الموضوع: درس اليوم 4890
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-21-2020, 05:00 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 58,011
افتراضي درس اليوم 4890

من:إدارة بيت عطاء الخير

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

درس اليوم

شرح اسم الباطن (05)

المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:
1- حَقِيقَةُ الافْتِقَارِ إلى اللهِ:
قَالَ ابنُ القيمِ رحمه الله: ولمَّا كَانَ مُوجَبُ الدَّرَجَةِ الأُولَى مِنَ الفَقْرِ الرُّجُوعَ
إلى الآخِرَةِ، فَأَوْجَبَ الاسْتِغْرَاق في هَمِّ الآخِرَةِ نَفْضَ اليَدَينِ مِنَ الدُّنْيَا ضَبْطًا
أَوْ طَلَبًا، وإسْكَاتَ اللِّسَانِ عَنْها مَدْحًا أَوْ ذَمًّا، وكَذَلِكَ كَانَ مُوجَبُ هَذِهِ الدَّرَجَةِ
الثَّانِيَةِ الرُّجُوعَ إلى فَضْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ، ومُطَالَعَةَ سَبْقِهِ الأَسْبَابَ والوَسَائِطَ
فَبِفَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ وجدت مِنْهُ الأَقْوَال الشَّرِيفَة، والمَقَامَات العَلِيَّة، وبِفَضْلِهِ
ورَحْمَتِهِ وَصَلُوا إلى رِضَاهُ ورَحْمَتِهِ، وقُرْبِهِ وكَرَامَتِهِ ومُوَالَاتِهِ، وكَانَ سُبْحَانَهُ
هُوَ (الأَوَّل) في ذَلِكَ كُلِّه كَمَا أَنَّهُ الأَوَّلُ في كُلِّ شَيْءٍ، وكَانَ هُوَ (الآخِر)
في ذَلِكَ كَمَا هُوَ الآخِرُ في كُلِّ شَيْءٍ فَمَنْ عَبَدَهُ باسْمِهِ (الأَوَّلِ والآخِرِ) حَصَلَتْ
لَهُ حَقِيقَةُ هَذَا الفَقْرِ، فَإِنِ انْضَافَ إلى ذَلِكَ عُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ (الظَّاهِرِ والبَاطِنِ)
فَهَذَا هُوَ العَارِفُ الجَامِعُ لِمُتَفَرِّقَاتِ التَّعَبُّدِ ظَاهِرًا وبَاطِنًا.

فَعُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ (الأَوَّلِ) تَقْتَضِي التَّجَرُّدَ مِنْ مُطَالَعَةِ الأَسْبَابِ، والوُقُوفِ
أَوِ الالْتِفَاتِ إلَيْها، وتَجْرِيد النَّظَرِ إلى مُجَرَّدِ سَبْقِ فَضْلِهِ ورَحْمَتِهِ وأَنَّهُ هُوَ
المُبْتَدِئُ بالإحْسَانِ مِنْ غَيْرِ وَسِيلَةٍ مِنَ العَبْدِ، إذْ لا وَسِيلَةَ لَهُ في العَدَمِ قَبْلَ
وُجُودِهِ، وأَيْ وَسِيلَةٍ كَانَتْ هُنَاك؟ وإنَّمَا هُوَ عَدمٌ مَحْضٌ، وقَدْ أَتَى عَلَيهِ حِينٌ
مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، فَمِنْهُ سُبْحَانَهُ الإعْدَادُ، ومِنْهُ الإِمْدَادُ، وفَضْلُهُ
سَابِقٌ عَلَى الوَسَائِلِ، والوَسَائِلُ مِنْ مُجَرَّدِ فَضْلِهِ وَجُودِهِ لَمْ تَكُنْ بِوَسَائِلَ
أُخْرَى، فَمَنْ نَزَّلَ اسْمَه (الأَوَّلَ) عَلَى هَذَا المَعْنَى أَوْجَبَ لَهُ فَقْرًا
خَاصًّا وعُبُودِيَّةً خَاصَّةً.

وعُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ (الآخِرِ) تَقْتَضِي أَيْضًا عَدَمَ رُكُونِهِ وَوُثُوقِهِ بالأَسْبَابِ
والوُقُوفِ مَعَها، فَإِنَّها تَنْعَدِمُ لَا مَحَالَةَ وتَنْقَضِي الآخِرِيَّةُ، ويَبْقَى الدَّائِمُ البَاقِي
بَعْدَها، فَالتَّعَلُّقُ بِها تَعَلُّقٌ بِمَا يُعْدَمُ ويَنْقَضِي، والتَّعَلُّقُ بالآخِرِ سُبْحَانَهُ تَعَلُّقٌ
بالحَي الذِي لَا يَمُوتُ ولَا يَزُولُ، فَالمُتَعَلِّقُ بِهِ حَقِيقٌ أَنْ لَا يَزُولَ ولَا يَنْقَطِعَ،
بِخِلَافِ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِهِ مَمَّا لَهُ آخِرُ يَفْنَى بِهِ، كَذَا نَظَرُ العَارِفِ إليهِ بِسَبْقِ الأَوَّلِيَّةِ
حَيْثُ كَانَ قَبْلَ الأَسْبَابِ كُلِّها، وكَذَلِكَ نَظَرُهُ إليهِ بِبَقَاءِ الآخِرِيَّةِ حَيْثُ يَبْقَى بَعْدَ
الأَسْبَابِ كُلِّها، فَكَانَ اللهُ ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ، وكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهُهُ.

فَتأمَّلْ عُبُودِيَّةَ هَذَينِ الاسْمَينِ، وَمَا يُوجِبَانِهِ مِنْ صِحَّةِ الاضْطِرَارِ إلى اللهِ
وَحْدَه، ودَوَامِ الفَقْرِ إليهِ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، وأَنَّ الأَمْرَ ابْتَدَأَ مِنْهُ وإليهِ
يَرْجِعُ، فَهُوَ أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ وآخِرُهُ، وكَمَا أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وفَاعِلُهُ وخَالِقُهُ
وبَارِئُهُ، فَهُوَ إلَهُهُ وغَايَتُهُ التي لَا صَلَاحَ لَهُ ولَا فَلَاحَ ولَا كَمَالَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ
وَحْدُه غَايَتَهُ ونِهَايَتَهُ ومَقْصُودَهُ، فَهُوَ (الأَوَّلُ) الذِي ابْتَدَأَتْ مِنْهُ المَخْلُوقَاتُ،
و (الآخِرُ) الذِي انْتَهَتْ إليهِ عُبُودِيَّاتُها وإرَادَتُها ومَحَبَّتُها، فَلَيْسَ وَرَاءَ اللهِ
شَيْءٌ يُقْصَدُ ويُعْبَدُ ويُتَأَلَّهُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ يَخْلُقُ ويَبْرَأُ، فَكَمَا كَانَ
وَاحِدًا في إيجَادِكَ فاجْعَلْهُ وَاحِدًا في تَأَلُّهِكَ إليهِ لِتَصِحَّ عُبُودِيَّتُكَ، وكَمَا ابْتَدَأَ
وُجُودُكَ وخَلْقُكَ مِنْهُ فاجْعَلْهُ نِهَايَةَ حُبِّكَ وإرَادَتِكَ وتَأَلُّهِكَ إليهِ لِتَصِحَّ لَكَ
عُبُودِيَّتُهُ باسْمِهِ (الأوَّلِ والآخِرِ).

وأَكْثَرُ الخَلْقِ تَعَبَّدُوا لَهُ باسْمِهِ (الأَوَّلِ)، وإنَّمَا الشَّأْنُ في التَّعَبُّدِ لَهُ باسْمِهِ
(الآخِرِ)؛ فَهَذِهِ عُبُودِيَّةُ الرُّسُلِ وأَتْبَاعِهم، فَهُوَ رَبُّ العَالَمِينَ،
وإِلَهُ المُرْسَلِينَ سُبْحَانَهُ وبِحَمْدِهِ.



أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين


رد مع اقتباس