162 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان :
( حـقـوق الـجـار )
ألقاها فضيلة الأخ الشيخ / نبيل بن عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع المجموعات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
الحمد لله مَنّ علينا بشريعة الكمال فلم يجعل لها عوجاً ،
أحمده سبحانه و أشكره ، جعل في ديننا يسراً و فسحة و لم يدع فيه حرجاً ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من دان بها صِدقاً و لَهَجاً ،
و أشهد أن نبينا و سيدنا محمداً عبد الله و رسوله
أفضل من مشى في مناكب الأرض داعياً إلى الله مبتهجاً ،
فدونه الأهل و الأموال و الأولاد ، و فداه أنفساً و مُهجاً ،
و صلوات الله تترى عليه ، و على آله و صحبه ، و من اقتفى أثرهم مهتدياً و منتهجاً ،
و سلم تسليماً طيباً مباركاً إلى يوم الدين .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ ،
فبتقوى الله تُنال الدرجات ، و تزكو الأعمال ، و أكثروا من ذكره و شكره ،
فبذكره تطمئن القلوب ، و بشكره تحفظ النعم ،
و تزودوا من الصالحات فخير الزاد التقوى .
أيها المسلمون :
الخير في الإسلام ينتظم كل وجوه البر، و يشمل كل عمل صالح ، و يتناول كل خلق كريم ،
طاعةً لله عزَّ و جلَّ ، و حباً في الفضائل في إخلاصٍ و صدقٍ حسن .
ففي الحديث قولٌ جميلٌ ، و في البلاء صبرٌ جميلٌ ، و عند الخلاف صفحٌ جميلٌ .
أقوالٌ و أفعالٌ تغرس المحبة ، و تورث المودة ، و توثق الروابط ، نجدةٌ و إغاثة ،
و تراحمٌ و ملاطفةٌ ، و إخلاصٌ و وفاءٌ ، مشاركةٌ في السراء ،
و مواساة في الضراء ، كل ذلك من توجيهات الإسلام ، و نواميس الأخلاق .
أيها الإخوة ،
و يتجلى صفاء الدين ، و تظهر محاسن الشريعة ، أكثر ما تتجلى في خلقٍ كريمٍ ،
و سلوكٍ مستقيم ، ينتهجه المسلم مع إخوانه المحيطين به في داره و عمله
إنها أخلاقٌ كريمة ، و لكنها في ذات الوقت حقوقٌ محفوظة ،
عُني الإسلام بها و حثَّ عليها ، و دعا إليها ، و رسم منهاجها ، و أوضح آدابها .
أحبتي في الله:
من أعظم الحقوق التي دعا الإسلام إلى أدائها ، و القيام بحقها ، حقوق الجار .
فالجوار يقضي حقا وراء ما تقتضيه أخوة الإسلام
فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم و زيادة
إذ قال النبي صلى الله عليه و سلم
( الجيران ثلاثة جار له حق واحد و جار له حقان و جار له ثلاثة حقوق
فالجار الذي له ثلاثة حقوق الجار المسلم ذو الرحم
فله حق الجوار و حق الإسلام و حق الرحم
و أما الذي له حقان فالجار المسلم له حق الجوار و حق الإسلام
و أما الذي له حق واحد فالجار المشرك )
فانظروا رحمكم الله كيف أثبت للمشرك حقا بمجرد الجوار .
و قد قال صلى الله عليه و سلم
( أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما )
و قال النبي صلى الله عليه و سلم :
( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )
و قال صلى الله عليه و سلم :
( من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم جاره )
و روى البخاري في صحيحه من حديث
أبي شريح رضي الله تعالى عنه :
قال صلى الله عليه و سلم :
( لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه )
و عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال :
قال صلى الله عليه و سلم :
( أول خصمين يوم القيامة جاران )
و قال صلى الله عليه و سلم :
( إذا أنت رميت كلب جارك فقد آذيته )
و يروى أن رجلا جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له إن لي جارا
يؤذيني و يشتمني و يضيق علي فقال اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه .
و قيل لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
إن فلانة تصوم النهار و تقوم الليل و تؤذي جيرانها
فقال صلى الله عليه و سلم :
( هي في النار ) .
