الحمد لله على إحسانه ، و الشكر له على توفيقه و امتنانه ،
و أشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله ،
الداعي إلى جنته و رضوانه ، صلى الله و سلم و بارك عليه ،
و على آله و صحابته و إخوانه ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمـــا بعـــد :
فاتقوا الله عباد الله ، و تأملوا فيما رواه
عبدالله بن عباس رضي الله عنهما حين قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( خلق الله جنة عدن بيده ، و دلى فيها ثمارها ، و شق فيها أنهارها ،
ثم نظر إليها فقال لها : تكلمي فقالت : { قدأفلحالمؤمنون } ،
فقال الله عز و جل : و عزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ) .
أرأيتم ياعباد لله ،
كيف يمنع البخل صاحبه من دخول جنة عرضها السموات و الأرض ؟
أرأيتم كيف يحرم البخل صاحبه من مجاورة الكريم المنان ؟
إنه داء خطير، وشر مستطير ، ذمّه الله تعالى و نهى عنه ، و توعد عليه
و جعله طريقاً للشقاء و العسر في الدنيا ، و سوء المنقلب و المصير في الآخرة
فقال تعالى
{ وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى،
وما يغني عنه ماله إذا تردى }
{ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم
سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير }
معاشر المؤمنين :
الإسلام يوصى بأن يكرم المرء نفسه ثم أهل بيته ثم ذوى رحمة ثم سائر الناس.
و معنى كرم المرء مع نفسه أن يشبع نهمتها من الحلال فيصدها عن الحرام ،
و أن يصونها عن مظاهر الفاقة التى تخدش مكانتها فى المجتمع ،
و تهبط بها دون المستوى الواجب لعزة المسلم ، و ذلك كله فى نطاق القصد الذى لا إسراف فيه
و لا شطط ، و للمسلم أن يمسك لديه من المال ما يبلغه هذه الأهداف المشروعة .
{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ،
ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً }
و على رب البيت أن يتعرف المطالب المعقولة لأهله و ولده ، و أن ينفق عن سعة فى قضائها ،
فليس من الدين أن يدع المرء زوجته أو بنيه و بناته فى حال قلقة من الاحتياج و الضيق ،
ثم يضع ماله فى مصرف آخر مهما كان خطره ،
فروابط الأسرة أولى بالعناية و أحق بالتوثيق من غيرها .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
( دينار أنفقته فى سبيل الله ، و دينار أنفقته فى رقبة ،
و دينار تصدقت به على أهلك ، أعظمها أجرا الذى أنفقته على أهلك )
إن فى هذا الإرشاد زجرا لطائفة من الناس يجنحون إلى السرف خارج بيوتهم
و بين أصدقائهم أو الغرباء عنهم ، فإذا خلوا إلى أهلهم كانوا أمثلة سيئة للتقتير و التعسف!
و فى الحديث
( يا أمة محمد و الذى بعثنى بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل
و له قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم ،
و الذى نفسى بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة )
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل
ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء
وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم }
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، و تعوذوا بالله من الجبن و البخل ،
و ضلع الدين و قهر الرجال .