الخطبه الثانيه
الحمد لله و كَفى ، لم يزل بِنعوتِ الكمال و الجلال متَّصِفا ،
أحمده سبحانَه و أشكره أهل الحمد و الشُّكرِ و الوفَا ،
و أشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له مقِرًّا بها إيمانا و تصديقا و معتَرِفا ،
و أشهد أنَّ سيِّدَنا و نبيَّنا محمّدًا عبد الله و رسوله
أزكى الأمَّة فضلا و أعلاها شرفا ،
صلّى الله و سلَّم و بارك عليه و على آلهِ و أصحابه الأطهار الحنفا ،
و التابعين و من تبِعهم بإحسان و سارَ على نهجهم و أقتفى .
أمّـــا بعـــد :
فإن مطالبَةَ صاحبِ الحق بحقِّه ـ رجلاً كان أو امرَأة ـ أمرٌ مشروع و مطلبٌ صحيح ،
و إجابَتُه حقّ ، و إعانتُه حقّ كذَلك ،
و لكن يجِب أن يكونَ بمعاييرَ صحيحةٍ و ضوابط دقيقة ، تعطِي كلَّ ذي حق حقَّه ،
و توصل الحقَّ إلى مستحقِّه في عدل و وسطيّة ،
فيتحقَّق التوازُنُ في المجتمع و الأسرة .
إنَّ مما يثير الريبةَ و التخوُّف ما يظهر من دعواتٍ في بعض وسائل إعلامِ المسلمين
و كتاباتِ بعضِ كُتَّابهم و كاتِباتهم مِن دعواتٍ إلى الزجِّ بالمرأة المسلمة
في كلِّ ميدان مِن غير احتياطٍ و لا تحفُّظ ، بل بما يُوحي أنَّه انجِراف و تجاوبٌ
مع ما يطالب به منحَرِفون ممَّن لا يقيم للشَّرع وزنا
و لا للحِشمة و العفَّة مقامًا و لا مكانا .
ينبغي لأهل الإسلام دُوَلاً و أُمَما و أسَرا أن تتَّخِذ من التدابيرِ الضابِطة
ما يرفَع الريبةَ و يبعث على الطمأنينةِ و يتيح فرَصَ العمل الآمن
و يحفظ التوازنَ الأسريّ داخلَ البيت و خارجه و داخل المجتمع المسلِم كلِّه .
و بــعـــد :
أيها المسلمون ، فمع ما يظهر من بعض صُورٍ قاتمة و ألوانٍ ذات غبَش
فإنَّ الجهدَ الذي يبذُلُه علماء الشرع و أهل العِلم و الفقهِ و الفتوى
و أصحابُ الفكر السويِّ جهودٌ مباركة ، تمكَّنت من توجيهِ المجتمع
و بيان المنهَج الوسطِ المعتدِل ، و هم بإذنِ الله خلَفٌ عدول يحمِلون مشاعِلَ الهدى ،
ينفون تحريفَ الغالين و إنتحالَ المبطلين و تأويلَ الجاهلين ،
نجَحوا في كَبحِ كثيرٍ مِنَ التوجُّهات غير الوسطيّة غُلوًّا و جفاء .
فليسيروا على بركة الله في منهجِهم العدل الخيار ،
و يَبذلوا مزيدًا من الجدِّ و الجهد في ردِّ الرأي العامّ إلى مصادِرِ الشرعِ
و أصولِه مِن الكتاب و السنّة و الإستنباطِ الرشيد السديد ،
و لينفوا عن المسيرِ الترخُّصَ المذموم و التحلُّلَ الممقوت و غلوَّ الغالين ،
و تضييقَ المضيقين ، يميلون مع الحقِّ ، و يتحرَّون الوسط ، و يُراعون مصالح العباد ،
رجالا و نساءً، و مجتمعا و أفرادًا ، وقايةً من الفساد ، و تأمِينَ مصادِر العيش الكريم .
و إنَّ ضبطَ ذلك كله يكون بالنظر في المستجدّات و عرضها
على ثوابتِ الشَّرع و ضبط العادات و التقاليدِ و الأعراف
و رَبطها برِباط الشرع و تحديد مكانها و حكمها ،
فالجديدُ ليس مَرفوضا بإطلاقٍ ، و التَّقاليد محكومَةٌ و ليسَت حاكِمَة .
ألا فاتَّقوا الله يرحمكم الله ،
ثم صلّوا و سلِّموا على نبيِّكم محمّدٍ المصطفى و رسولكم الخليلِ المجتبى ،
فقد أمَرَكم بذلك ربُّكم جلّ و علا ، فقال عزَّ من قائلا عليمًا سبحانه :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و بارك على عبدِك و رسولك محمّد الأمين ،
و آله الطيِّبين الطاهِرين ، و أزواجِه أمُهاتنا أمَّهات المؤمنين ،
و أرضَ اللَّهمَّ عن الخلفاء الأربعةِ الراشدين ؛ أبي بكر و عمَرَ و عثمان و عليّ ،
و عن الصحابةِ أجمعين ، و التابعين و مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جودِك و كرمك و إحسانك يا أكرمَ الأكرمين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أنصر عبادَك المؤمنين...
أنتهت