و جاء رجل إليه صلى الله عليه و سلم يشكو جاره
فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
( اصبر ثم قال له في الثالثة أو الرابعة اطرح متاعك في الطريق
قال فجعل الناس يمرون به و يقولون مالك فيقال آذاه جاره
قال فجعلوا يقولون لعنه الله
فجاءه جاره فقال له رد متاعك فوالله لا أعود )
و روى الزهري أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فجعل يشكو جاره
فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن ينادي على باب المسجد
( ألا إن أربعين دارا جار)
قال الزهري أربعون هكذا و أربعون هكذا و أربعون هكذا و أربعون هكذا
و أومأ إلى أربع جهات.
و قال صلى الله عليه و سلم :
( اليمن و الشؤم في المرأة و المسكن و الفرس
فيمن المرأة خفة مهرها و يسر نكاحها و حسن خلقها
و شؤمها غلاء مهرها و عسر نكاحها و سوء خلقها و يمن المسكن سعته
و حسن جوار أهله و شؤمه ضيقه و سوء جوار أهله
و يمن الفرس ذله و حسن خلقه و شؤمه صعوبته و سوء خلقه )
أيها الكرام :
ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى فإن الجار أيضا قد كف أذاه
فليس في ذلك قضاء حق و لا يكفي احتمال الأذى بل لابد من الرفق و إسداء الخير
و المعروف إذ يقال إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة
فيقول يارب سل هذا لم منعني معروفه و سد بابه دوني .
و بلغ ابنَ المقفع أن جارا له يبيع داره في دين ركبه و كان يجلس في ظل داره
فقال ما قمت إذا بحرمة ظل داره إن باعها معدما فدفع إليه ثمن الدار و قال لا تبعها .
و شكا بعضهم كثرة الفأر في داره فقيل له لو اقتنيت هرا
فقال أخشى أن يسمع الفأر صوت الهر فيهرب إلى دور الجيران
فأكون قد أحببت لهم ما لا أحب لنفسي .
معاشر المؤمنين :
و جملة حق الجار أن يبدأه بالسلام ، و لا يطيل معه الكلام ، و لا يكثر عن حاله السؤال ،
و يعوده في المرض ، و يعزيه في المصيبة ، و يقوم معه في العزاء ، و يهنئه في الفرح ،
و يظهر الشركة في السرور معه ، و يصفح عن زلاته ، و لا يتطلع من السطح إلى عوراته ،
و لا يضايقه في و ضع الجذع على جداره ، و لا في صب الماء في ميزابه ،
و لا يضيق طرقه إلى الدار ، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره ،
و يستر ما ينكشف له من عوراته ، و ينعشه من صرعته إذا نابته نائبة ،
و لا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته ، و لا يسمع عليه كلاما ،
و يغض بصره عن حرمته ، و لا يديم النظر إلى خادمته ،
و يتلطف بولده في كلمته ، و يرشده إلى ما يجهله من أمر دينه و دنياه .
و قد قال صلى الله عليه و سلم :
( أتدرون ما حق الجار ؟ إن استعان بك أعنته ، و إن استنصرك نصرته ،
و إن استقرضك أقرضته ، و إن افتقر عدت عليه ، و إن مرض عدته ،
و إن مات تبعت جنازته ، و إن أصابه خير هنأته ، و إن أصابته مصيبة عزيته ،
و لا تستعل عليه بالبناء ، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ،
و إذا اشتريت فاكهة فأهد له ، فإن لم تفعل فأدخلها سرا ،
و لا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ، و لا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها .
ثم قال أتدرون ما حق الجار و الذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجار إلا من رحمه الله )
و روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى الله عنهم
عن النبي صلى الله عليه و سلم قال مجاهد
[ كنت عند عبد الله بن عمر و غلام له يسلخ شاة
فقال يا غلام إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي حتى قال ذلك مرارا
فقال له كم تقول هذا !!
فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يزل يوصينا بالجار
حتى خشينا أنه سيورثه ]
و عن أبي ذر رضي الله عنه قال :
[ أوصاني خليلي صلى الله عليه و سلم إذا طبخت فأكثر المرق
ثم انظر بعض أهل بيت من جيرانك فاغرف لهم منها ]
رواه مسلم .
