الموضوع: درس اليوم4772
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-15-2020, 01:42 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 58,214
افتراضي درس اليوم4772

من:إدارة بيت عطاء الخير

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

درس اليوم
معنى اسم الله الحكيم (12)

التَّحَاكُمُ إِلَى غَيْرِ اللهِ تَحَاكُمٌ إِلَى الطَّاغُوتِ:
"وَمَنْ حَاكَمَ إِلَى غَيْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ فَقَدْ حَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَكْفُرَ
بِهِ، وَلَا يَكْفُرُ العَبْدُ بِالطَّاغُوتِ حَتَّى يَجْعَلَ الحُكْمَ للهِ وَحْدَهُ
كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ".

- الحِكْمَةُ فِي أَقْدَارِ اللهِ:
وَالحِكْمَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ يَفْعَلُ شَيْئًا لِشَيءٍ فَيُرِيدُ بِمَا يَفْعَلُهُ الحِكْمَةَ
النَّاشِئَةَ مِنْ فِعْلِهِ، فأَمَّا مَنْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِشَيءٍ البَتَّةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ
فِي حَقِّهِ الحِكْمَةُ.

وَهَؤُلاَءِ يَقُولُونَ: لَيْسَ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ لَامُ التَّعْلِيلِ، وَمَا اقْتَرَنَ بِالمَفْعُولَاَتِ
مِنْ قُوًى وَطَبَائِعَ وَمَصَالِحَ فَإِنَّمَا اقْتَرَنَتْ بِهَا اقْتِرَانًا عَادِيًّا، لَا أَنَّ هَذَا كَانَ لأَِجْلِ
هَذَا، وَلَا نَشَأَ السَّبَبُ لأَِجْلِ المُسَبِّبِ، بَلْ لَا سَبَبَ عِنْدَهُم وَلَا مُسَبِّبٌ البَتَّةَ، إِنْ
هُوَ إِلَّا مَحْضُ المَشِيئَةِ وَصَرْفُ الإِرَادَةِ الَّتِي تُرَجِّحُ مَثَلًا عَلَى مَثَلٍ، بَلْ لَا مُرَجِّحَ
أَصْلًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُم فِي الأَجْسَامِ طَبَائِعُ وَقُوًى تَكُونُ أَسْبَابًا لِحَرَكَاتِهَا، وَلَا فِي
العَيْنِ قُوَّةٌ امْتَازَتْ بِهَا عَلَى الرِّجْلِ يُبْصَرُ بِهَا وَلَا فِي القَلْبِ قُوَّةٌ يُعْقَلُ بِهَا امْتَازَ
بِهَا عَنِ الظَّهْرِ، بَلْ خَصَّ سُبْحَانَهُ أَحَدَ الجِسْمَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ وَالعَقْلِ وَالذَّوْقِ
تَخْصِيصًا لِمَثَلٍ عَلَى مَثَلٍ بِلَا سَبَبٍ أصْلًا وَلَا حِكْمَةٍ.

