من المعلوم أن شرع الله عز وجل يهدف إلى تحقيق السعادة المطلقة
للإنسان ، في كلٍّ مِن دنياه وآخرته ، ولذلك جاء بالتيسير على العباد
} يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}
} وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {
وقال صلى الله عليه وسلم :
( يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا ، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا ، وتَطَاوَعَا ولا تَخْتَلِفا )
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس – المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 8087
حدود المشقة التي تستدعي التيسير :
فهناك نوع من المشقة ملازم للتكاليف الشرعية ، لا تنفك عنه في
حال من أحوالها ، لأنه من طبيعة التكليف ، فمثل هذا النوع من
المشقة لا أثر له في إسقاط الواجبات أو تخفيفها .
فليس لأحد أن يُفْطر في رمضان لشعوره بشدة الجوع ، كما أنه ليس
لأحد قَدَرَ على نفقات الحج ، وهو صحيح البدن ، أن لا يحج ،
لما في الحج من مشقة السفر والبعد عن الأهل والوطن !!
وهناك نوع من مشقة ليس من طبيعة التكليف ، ويمكن أن تنفك عنه
الواجبات في كثير من أحوالها ، بل هو من الأمور الطارئة
والعارضة ، والزائدة عن القدر الذي تقتضيه التكاليف في الظروف
وهذا النوع من المشقة على مرتين :
توقع المكلف في عسر وضيق خفيفين ، كالسفر القصير والمرض
الخفيف وفوات المنافع المادية ، فمثل هذه المشقة لا أثر لها أيضاً
مشقة زائدة ، تهدد المكلف بخطر في نفسه أو ماله أو عرضه ،
كمن قدر على الحج مثلاً ، وعلم أن في الطريق قطاع طرق ،
أو خاف من إنسان يترقب غيابه ليسرق ماله أو يعتدي على أهله ،
ونحو ذلك ، مما يعتبر حرجاً وضيقاً ، في عرف ذوي العقل والدين.
فمثل هذه المشقة هي المعتبرة شرعاً ، وهي التي تؤثر في التكاليف،
وتوجب الإسقاط أحياناً أو التخفيف .
التشديد في اجتناب المنهيات واستئصال جذور الفساد :
يسعى شرع الله عز وجل دائماً للحيلولة دون وقوع الشر ، أو بزوغ
بذور الفساد ، ولذا نجد الاهتمام بأمر المنهيات ربما كان أبلغ من
الاهتمام بالمأمورات ، ولا يعني ذلك التساهل بالمأمورات ، وإنما
التشديد في اجتناب المنهيات عامة ، والمحرمات على وجه
الخصوص ، لأن نهي الشارع الحكيم لم يَرِد إلا لما في المنهي عنه
من فساد أكيد وضرر محتم ، ولذا لم يُعْذَر أحد بارتكاب شيء من
المحرمات ، إلا حال الضرورة الملجِئة والحاجة المُلِحَّة ،
ومن هنا يتبين خطأ مسلك الكثير من المسلمين ، لا سيما في هذه
الأزمنة، التي شاع فيها التناقض في حياة الناس ، عندما تجدهم
يحرصون على فعل الطاعة والواجب ، وربما تشددوا في التزام
المندوب والمستحب ، بينما تجدهم يتساهلون في المنهيات ، وربما
قارفوا الكثير من المحرمات ، فنجد الصائم يتعامل بالربا ، والحاجّة
المزكية تخرج سافرة متبرجة ، متعذرين بمسايرة الزمن وموافقة
وهذا خلاف ما تقرر في شرع الله الحكيم ، من أن أصل العبادة
اجتناب ما حرم الله عز وجل ، وطريق النجاة مجاهدة النفس
والهوى ، وحملها على ترك المنهيات ، وأن ثواب ذلك يفوق الكثير
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( اتَّقِ المحارمَ تَكن أعبدَ النَّاسِ )
وهذه عائشة رضي الله عنها تقول :
من سَّره أن يَسبِقَ الدائب المجتهد فليَكُفّ عن الذنوب .
وهذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يُسأل عن قوم يشتهون
المعصية ولا يعملون بها ، فيقول :
أولئك قوم امتحن الله قلوبهم للتقوى ، لهم مغفرة وأجر عظيم .
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى :
ليست التقوى قيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك ،
ولكن التقوى أداء ما افترض الله وترك ما حرم الله ،
فإن كان مع ذلك عمل فهو خير إلى خير .
لقد بين الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ، أن من أسباب
هلاك الأمم وشق عصاها وتلاشي قوتها واستحقاقها عذاب
- كثرة السؤال والتكلف فيه ،
- والاختلاف في الأمور وعدم التزام شرع الله عز وجل .
لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عامة أن يكثروا عليه
من الأسئلة ، خشية أن يكون ذلك سبباً في إثقالهم بالتكاليف ،
وسداً لباب التنَطُّع والتكلف والاشتغال بما لا يعني ، والسؤال عما لا
روى البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال ،
وكثرة السؤال ، وإضاعة المال .
قال صلى الله عليه و سلم :
( إنَّ اللَّهَ حرَّمَ عليكم عقوقَ الأمَّهاتِ ، ومنعًا وَهاتِ ، ووأدَ البناتِ
وَكرِه لَكم : قيلَ وقالَ ، وَكثرةَ السُّؤالِ ، وإضاعةَ المالِ )
الراوي : المغيرة بن شعبة – المحدث : البخاري –
المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 5975
خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]