- القدير، القادر، المقتدر
{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ
أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ
انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }
الله القادر على ما يشاء، لا يعجزه شيء، ولا يفوته مطلوب، والقادر
منا – وإن استحق هذا الوصف – فإن قدرته مستعارة، وهي عنده وديعة
من الله تعالى، ويجوز عليه العجز في حال، والقدرة في أخرى.
والله تعالى هو القادر، فلا يتطرق عليه العجز، ولا يفوته شيء .
هو من القدرة على الشيء، يقال: قدر يقدر قدرة فهو قادر وقدير،
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا }
ووصف الله نفسه بأنه قادر على كل شيء أراده، لا يعترضه عجز ولا فتور.
وقد يكون القادر بمعنى المقدر للشيء، يقال: قدرت الشيء وقدرته بمعنى
{ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ }
أي: نعم المقدرون، وعلى هذا يتأول قوله سبحانه:
{ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ }
أي: لن نقدر عليه الخطيئة أو العقوبة إذ لا يجوز على نبي الله
أن يظن عدم قدرة الله عز وجل في حال من الأحوال .
وقال الحليمي: (القادر) قال الله عز وجل:
{ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى }
{ بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وهذا يدل على معنى أنه لا يعجزه شيء بل تيسر له ما يريد على ما يريد،
لأن أفعاله قد ظهرت، ولا يظهر الفعل اختياراً إلا من قادر غير عاجز، كما
هو الذي له القدرة الشاملة، والقدرة له صفة قائمة بذاته .
فقال ابن جرير عند قوله تعالى:
{ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وإنما وصف الله نفسه –جل ذكره- بالقدرة على كل شيء في هذا
الموضع، لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم أنه بهم محيط،
وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ثم قال: فاتقوني أيها المنافقون،
واحذروا خداعي وخداع رسولي وأهل الإيمان بي، لا أحل بكم نقمتي،
فإني على ذلك وعلى غيره من الأشياء قدير.
قادر، كما معنى (عليم): عالم، على ما وصفت فيما تقدم من نظائره
من زيادة معنى (فعيل) على فاعل في المدح والذم .
{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
ألم تعلم يا محمد أني قادر على تعويضه مما نسخت من أحكامي وغيرته،
من فرائضي التي كنت افترضتها عليك ما أشاء، مما هو خير لك ولعبادي
المؤمنين معك وأنفع لك ولهم، إما عاجلاً وإما آجلاً في الآخرة، أو بأن
أبدل لك ولهم مكانه مثله في النفع لهم عاجلاً في الدنيا وآجلاً في الآخرة،
وشبيهه في الخفة عليك وعليهم. فاعلم يا محمد أني على ذلك وعلى كل
ومعنى قوله (قدير) في هذا الموضع:
قوي، يقال منه: قد قدرت على كذا وكذا، إذا قويت عليه، أقدر عليه، وأقدر
عليه قدرة وقدرانا ومقدرة، وبنو مرة من غطفان تقول: قدرت عليه بكسر الدال.
فأما (التقدير) من قول القائل:
قدرت الشيء، فإنه يقال منه قدرته أقدره قدراً وقدراً .
(القدير) وهو: التام القدرة، لا يُلابس قدرته عجز بوجه .
وهو القدير وليس يعجزه إذا ما رام شيئاً قط ذو سلطان
(القدير) كامل القدرة، بقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبرها، وبقدرته
سواها وأحكمها، وبقدرته يحيي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي
المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، الذي إذا أراد شيئاً قال له: كن،
فيكون، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء ويريد .
فقال ابن جرير في قوله تعالى:
{ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }
يقول عند ذي ملك مقتدر على ما يشاء، وهو الله ذو القوة المتين تبارك وتعالى :
(المقتدر) مبالغة في الوصف بالقدرة، والأصل في العربية أن زيادة
اللفظ زيادة المعنى، فلما قلت: اقتدر، أفاد زيادة اللفظ. زيادة المعنى ..
(المقتدر) هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء ولا يحتجز عنه بمنعة وقوة.
ووزنه: مفتعل، من القدرة إلا أن الاقتدار أبلغ وأعم لأنه يقتضي الإطلاق،
والقدرة قد يدخلها نوع من التضمين بالمقدور عليه،
{ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }
(المقتدر): وهو المظهر قدرته بفعل ما يقدر عليه، وقد كان ذلك
من الله تعالى فيما أمضاه، وإن كان يقدر على أشياء كثيرة لم يفعلها،
ولو شاء لفعلها، فاستحق بذلك أن يسمى: مقتدراً .