عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-26-2011, 10:53 AM
vip_vip vip_vip غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى vip_vip
افتراضي

فما بالنا بتلك الإمكانات المعجزة المتعددة المتناقضة بل والمتضاربة التي خصّ بها الله مثل ذلك المخلوق العنيد الضئيل ؟


فهي تكوّنّ فيما بينها شركات عظمى لنظافة الطبيعة، فيرقاتها تستهلك كل ماهو تالف وعفن ونتن وميت من جثث حيوان وإنسان وأسماك وطيور وغيرها ومن براز الإنسان والحيوان ومن مواد نباتية وحيوانية متعفنة وتالفة وغير مرغوب فيها.


وهى – كما سوف نرى- قادرة على شفاء الجروح المزمنة الملوثة المستعصية.

وهى قادرة على أن تقوم بدور المرشد في الطب الشرعي لتحديد وقت الجريمة ومكانها.

وهى قادرة على إحداث أفدح الأضرار بالثروة الحيوانية مسببة خسائر اقتصادية هائلة وتسبب التدويد في الحيوان والإنسان.

وهى قادرة على نشر الأمراض والبكتيريا

بل هي قادرة على التهام البكتيريا الخطيرة المقاومة للمضادات الحيوية


ومع ذلك فانّ الله تبارك وتعالى الذي خلقها وأودع فيها كل تلك القوى الهائلة المعجزة والإمكانات الخطيرة يصفها بالضعف بل ويضرب بها المثل في الضعف:


{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُۚ

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْيَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُۖ

وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُۚ

ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }

سورة الحج: آية 73

ويقول صاحب الظلال – الأستاذ سيد قطب - رحمه الله وغفر له:

"ثميعلن في الآفاق , على الناس جميعا , إعلانا مدويا عاما . . يعلن عن ضعفالآلهةالمدعاة ; الآلهة كلها التي يتخذها الناس من دون الله . ومن بينها تلكالآلهةالتي يستنصر بها أولئك الظالمون , ويركن إليها أولئك الغاشمون . يعلن عن هذاالضعففي صورة مثل معروض للأسماع والأبصار , مصور في مشهد شاخص متحرك , تتملاهالعيونوالقلوب . . مشهد يرسم الضعف المزري ويمثله أبرع تمثيل:

(يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له:إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباولواجتمعوا له , وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب). .

إنهالنداء العام , والنفير البعيد الصدى: (يا أيها الناس). . فإذا تجمع الناسعلىالنداء أعلنوا أنهم أمام مثل عام يضرب , لا حالة خاصة ولا مناسبة حاضرة: (ضربمثلفاستمعوا له). . هذا المثل يضع قاعدة , ويقرر حقيقة . (إن الذين تدعون من دوناللهلن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له). . كل من تدعونمندون الله من آلهة مدعاة . من أصنام وأوثان , ومن أشخاص وقيم وأوضاع ,تستنصرونبها من دون الله , وتستعينون بقوتها وتطلبون منها النصر والجاه . . كلهم(لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له). . والذباب صغير حقير ; ولكن هؤلاء الذين يدعونهمآلهةلا يقدرون - ولو اجتمعوا وتساندوا - على خلق هذا الذباب الصغير الحقير !

وخلقالذباب مستحيل كخلق الجمل والفيل . لأن الذباب يحتوي على ذلك السر المعجزسرالحياة . فيستوي في استحالة خلقه مع الجمل والفيل . . ولكن الأسلوب القرآنيالمعجزيختار الذباب الصغير الحقير لأن العجز عن خلقه يلقي في الحس ظل الضعف أكثرممايلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل ! دون أن يخل هذا بالحقيقة في التعبير . وهذامنبدائع الأسلوب القرآني العجيب !

ثميخطو خطوة أوسع في إبراز الضعف المزري: (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوهمنه). . والآلهة المدعاة لا تملك استنقاذ شيء من الذباب حين يسلبها إياه , سواءكانتأصناما أو أوثانا أو أشخاصا ! وكم من عزيز يسلبه الذباب من الناس فلا يملكونرده . وقد اختير الذباب بالذات وهو ضعيف حقير . وهوفي الوقت ذاته يحمل أخطر الأمراضويسلبأغلى النفائس:يسلب العيون والجوارح , وقد يسلب الحياة والأرواح . . إنه يحملميكروبالسل والتيفود والدوسنتاريا والرمد . . ويسلب ما لا سبيل إلى استنقاذه وهوالضعيفالحقير !

وهذهحقيقة أخرى كذلك يستخدمها الأسلوب القرآني المعجز . . ولو قال:وإن تسلبهمالسباعشيئا لا يستنقذوه منها . . لأوحى ذلك بالقوة بدل الضعف . والسباع لا تسلبشيئاأعظم مما يسلبه الذباب ! ولكنه الأسلوب القرآني العجيب !

ويختمذلك المثل المصور الموحي بهذا التعقيب: (ضعف الطالب والمطلوب). ليقرر ماألقاهالمثل من ظلال , وما أوحى به إلى المشاعر والقلوب !"


إن التعبير القرآني معجز حقا وصدقا. فلقد قال الله تبارك وتعالى "ذبابا" ليدل على تعدد أنواع الذباب وليس فقط الذباب الذي نعرفه والذي ينازعنا وجوهنا. انك قبل أن أحدثك عن ذبابة الليوسيليا ربما لم تكن تعرف إلا الذباب المنزلي الذي يلازمنا في بيوتنا ومكاتبنا ومدارسنا ومشافينا وملاعبنا ونوادينا وشوارعنا. وذلك له قصص أخرى. ولكنني هنا أتكلم عن نوع واحد آخر. والتعبير القرآني لم يحدد نوع معين أو نوع واحد من الذباب. فيعلم الله سبحانه وتعالى أن 120000 نوع من الذباب سوف يكتشف ويدرس بنهاية القرن العشرين . وربما أضعاف ذلك العدد سوف تكتشف وتدرس قبل قيام الساعة. ولكن الذي أومن به أن الساعة سوف تقوم دون أن يعرف الإنسان أكثر من قطرة من محيط مما أنزله من علم. انه وحده الذي يحيط بكل شيء علما، ولكن لا ينبغي أبدا أن نتوقف عن العلم والتعلم والاجتهاد والاكتشاف. ولكن في غمرة ذلك ينبغي ألا ننسى الله تبارك وتعالى.


إننا لا نستطيع أن نستنقذ شيئا مما يسلبه الذباب منّا أحياء ولا أمواتا لا من أموالنا ولا من ممتلكاتنا ولا من أجسامنا ولا من أجسادنا.

" عن أبى هريرة رفع الحديث قال ومن أظلم ممن خلق خلقا كخلقي

فليخلقوا مثل خلقي ذرة أو ذبابة أو حبة "

مسند أحمد


ولكنّ هيهات هيهات

والى اللقاء في الجزء الثاني

محمد هاشم عبد الباري

21 جمادى الأولى 1432 ه

24 أبريل 2011

و أنتظرونا فى الحلقة المقبلة إن شاء الله

رد مع اقتباس