60 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان : ( معجزات الرسول )
الأخ فضيلة الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
60 - خطبتى الجمعة بعنوان ( معجزات الرسول )
الحمد لله تقدَّست ذاتُه ، و علَت أسماؤه و صفاته ،
سبحانه و بحمده ، تمّت صدقًا و عدلاً كلماته ،
أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ، لا تحصَى نعماؤه ، و لا تحصَر مكرماته .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أسلمَت له طوعًا و كرها مخلوقاته ،
و أشهد أن سيدنا و نبيّنا محمداً عبد الله و رسوله ،
و مصطفاه و خليله ، و أمينه على وحيِه، خصّه بخصائصَ علت بها منزلته،
و أيّده بدلائل علا بها مقامه ، و بهرت معجزاته ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمـــا بعــــد :
فيا أيها المسلمون ، أوصِيكم و نفسي بتقوى الله عزّ و جلّ ،
فاتقوا الله جميعاً رحمكم الله ، و قابِلوا إحسانَ ربكم بدوام حمده و شكره ،
فهو سبحانه يعامِل عبادَه بإحسانه و فضله ،
فإذا ما استعانوا بإحسانه على عِصيانه أدّبهم بعدلِه ،
فمن جاءه من ربّه ما يحبّ فليشكُر الواهب ، و من أصابه ما يكره فليتّهم نفسه ،
و من انقطعت عنهم متّصِلات الأرزاق فليعودوا باللّوم على أنفسهم و لا يتَّهموا الرزاق ،
{ وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ
وَلَـٰكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ }
[ الشورى : 27 ] .
أيّها المسلمون ، في العصور الماضيةِ و الأحقاب السّالفة عاش كثيرٌ من
العظماء و رجالات التاريخ و الديانات ، نقلتِ الأنباء أخبارَهم ، و دوّنت الكتب أوصافهم ،
و سجّلت المدوّنات أحوالَهم ، غيرَ أنه لا يوجد أحدٌ من هؤلاء العظماء و الرجال
من نُقلت أخباره و دُوّنت صفاته و حُفظت سيرته و كُتِب سجلّ حياتِه
كما كان لنبينا محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ،
لقد وصَلَ إلينا ذلك بالنّقل المتواتر.
إنَّ سيرةَ رسول الله سيدنا محمدٍ صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
أصحُّ سيرةٍ لتأريخ نبيٍّ مرسَل ، سيرة واضحة مدقّقة في جميع أطوارها و مراحلها ،
حتى قال كاتب من غير المسلمين :
" محمّد هو النبي الوحيد الذي وُلِد تحت ضوء الشمس " ،
إشارةً من هذا الكاتب إلى دقّة سيرته عليه الصلاة و السلام و صحّتها و توازنها .
{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ }
[ آل عمران : 164 ] .
و لا تَزال عظمةُ رِسالته و خَصائص نبوّتِه ميدانًا فسيحًا للمتأمِّلين
و مَنهلاً رويًّا للبَاحثين المنصفين ، كما هي نديَّةٌ نضِرة على الدوام ،
بل كلّما نشب الصّراع بين الحقّ و البَاطل ازدادت عَبقًا و أخضِرارًا .
معاشر المؤمنين ،
هذا حديث تحبه القلوب المؤمنة ، و تأنس به نفوس بالإيمان مطمئنة ،
حديث ينفتح معه القلب ، و يأخذ بمجامع اللب . حديث لا يكفيه من الوقت كفاية ،
و لا يحيط به من اللسان بيان .
إنه الحديث عن آيات المصطفى صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم و معجزاته ،
و دلائل نبوته و رسالته صلوات ربي و سلامه عليه .
إخوة الإيمان ، ما بعث الله من نبي إلا جعل له من الآيات و المعجزات
ما على مثله آمن الناس ، فيأتي النبي و معه المعجزة ،
فيراها الناس فيؤمنوا به و بما جاء به ،
و لما أراد المولى جل و علا أن يختم الرسالات السماوية ،
أرسلَ رسوله محمدا صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ، و أيده بمعجزات بهرت العقول و أعجزتها ،
و رسخت جذور الإيمان في القلوب و نمُتها .
يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم :
(( ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ،
و إنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ ،
فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة ))
ألا و إن أعظم معجزاته صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم هي القرآن الكريم ،
كتاب الله العظيم ، و حبله المتين ، و صراطه المستقيم ،
فيه نبأ الأولين و الآخرين ، و ذكر المتقدمين و المتأخرين :
{ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ }
[ الأنبياء : 10 ] ،
كما و يقول سبحانه :
{ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ }
[ ص : 88 ] .
عباد الله ، أيّد الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
بكثير من المعجزات الحسية التي أثرت في أتباعه ،
فعلموا أنّ هذا الأمر لا يكون إلا من الله ، فأسر ذلك القلوب قبل العقول ،
فكانت الثمرة إيمانا صادقا لا يخالجه ريب ، و محبة حقيقية لا ينازعها شك .