فَهَؤُلاَءِ لَمْ يُثْبِتُوا لَهُ كَمَالَ الحَمْدِ، كَمَا لَمْ يُثْبِتُ لَهُ أُولَئِكَ كَمَالَ المُلْكِ، وَكِلَا
القَوْلِيْنِ مُنْكَرٌ عِنْدَ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الأُمَّةِ، وَلِهَذَا كَانَ مُنْكِرُو الأَسْبَابِ وَالقُوَى
وَالطَّبَائِعِ يَقُولُونَ: العَقْلُ نَوْعٌ مِنَ العُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ كَمَا قَالَ القَاضِيَانِ أَبُو بَكْرِ
بْنُ الطَّيِّبِ وَأَبُو يَعْلَى بْنُ الفَرَّاءِ وَأَتْبَاعُهُمَا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ غَرِيزَةٌ،
وَكَذَلِكَ الحَارِثُ المُحَاسِبِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَأُولَئِكَ لَا يُثْبِتُونَ غَرِيزَةً وَلَا قُوَّةً
وَلَا طَبِيعَةً وَلَا سَبَبًا، وَأَبْطَلُوا مُسَمَّيَاتِ هَذِهِ الأَسْمَاءِ جُمْلَةً وَقَالُوا: إِنَّ مَا فِي
الشَّرِيعَةِ مِنَ المَصَالِحِ وَالحِكَمِ لَمْ يَشْرَعِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ مَا شَرَعَ مِنَ الأَحْكَامِ
لأَِجْلِهَا بَلِ اتَّفَقَ اقْتِرَانُهَا بِهَا أَمْرًا اتِّفَاقِيًّا، كَمَا قَالُوا نَظِيرَ ذَلِكَ فِي المَخْلُوقَاتِ
سَوَاءً وَالعِلَلُ عِنْدَهُم أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ لِمُجَرَّدِ الاقْتِرَانِ الاتِّفَاقِيِّ، وَهُمْ فَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُعَرِّجُونَ عَلَى المُنَاسَبَاتِ وَلَا يُثْبِتُونَ العِلَلَ بِهَا البَتَّةَ، وَإِنَّمَا
يَعْتَمِدُونَ عَلَى تَأْثِيرِ العِلَّةِ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، فَإِنْ فَقَدُوا فَزِعُوا إِلَى الأَقْيِسَةِ
الشَّبِيهَةِ.

وَالفَرِيقُ الثَّانِي: أَصْلَحُوا المَذْهَبَ بَعْضَ الإِصْلاَحِ وَقَرَّبُوهُ بِعْضَ الشَيءِ
وَأَزَالُوا تِلْكَ النُّفْرَةَ عَنْهُ، فَأَثْبَتُوا الأَحْكَامَ بِالعِلَلِ والعِللَ بِالمُنَاسَبَاتِ وَالمَصَالِح،
وَلَمْ يُمْكِنْهُم الكَلَامُ فِي الفِقْهِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَكِنْ جَعَلُوا اقْتِرَانَ أَحْكَامِ تِلْكَ العِلَلِ
وَالمُنَاسَبَاتِ بِهَا اقْتِرَانًا عَادِيًّا غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ وَالعِلَلُ وَالمُنَاسَبَاتُ
أَمَارَاتُ ذَلِكَ الاقْتِرَانَ، وَهَؤُلَاءِ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى إِثْبَاتِ عِلْمِ الرَّبِّ بِمَا فِي
مَخْلُوقَاتِهِ مِنَ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ وَالمَصَالِحِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ مِنْهُم، فَإِنَّ ذَلِكَ
إِنَّمَا يَدُلُّ إِذَا كَانَ الفَاعِلُ يَقْصِدُ أَنْ يَفْعَلَ الفِعْلَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لأَِجْلِ
الحِكْمَةِ المَطْلُوبَةِ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَفْعَلْ لأَِجْلِ ذَلِكَ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ وَإِنَّمَا اتَّفَقَ
اقْتِرَانُهُ بِمَفْعُولَاتِهِ عَادَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى العِلْمِ، فَفِي أَفْعَالِ
الحَيَوانَاتِ مِنَ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ وَالحِكَمِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَلَكِنْ
لَمَّا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الحِكَمُ وَالمَصَالِحُ مَقْصُودَةً لَهَا لَمْ تَدُلَّ عَلَى عِلْمِهَا.

وَالمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ إِذَا قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ امْتَنَعَ عِنْدَهُم أَنْ
يَكُونَ الإِحْكَامُ دَلِيِلًا عَلَى العِلْمِ، وَأَيْضًا فَعَلَى قَوْلِهِم يَمْتَنِعُ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى مَا فَعَلَهُ
لأَِمْرٍ مَا حَصَلَ لِلْعِبَادِ مِنْ نَفْعٍ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقْصِدْ بِمَا خَلَقَهُ لِنَفْعِهِم
وَمَصَالِحِهِم، بَلْ إِنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ وُجُودِهِ لَا لأَِجْلِ كَذَا وَلَا لِنَفْعِ أَحَدٍ وَلَا لِضَرِّهِ،
فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ حَمْدٌ؟ فَلَا يُحْمَدُ عَلَى فِعْلِ عَدْلٍ،
وَلَا عَلَى تَرْكِ ظُلْمٍ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ - عِنْدَهُم - هُوَ المُمْتَنِعُ الذِي لَا يَدْخُلُ فِي
المَقْدُورِ، وَذَلِكَ لَا يُمْدَحُ أَحَدٌ عَلَى تَرْكِهِ، وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ وُجُودُهُ فَهُوَ عِنْدَهُم
عَدْلٌ، فَالظُّلْمُ مُسْتَحِيلٌ عِنْدَهُم إِذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ المُمْتَنِعِ المُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ الذِي
لَا يَدْخُلُ تَحْتَ المَقْدُورِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَرْكٌ اخْتِيَارِيٌّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَمْدٌ،
وَإِخْبَارُهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ بِقِيَامِهِ بِالقِسْطِ حَقِيقَتُهُ عِنْدَهُم مُجَرَّدُ كَوْنُهُ فَاعِلًا لَا
أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا هُوَ قِسْطٌ فِي نَفْسِهِ يُمْكِنُ وُجُودُ ضِدِّهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }
[فصلت: 46]،

نَفْيٌ عِنْدَهُم لِمَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي نَفْسِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، كَجَعْلِ الجِسْمِ فِي مَكَانَيْنِ
فِي آنٍ وَاحِدٍ وَجَعْلِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ عِنْدَهُم
هُوَ الظُّلْمُ الذِي تَنَزَّهَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:

"يَا عِبَادِي، إِنَّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسَي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ
مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا"،

فَالذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ المُسْتَحِيلُ المُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ كَالجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ،
وَلَيْسَ هُنَاكَ مُمْكِنٌ يَكُونُ ظُلْمًا فِي نَفْسِهِ وَقَدْ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ
لَا يُمْدَحُ المَمْدُوحُ بِتَرْكِ مَا لَوْ أَرَادَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: "وَجَعَلْتُهُ
مُحَرَّمًا بَيْنَكُمْ" فَالذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الذِي جَعَلَهُ مُحَرَّمًا بَيْنَ عِبَادِهِ وَهُوَ
الظُّلْمُ المَقْدُورُ الذِي يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ الحَمْدَ وَالثَّنَاءَ، وَالذِي أَوْجَبَ لَهُم هَذَا
مُنَاقَضَةُ القَدَرِيَّةِ المَجُوسِيَّةِ وَرَدُّ أُصُولِهِم وَهَدْمُ قَوَاعِدِهِم، وَلَكِنْ رَدُّوا بَاطِلًا
بِبَاطِلٍ وَقَابَلُوا بِدْعَةً بِبِدْعَةٍ، وَسَلَّطُوا عَلَيْهِم خُصُومَهُم بِمَا التَزَمُوهُ مِنَ البَاطِلِ
فَصَارَتِ الغَلَبَةُ بَيْنَهُم وَبَينَ خُصُومِهِم سِجَالًا، مَرَّةً يَغْلِبُونَ وَمَرَّةً يُغْلَبُونَ، لَمْ
تَسْتَقِرْ لَهْم النُّصْرَةُ الثَّابِتَةُ لأَِهْلِ السُّنَّةِ المَحْضَةِ الَّذِينَ لَمْ يَتَحَيَّزَوا إِلَى فِئَةٍ غَيْرِ
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَلْتَزِمُوا غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ، وَلَمْ يُؤَصِّلُوا
أَصَلًا بِبِدْعَةٍ يُسَلِّطُونَ عَلَيْهِم بِهِ خُصُومَهُم، بَلْ أَصْلُهُم مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللهِ
وَكَلَامُ رَسُولِهِ وَشَهِدَتْ بِهِ الفِطَرُ وَالعُقُولُ.



أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين


رد مع اقتباس