فِي هَذَا الْحَدِيثِ " عَلَى صَدْرِهِ " وَالْبَزَّارُ " عِنْدَ صَدْرِهِ "وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَتَحْتَ السُّرَّةِ .
- ص 82 - قُلْتُ : قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاخْتِلَافِ لَا يُوجِبُ الِاضْطِرَابَ ،
بَلْ مِنْ شَرْطِهِ اسْتِوَاءُ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ فَمَتَى رَجَحَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ قُدِّمَ ( وَلَا يُعَلُّ الصَّحِيحُ )
بِالْمَرْجُوحِ وَمَعَ الِاسْتِوَاءِ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُحَدِّثِينَ . وَهَاهُنَا وُجُوهُ الِاخْتِلَافِ
لَيْسَتْ بِمُسْتَوِيَةٍ ، فَإِنَّ فِي ثُبُوتِ لَفْظِ ( تَحْتَ السُّرَّةِ ) فِي رِوَايَةِابْنِ أَبِي شَيْبَةَنَظَرًا
قَوِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ . وَأَمَّا رِوَايَةُابْنِ خُزَيْمَةَبِلَفْظِ : عَلَى صَدْرِهِ وَرِوَايَةُالْبَزَّارِبِلَفْظِ :
عِنْدَ صَدْرِهِ ، فَالْأُولَى رَاجِحَةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْأُخْرَى . وَوَجْهُ الرُّجْحَانِ أَنَّ لَهَا شَاهِدًا حَسَنًا
مِنْ حَدِيثِهُلْبٍ ،وَأَيْضًا يَشْهَدُهَا مُرْسَلُطَاوُسٍبِخِلَافِ الْأُخْرَى فَلَيْسَ لَهَا شَاهِدٌ ،
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدٌ الْمُلَقَّبُ بِالْقَائِمِ السِّنْدِيِّ فِي رِسَالَتِهِ فَوْزِ الْكِرَامِ :
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُأَبُو الْحَسَنِفِي رِسَالَةِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ ،
وَالْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِوَائِلٍوَهُلْبٍوَمُرْسَلِطَاوُسٍ، وَتَفْسِيرِعَلِيٍّوَأَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ :
هَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ أَخَذَ بِهَاالشَّافِعِيُّ، لَكِنْ قَالَ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّدْرِ بِحَيْثُ تَكُونُ آخِرُ الْيَدِ
تَحْتَ الصَّدْرِ جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَيْنَ مَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " عِنْدَ الصَّدْرِ " ، انْتَهَى .
وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَهُمَا بِالْحَمْلِ عَلَى صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ
اخْتِلَافُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَحَذْوَ الْأُذُنَيْنِ فِي الصَّلَاةِ ، فَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ
بِالِاضْطِرَابِ فِي حَدِيثِوَائِلٍمِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ آخَرُ : قَالَ النِّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِهُلْبٍ الطَّائِيِّ
: رَوَاهُأَحْمَدُوَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ " عَلَى صَدْرِهِ " غَيْرُ مَحْفُوظٍ ، يَعْنِي أَنَّهُ شَاذٌّ ،
وَبَيَّنَ وَجْهَ كَوْنِهِ شَاذًّا غَيْرَ مَحْفُوظٍ أَنَّيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَخَالَفَ فِي زِيَادَةِ
قَوْلِهِ عَلَى صَدْرِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِسُفْيَانَوَسِمَاكٍفَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الزِّيَادَاتِ .
وَعُرِّفَ الشَّاذُّ بِأَنَّهُ مَا رَوَاهُ الثِّقَةُ مُخَالِفًا فِي نَوْعٍ مِنَ الصِّفَاتِ لِمَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ ،
أَوْ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَحْفَظُ وَأَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ مُنَافِيَةً لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمْ لَا .
وَادَّعَى أَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُالشَّافِعِيِّوَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،وَابْنِ مَعِينٍوَالْبُخَارِيِّ
وَغَيْرِهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا يُفْهَمُ مِنْ صَنِيعِهِمْ فِي زِيَادَةِ
" ثُمَّ لَا يَعُودُ " فِي حَدِيثِابْنِ مَسْعُودٍوَ " فَصَاعِدًا "
فِي حَدِيثِعُبَادَةَ " وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " فِي حَدِيثِأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ،
وَكَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ حَيْثُ جَعَلُوا الزِّيَادَاتِ شَاذَّةً بِزَعْمِهِمْ أَنَّ رَاوِيَهَا
قَدْ تَفَرَّدَ بِهَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِأَصْلِ الْحَدِيثِ .
قُلْتُ : تَعْرِيفُ الشَّاذِّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ،
وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ ألْبَتَّةَ ، وَجْهُ عَدَمِ صِحَّتِهِ ، أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ
كُلُّ زِيَادَةٍ زَادَهَا ثِقَةٌ وَلَمْ يَزِدْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ ، أَوْ لَمْ يَزِدْهَا مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ
وَلَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِأَصْلِ الْحَدِيثِ ، شَاذَّةً غَيْرَ مَقْبُولَةٍ .
- ص 83 - وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ . وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ اللَّازِمِ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ
هَذَا شَأْنُهَا قَبِلَهَا الْمُحَدِّثُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ كَالشَّافِعِيِّوَ الْبُخَارِيِّوَ غَيْرِهِمَا وَكَذَا قَبِلَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ ،
إِلَّا إِنْ ظَهَرَتْ لَهُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَقْبَلُونَهَا .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَالْبُخَارِيَّرَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَدْخَلَ فِي صَحِيحِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ بَعْضُ
الرُّوَاةِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ غَيْرِ مُنَافِيَةٍ ، وَلَمْ يَزِدْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ ، أَوْ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَحْفَظُ ،
وَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ بِإِدْخَالِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي صَحِيحِهِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ مِثْلَ
هَذِهِ الزِّيَادَاتِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ . وَقَدْ أَجَابَ الْمُحَقِّقُونَ عَنْ هَذَا الطَّعْنِ :
بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ صَحِيحَةٌ . قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ ص 402 :
فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي انْتَقَدْتُ عَلَيْهِمَا أَيِالْبُخَارِيِّوَمُسْلِمٍ، تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثُمَّ بَيَّنَ
الْحَافِظُ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ ، ثُمَّ قَالَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْهُمَا مَا تَفَرَّدَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ
بِزِيَادَةٍ فِيهِ دُونَ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ عَدَدًا أَوْ أَضْبَطُ مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْهَا .
فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ التَّعْلِيلُ بِهِ إِلَّا إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُنَافِيَةً بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ .
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ لَا مُنَافَاةَ فِيهَا بِحَيْثُ يَكُونُ كَالْحَدِيثِ الْمُسْتَقِلِّ . فَلَا ،
اللَّهُمَّ إِلَّا إِنْ وَضَحَ بِالدَّلَائِلِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مُدْرَجَةٌ فِي الْمَتْنِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ رُوَاتِهِ ،
فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَهُوَ مُؤَثِّرٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ ، انْتَهَى .