الموضوع: درس اليوم 5985
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-19-2023, 11:03 AM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 59,977
افتراضي درس اليوم 5985

من:إدارة بيت عطاء الخير
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

درس اليوم

إن معي ربي

لَمَّا طال مقام موسى في بلاد مصر يقيم على أهلها الحجج والبراهين ويريهم

الآيات؛ كما قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ ف

َقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ﴾ [الإسراء: 101]،

وهم مع ذلك معاندون لدرجة أن قالوها صراحة وبلا مواربة:

﴿ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾

[الأعراف: 132]،

فأمر الله نبيه وكليمه موسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر ليلًا سرًّا،

فخرج موسى بقومه وفيهم الصغار والكبار، والرضع والنساء والشيوخ

والعجائز، فغضب فرعون غضبًا شديدًا، ونادى بالتعبئة العامة للخروج

في أثر موسى وقومه، فخرج فرعون في محفل عظيم، فلمَّا قال قوم موسى:

إنا لمدركون - هالكون - جاء دور القائد الموقن بمعية ربه؛ ليزرع الثقة بالله

في نفوس مقوديه: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]،

قالها موسى وهو في غاية اليقين والثقة بربه أنه سيهديه إلى سبيل النجاة،

قالها وهو يستشعر ويستحضر وعد الله له بالنجاة والمعية والنصرة:

﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46]، وقد كانت حياته كلها في عناية الله

وحفظه ومعيته، منذ حمله وولادته، ثم وهو في بيت عدوه رضيعًا، ثم طفلًا،

ثم شابًّا قد بلغ أشُدَه، ثم وهو يخرج من مصر خائفًا وحيدًا طريدًا، وهو يسير

في مفازة عظيمة نحو مدين، ثم في مدين غريبًا خائفًا مجهدًا، ثم وهو يقف

بين يدي فرعون الذي يريد قتله والتخلص منه، وهو أمام السحرة وقد

أجمعوا سحرهم وكيدهم، معية الله وهو يخوض كل تلك المصاعب والمحن

والفتن والابتلاءات، فينجيه الله منها أجمعين، أفلا ينجيه اليوم من عدوه وقد

اشتد الكرب والتجأت الجموع إلى الله.



قال: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، لم يقل: سينجين ولم يقل سينصرني،

قال سيهدين؛ لأن مهمة السعي للنجاة من شأني أنا ومن مسؤوليتي أنا،

والهداية إليها من الله، مهمتي الأخذ بالأسباب؛ لأنها سنة إلهية، فالله قادرٌ

على فلق البحر لموسى بلا عصا، ولكن ليأخذ الناس بالأسباب، وعندها جاء

الأمر من الله لموسى ليبذل سبب النصر، البذل يسير وسهل، ولكن النتيجة

عظيمة لا تكاد تستوعبها العقول ولا تصدِّقها، لا يدري كليم الله كيف سيكون

المخرج، لكن إحسان ظنه ولَّد صدق توكُّله وكمال يقينه بأن الله ناصره

ومنجيه ولن يخذله، ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، وما إن انتهى كليم

الرحمن عليه السلام من قوله، حتى جاء الفرج الفوري:

﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ

كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63]، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق، وأمر

الله الريح لتجفف الطريق، فأصبح طريقًا جافًّا يبسًا سار عليه بنو إسرائيل

وموسى معهم: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ *

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴾ [الشعراء: 64 - 66]، فنجى الله موسى وقومه،

وفرعون من خلفهم ينظر ويشاهد تلك المعجزة العظيمة التي لا يصدِّقها

عقل، لولا أنها ماثلة أمامه يرى كل تفاصيل مشاهدها، فلما اكتمل خروج

موسى وقومه من البحر أمره الله أن يترك البحر كما هو عليه:

﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴾ [الدخان: 24]، فلما رأى فرعون

البحر لم يرجع إلى ما كان عليه، وأنه أرض سالكة، دخله هو وجنوده

ليدركوا موسى وقومه، فلما دخلوا كلهم أجمعون، وتوسطوا البحر،

أمر الله البحر أن ترتطم أمواجه وتغرق فرعون ومن معه:

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا

حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ

وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ *

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ

عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 90 - 92].

قال موسى عليه السلام تلك الكلمة المليئة باليقين والثقة بالله عز وجل:

﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾،فجاء الفرج مباشرة، فانفلق البحر العظيم

بضربة واحدة من عصا موسى، وتحول إلى طريق يابس أنجى الله فيه

موسى ومن معه، وأهلك فيه فرعون وجنده أجمعين.

بعد تلك الكلمة المليئة باليقين والثقة بالله جاءت النجاة؛ قال موسى تلك

الكلمة التي زلزلت عروش اليأس والتردد والخوف من قلوب أصحابه،

لتزلزل بعد ذلك الباطلَ وتقضي عليه، ويهلك غير مأسوف عليه.

﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾؛ يعني لا يأس بل ثقة وأمل، كلا، ما دام الله

موجود فلا خوف بل طمأنينة، كلا، لا رجوع بل استكمال للمسيرة؛ إما النجاة

والغلبة، أو الموت في سبيل الله.

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين

رد مع اقتباس