و قال :
(( لقد جيء بالنار يحطم بعضها بعضا
و ذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها ،
حتى رأيت فيها عمروا بن لحي يجر أقصابه أي أمعاءه في النار
و رأيت صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها
و لم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ،
قال : ثم جيء بالجنة و ذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ،
و لقد مددت يدي فأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه
ثم بدا لي أن لا أفعل )).
أيّها المسلمون ، لا شكَّ أنَّ الشمسَ و القمر من أعظمِ آيات الله عزّ و جلّ
الدالّةِ على عظيم قدرته الباهرة و الباعثةِ على الخوف الحقيقيّ منه سبحانه دونَ أحدٍ سواه ،
و هذه الآياتُ العظيمة قد اعتاد عليها الناس ،
فربما غفَل بعضُ الخلق عن التفكُّر فيها، فيُحدِث الله عزّ و جلّ عليها من الطواري
و الحوادِث و التغيُّرات الكونية ما يبعثُ المسلمَ على التفكُّر و التذكّر ،
فلو اجتمع الإنسُ و الجنّ على أن يُغيِّروا من نظام هذا الكون شيئًا لم يستطيعوا ،
أو على أن يعيدوا للقمَر ضوءَه لم يفلِحوا .
فهذه آيةُ الله عزّ و جلّ الدّالةُ على قدرته سبحانه و تعالى :
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ
مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ *
قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ
مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ *
وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ
وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
[القصص:71-73].
و قد بيّن النبيّ صلى الله عليه و سلم في خطبتِه بعد أن فزع فزعًا شديدًا
عندما رأى هذا الكسوفَ للشّمس ، و ذلك الفزعُ بسبب أنَّ الخسوفَ و الكسوف
من علامات الساعة و من علامات العذاب ،
لذلك سُمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول في دعائه في سجوده :
(( يا ربّ ، ألم تعدني أن لا تعذِّبهم و أنا فيهم ؟! )) ،
فكان يبتهل إلى الله عز و جلّ أن لا يُنزل العذابَ بأمته رحمةً منه صلى الله عليه و سلم .
وذكر عليه الصلاة و السلام في خطبتِه بعضَ أحوالِ الآخرة ممّا رآه في صلاته
تنبيهًا و تذكيرًا للمؤمنين ، فمِن ذلك عذابُ القبر أجارنا الله و إياكم منه ،
و بيّن النبيّ علسه أفضل الصلاة و أزكى السلام أنه لا ينجو منه إلاّ من كان مؤمنًا موقنًا،
عندها يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت .
جعلنا الله و إيّاكم من الثابتين في الحياة الدنيا و في الآخرة .
كما أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلم أنّ الله عز و جل يغضب و يغار
عندما تُنتهَك حرماته عزّ و جلّ ،
و فيه تنبيه على أنّ الخسوفَ و الكسوف علامة على الغضَب و العذاب ،
عافانا الله و إياكم .
و من هذه المحارم التي نبّه عليها النبي صلى الله عليه و سلم ( الزنا ) ،
فهو موجِبٌ لغضَب الله عزّ و جلّ و أليم عقابه .
فالله عز و جل يغار و يغضب من انتهاك هذه الحرمات أو ما أحاط بها من حرمات ،
فقد قال سبحانه :
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ }
[الإسراء:32]
بأيِّ حالٍ من الأحوال ، سواء كان الوقوع في الزنا أو قربان الزنا
أو أيّ شيء يوصل إلى هذه الفاحشةِ الموجبة لغضب الله عزّ و جلّ و سخطه و أليم عقابه ،
سواء كانت هذه الأسباب الموصلة إليه الاختلاط أو السفور أو التبرّج
أو الدعوة إلى الرذيلة كما ينادي بذلك الذين يحبّون أن تشيعَ الفاحشة في الذين آمنوا ،
و الاستهزاء بما أحاط الله عزّ و جلّ هذه المحارم ،
أحاطها الله عزّ و جلّ بسياجٍ منيع من الحرمات ،
فالاستهزاء بذلك و انتهاكُ ذلك موجبٌ لعِقاب الله عزّ و جلّ ،
و كذلك نقصُ الأرزاق و الخوف و غير ذلك من العقوبات ، كلُّ هذا بسبب ذنوب العباد .
فهذه أسبابُ العقوبات قد انعقَدت ، و علامات العذاب قد ظهَرت ،
فعلى المسلمين جميعًا أن يتوبوا إلى الله عزّ و جلّ ، و أن يخلِصوا له التوبةَ النصوح ،
و أن يستغفروه و يتوبوا إليه ، فإنّ الله عزّ و جلّ يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيء النّهار ،
و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، و رحمتُه سبحانه وسِعت كلَّ شيء ،
و هو يدعوكم إلى جنته ،
{ وَٱللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ }
[البقرة:221]،
{ وَٱللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ }
[يونس:25]،
{ قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ
لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا }
[الزمر:53]،
{ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء}
[الأعراف:156].
رحمةُ الله تعالى واسعة ، فهو يناديكم ،
و هو أفرحُ بتوبة عبده من رجلٍ أضلَّ ناقتَه في الصحراء عليها متاعُه و زادُه ،
ثم فرح بها إذ لقيها ،
فالله عزّ و جلّ أفرح من هذا العبد الذي لقي ناقتَه بعد ضياعها .
فعليكم بالتوبة ياعباد الله ، إستغفرَوا ربكم و عودوا إليه ، و كبروه تكبيرا .
و قد يقول بعضُ المخذولين : إنّ هذه التغيّرات الكونيةَ لها أسبابٌ طبيعيّة معروفة ،
و ليست بسبب الذنوب ، فيجاب عن هؤلاء الغافلين عن آيات الله عزّ و جلّ
بأن كونَها معروفةً أو أنّ لها أسبابًا طبيعية لا يخرِجُها من كونها مقدَّرةً من عند الله عزّ و جل ،
فالله سبحانه هو خالق الأشياء و الحوادثِ و أسبابها و المسبّبات ،
فالله تعالى إذا أراد شيئًا بعث سببَه ، فيخلق سبحانه الأشياءَ و أسبابَها .
نسأل الله تعالى أن لا يؤاخذَنا بذنوبنا ، و أن لا يؤاخذنا بما فعل السّفهاء منا ،
و أن يغفر لنا و يرحمنا ، و يتقبّل منا و منكم صالحَ القول و العمل ، إنه قريب مجيب .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر
واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون }
[فصلت:37].
ثم صلّوا و سلّموا على رسولِ الله نبيِّكم المصطفى محمّدٍ رسول الله المُجتبى ،
فقد أمركم بذلك ربّكم جل و علا ، فقال عز من قائلا عليما سبحانه :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و بارِكْ على عبدك و رسولك نبيّنا و سيّدنا محمّدٍ ،
صاحبِ الوجه الأنوَر و الجبين الأزهر و الخلُق الأكمل ،
و على آل بيتِه الطيّبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمهاتنا أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين و الأئمّة المهديّين :
أبي بكر و عمر و عثمان و عليّ ،
و عن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
و عنّا معهم بعفوِك و جودك يا أكرم الأكرمين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة امورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو أى بلد من بلاد المسلمين
اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين ...
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت