الحمد لله مبدِئ البرايا، مجزِل العطايا، له جزيل الحمدِ وكريمُ التّحايا،
خلقَ خلقَه، وأرسل إليهم رسلَه بجميل الخصال وحَسَن السجايا,
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له،
وأشهد أنّ سيدنا ونبينا محمّدًا عبده ورسوله،
خير بشرٍ وطئت الثرى قدمُه، ونطق بالحقّ فمه،
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه
والتابعين ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمـــــــــا بعـــــد : فيا أيها الناس،
إن مما يُعزّز مكانة المرء المسلم وصدق انتمائه لدينه وثباته على منهاج النبوة
ثقته بنفسه المُستخلَصَة من ثقته بربه وبدينه، فالمسلم الواثق بنفسه
إنما هو كالطَّوْد العظيم بين الزَّوَابِع والعواصف، لا تعصف به ريح،
ولا يَحطمه موج، وهذه هي حال المسلم الحقّ أمام الفتن والمتغيّرات،
يرتقي من ثبات إلى ثبات، ويزداد تعلّقه بربه وبدينه كلما ازدادت الفتن،
وادْلَهَمَّت الخُطُوب، وهو إبّان ذلك كله ثابت موقن، لا يستهويه الشيطان،
ولا يلهث وراء كل ناعِق، حادِيه في هذا الثبات سلوك طريق الهدى
وإن قلّ سالكوه، والنَّأي عن طريق الضلال وإن كثر الهالكون فيه.
وبمثل هذا المنهج يصبح المؤمن ممن وعى حديث النبي يحذر أمته بقوله: ((لا تكونوا إمَّعَة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا،
ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا))
رواه الترمذي وحسنه.