فمن معجزاته عليه أفضل الصلاة و السلام أنه كان يكلّم الموتى و البكم و الجمادات ،
فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه
أن يهودية أهدَت للنبي بخيبر شاة مشوية سمّتها ،
فأكل رسول الله منها و أكل القوم ، فقال :
(( ارفعوا أيديكم ، فإنها أخبرتني أنها مسمومة )) ،
فكلّمته الشاة و هي ميتة مشويّة . و كان النبي يخطب الجمعة إلى جذع نخلة في المسجد ،
فلما صنع له المنبر و قام عليه أوّل جمعة
حن الجذع إلى رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم كما تحن العِشار ،
حتى نزل النبي إليه فوضع عليه يده يسكنه حتى سكن .
و جاءت امرأة لرسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم بابن لها قد تحرّك ،
فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا لم يتكلّم منذ ولد ، فقال رسول الله :
(( أدنيه )) ،
فأدنته منه فقال :
(( من أنا ؟ ))
فقال الأبكم : أنت رسول الله .
و من معجزاته ـ عباد الله ـ ما ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد
أن النبيّ تفل في عينَي عليٍّ يوم خبير و كان رَمِدًا ـ أي : كان بعينيه مرض الرَّمَد ـ ،
فلما نفث النبي في عينيه أصبح بارئًا .
و في صحيح البخاري أن رسول الله
نفث على ضربة بساق سلمة بن الأكوع يوم خبير فبرئت .
و في صحيح البخاري أيضاً أن ساق عبد الله بن عتيك انكسرت ،
فمسح النبي على الكسر ، قال عبد الله بن عتيك : فكأنما لم أشكها قط .
نعم يرعاكم الله ، هذا هو رسول الله
طبّ القلوب و شفاؤها و روح الأرواح و ريحانها .
ثبت في الصحيحين عن أنس رضى الله تعالى عنه قال :
أصابت الناس سنة على عهد رسول الله ، فبينما النبي يخطب في يوم الجمعة
قام أعرابي فقال : يا رسول الله ، هلك المال و جاع العيال فادع الله لنا ،
فرفع يديه و ما تُرى في السماء قَزْعَة ـ أي : سحابة خفيفة ـ ،
فو الذي نفسي بيده ، ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ،
ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته ،
فمُطِرنا يومنا ذلك و من الغد و من بعد الغد حتى الجمعة الأخرى ،
و قام ذلك الأعرابي أو غيره فقال : يا رسول الله ، تهدّم البناء و غرق المال فادع الله لنا ،
فرفع يديه فقال :
(( اللهم حوالينا و لا علينا )) ،
فما يشير إلى ناحية من السّحاب إلا انفرجت ، و صارت المدينة مثل الجَوْبة ـ
أي : مثل الحفرة المستديرة الواسعة ـ ، و سال الوادي قناة شهرًا ،
و لم يجئ أحد من ناحية إلا حدّث بالجود ، قال : فأقلعت ،
و خرجنا نمشى في الشمس .
و أتى أنس رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
و هو في جملة من أصحابه قد عصب بطنه من الجوع ،
فذهب أنس رضى الله عنه إلى أبي طلحة رضى الله تعالى عنه
و هو زوج أمّه فأخبره بما شاهد من النبي ،
فقال أبو طلحة لأم سليم زوجته : هل من شيء ؟ قالت: نعم كسر من خبز و تمرات ،
إن جاء رسول الله وحده أشبعناه ، و إن جاء معه آخر قلّ عنهم .
قال أنس رضى الله عنه : فذهبت إلى النبي فنظر إليّ فقلت : أجب أبا طلحة ،
فقال النبي لمن معه :
(( قوموا )) ،
فإذا أبو طلحة على الباب ، فقال : يا رسول الله ، إنما هو شيء يسير ،
فقال :
(( هاته ، فإن الله سيجعل فيه البركة )) ،
ثم أمر بسمن فصب عليه و دعا فيه ثم قال :
(( ائذن لعشرة )) ،
فقال :
(( كلوا و سمو الله )) ،
ثم أدخلهم عشرة عشرة ـ و كانوا ثمانين ـ حتى شبعوا ،
ثم أكل رسول الله و أهل البيت حتى شبعوا ، و أهدوا البقية للجيران .
أيها الإخوة المسلمون ،
هذه جملة من معجزاته عليه الصلاة و السلام تبين بما لا يدع مجالا للشك
فى صدقّ نبوته و وضوح رسالته ،
نسأل الله جل و علا أن يرزقنا و إياكم إيماناً صادقا ، و قلباً خاشعاً ، .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ،
بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ،
و نفعني و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم .
قد قلت ما قلت ، إن صوابًا فمن الله ، و إن خطأً فمن نفسي و الشيطان ،
و أستغفر الله إنه كان غفّارًا .