن شاء الله تعالى ، ثم إلى حدود إرمينية ،
وإلى باب الأبواب . وفتح أيضاً ناحية الشام ، والأردن وفلسطين،
وفسطاط مصر ، و أزال ملك قيصر عنها، وذلك من الفرات إلى بحر مصر،
وهو ملك قيصر. وغزت الخيول في أيامه على عمّورية ،
فأخذ الضواحي كلها ، ولم يبق منها إلا ما حجز دونه بحر،
أو حال عنه جبل منيع ، أو أرض خشنة ، أو بادية غير مسلوكة .
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَوَبِئْسَ الْمِهَادُ}
{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ }
وجميع الآيات التي يتضمنها القرآن ،
من الإخبار عن الغيوب ، يكثر جداً ، وإنما أردنا أن ننبه بالبعض على الكل .
والوجه الثاني : أنه كان معلوماً من حال النبي صلى الله عليه وسلم ،
أنه كان أمياً لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ .
وكذلك كان معروفاً من حاله أنه لم يكن يعرف شيئاً من كتب المتقدمين ،
وقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم .
ثم أتى بجمل ما وقع وحدث ، من عظيمات الأمور ومهمات السير ،
من حين خلق الله آدم عليه السلام ، إلى حين مبعثه ، فذكر في الكتاب ،
الذي جاء به معجزة له : قصة آدم عليه السلام ، وابتداء خلقه ،
وما صار أمره إليه من الخروج من الجنة ،
ثم جملاً من أمر ولده و أحواله وتوبته ، ثم ذكر قصة نوح عليه السلام ،
وما كان بينه و بين قومه ، و ما انتهى إليه أمرهم ،
وكذلك أمر إبراهيم عليه السلام ،
إلى ذكر سائر الأنبياء المذكورين في القرآن ،
والملوك والفراعنة الذين كانوا في أيام الأنبياء ، صلوات الله عليهم .
ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه ، إلا عن تعلم ،
وإذ كان معروفاً أنه لم يكن ملابساً لأهل الآثار و حملة الأخبار ،
ولا متردداً إلى التعلم منهم ،
ولا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه ،
علم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي .
{ وَمَا كُنْت تَتْلُومِنْقَبْلهمِنْكِتَاب وَلَا تَخُطّهُ بِيَمِينِك إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }
{ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَات وَلِيَقُولُوا دَرَسْت }
وقد بينا أن من كان يختلف إلى تعلم علم ، ويشتغل بملابسة أهل صنعة ،
لم يخف على الناس أمره ، ولم يشتبه عندهم مذهبه ،
وقد كان يعرف فيهم من يحسن هذا العلم ، وإن كان نادراً ،
وكذلك كان يعرف من يختلف إليه للتَّعلُم ،
وليس يخفى في العرف عالم كل صنعة و متعلمها ،
فلو كان منهم لم يخف أمره .
والوجه الثالث : أنه بديع النظم ، عجيب التأليف ،
متناهٍٍ في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه .
والذي أطلقه العلماء هو على هذه الجملة ،
ونحن نفصل ذلك بعض التفصيل ونكشف الجملة التي أطلقوا.