و قالت أم المؤمنين أمنا السيدة / عائشة رضي الله تعالى عنها و عن أبيها :
[ قلت يا رسول الله إن لي جارين أحدهما مقبل على بابه و الآخر ناء ببابه عني
و ربما كان الذي عندي لا يسعهما فأيهما أعظم حقا
فقال صلى الله عليه و سلم
( المقبل عليك ببابه ) ]
ألا فاتقوا الله عباد الله ،
و احفظوا لإخوانكم حقوقهم ، قوموا بها على وجهها ، راعوا آدابها ،
و حققوا مقاصدها ، يعظمِ الأجر ، و يصلحِ الشأن ، و يفشُ الخير ، و تَسُدِ المودة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً
وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }
بارك الله لي و لكم فى القرآن الكريم و نَفَعني الله وإيَّاكم بالقرآنِ العظيم
وبهديِ محمّد سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم ،
وأقول قولي هَذا، وأستَغفر الله لي ولَكم و لجميع المسلمين
فأستغفروه أنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله ، ربط بين المؤمنين برابطة الإيمان ، فكانوا إخوةً متحابين ،
يشد بعضهم بعضاً ، كالمرصوص من البنيان .
أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله ، سيد ولد عدنان ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و التابعين
و من تبعهم بإحسان .
فقد رأى الصديق ولده عبد الرحمن و هو يناصي جارا له فقال
[ لا تناص جارك فإن هذا يبقى و الناس يذهبون ] .
و قالت أم المؤمنين أمنا السيدة / عائشة / رضي الله تعالى عنها و عن أبيها
[ خلال المكارم عشر تكون في الرجل و لا تكون في أبيه و تكون في العبد
و لا تكون في سيده يقسمها الله تعالى لمن أحب صدق الحديث و صدق الناس
و إعطاء السائل و المكافأة بالصنائع و صلة الرحم و حفظ الأمانة
و التذمم للجار و التذمم للصاحب و قرى الضيف و رأسهن الحياء ] .
و قال أبو هريرة رضي الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( يا معشر المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها و لو فرسن شاة ) .
و قال صلى الله عليه و سلم :
( إن من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع و الجار الصالح و المركب الهني )
و قال رجل يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو أسأت
قال صلى الله عليه و سلم :
( إذا سمعت جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت
و إذا سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت )
و قال جابر رضي الله عنه
قال النبي صلى الله عليه و سلم
( من كان له جار في حائط أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه )
و قال أبو هريرة رضي الله عنه
قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم
( أن الجار يضع جذعه في حائط جاره شاء أم أبى )
و قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
( لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره )
و كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول
[ مالي أراكم عنها معرضين و الله لأرمينها بين أكنافكم ] .
و قال صلى الله عليه و سلم :
( من أراد الله به خيرا عسله قيل و ما عسله قال يحببه إلى جيرانه )
و أطيعوا الله رحمكم الله و اتقوه و عفوا أنفسكم و أهلكم و أبنائكم
و بِروا جيرانكم و أتبعوا سنة نبينا و نبيكم صلى الله عليه و سلم
فى التعامل مع من جاورتم و أتقوا الله
ثم صلّوا على خير البرية و أزكى البشرية
محمّد بن عبد الله صاحب الحوض و الشفاعة ،
فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه ، و ثنى بملائكته المسبِّحة بقدسِه ،
و أيّه بكم أيها المؤمنون ،
فقال جلَّ من قائل عليما :
{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56]
اللّهمّ صلِّ و سلِّم وبارِك على عبدِك و رسولك
نبيِّنا محمّد الحبيب المُصطفى و النبيّ المُجتبى ،
و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و عليٍّ ،
وعن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جُودك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .
و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :
( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) .
فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ،
و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ،
و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، و تلقى منك سبحانك قبول و رضاء ،
يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء .
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ،
و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .
اللهم اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا
من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين
اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
اللهم و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و وحد كلمتهم
اللهم آمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
و أحفظ أخواننا فى برد الشام و فى فلسطين و مينمار و أفغانستان و جميع المسلمين
اللهم و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و داوى جرحاهم
و تقبل شهداءهم و أحفظ دينعم و أموالهم و أعراضهم
اللهم أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللهم أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللهم أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب بفضلك و كرمك يا كريم يا تواب
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت